قراءة نادر حمامي النقدية للسلطة في الإسلام
كتبت
مها الريشة

سبعينية عبد الجواد ياسين
احتفائية حافلة لصالون وأكاديمية تفكير بالسنة السبعين لميلاد المفكر المصري المستشار عبد الجواد ياسين.
خمسة عشرة ندوة ينظمها تفكير في سبتمبر يستضيف فيها ثلة من كبار المثقفين العرب المطلعين على أعمال ياسين وتطور فكره.

كانت الندوة الثالثة يوم الخامس من الشهر، واستضاف فيها الصالون الأكاديمي التونسي الدكتور نادر حمامي أستاذ الدراسات الحضارية ومدير المعهد العالي للغات في تونس. قدم الندوة أمين الصالون والعضو النشيط جدا الطبيب المصري بالدينمارك دكتور أكمل صفوت.
يترك للضيف في هذه الندوات اختيار الزاوية التي يتطرق منها لأعمال عبد الجواد ياسين، وقد اختار الدكتور حمامي التركيز على كتاب واحد لياسين هو “السلطة في الإسلام” الصادر عن مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، وعلى جزء الأول من هذا الكتاب “العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ “، والعنوان الذي وضعه حمامي لحديثه هو “إشكالية النص في كتابات عبد الجواد ياسين”.
قال حمامي إن ياسين يرى أن الإسلام هو النص فقط، وإنه يكره القياس، وهذا طرح لا ينفرد به ياسين فحسب وإنما يشاركه فيه كثيرون، وأضاف أن ياسين يرى أن إشكالية النص ليست في المفهوم فحسب، بل وتتعداه إلى استعمالاته، وأن المشكلة تتلخص في مرور المسلمين بلحظتين أساسيتين في الإسلام نفسه، فهناك إسلام النص وهو يطابق القرآن أو الوحي وهذا إسلام عفوي، وإسلام التاريخ أي المقنن بعد التدوين، وهذا يعني بعد قيام الدولة، وفيه خروج عما كان في النص تحت وطأة السياسة.
يرى حمامي أن كتاب ياسين محكوم بهاجس سياسي، ففي الظاهر هو بحث في التراث، لكن الحقيقة هو أنه بحث عن جذور المعضلات والمآزق الموجودة في الراهن ليجعلها موجودة في التراث الإسلامي بشكل عام، فالمعضلة الأساسية – في رأي ياسين – هي ابتعاد المسلمين عن إسلام النص ليدخلوا إسلام التاريخ.

يجد حمامي طرافة في قول ياسين إن المشكلة هي عدم فهم العالم الإسلامي لمفهوم النص، ويرى أن غرضه هو مقاومة كل ما من شأنه توسيع دائرة النص، وهذا في حد ذاته غرض نبيل – في رأي حمامي – إذ أن تضييق دائرة النص يوسع دائرة الحرية الإنسانية، لكن ذلك يبرز مشكلة إخراج النص من دائرة التاريخ، وهذا ما لا يقنع حمامي، فالنص كان متفاعلا مع التاريخ كما يقول، ويستشهد بقول المفكر المصري نصر حامد أبو زيد إن “القرآن في حوار دائم مع المتلقي”، وبالتالي فهو نص تاريخي.
معضلة أخرى يشير إليها حمامي، وهي مماهاة ياسين بين النص والوحي، ورؤيته أن النص هو بداية الإسلام. يقول حمامي إن هذا ما دفع ياسين في منهجيته لقراءة الخوارج والمعتزلة والشيعة، وهي فرق أساسية تعاملت مع توسيع دائرة النص ليصبح في خدمة السياسة لا النواحي الدينية.
يرى حمامي أن الإسلام لم يتشكل إلا حين انطلق النص مصحفا إماما، وكان ذلك بقرار من لجنة عثمان، أي بقرار سياسي، ثم إن الخوارج التي نقدها ياسين هي أكثر الفرق التي تعتمد على النص فقط، وهي تعارض كل النصوص الثانوية او التفاسير او الاعتماد على الحديث النبوي، فاكتفاء ياسين بالنص يتقارب مع ما طرحه الخوارج مثلا قبل أربعة عشر قرنا.
أما المعضلة الثالثة التي يرصدها حمامي فهي حصر ياسين النص في الإسلام الصحيح، فيما يرى الفقهاء – وهم السلطة في الإسلام – أن ما يعرفونه هو الإسلام الصحيح.
يرى حمامي مفارقة في احتفاء ياسين بابن حزم الأندلسي الكاره للقياس مثله، فالأندلسي يوسع دائرة النص الى الحديث النبوي، وقد أسمى الحديث النبوي وحيا غير متلو، فيما القرآن وحي متلو، ثم إن ابن حزم طبق على شارب الخمر حد المفتري أي جلده ثمانين جلدة، وهذا قياس.
يرى حمامي أن محاولات ياسين – كغيرها من المحاولات المرتبطة بالفكر الحداثي في السياقات العربية الإسلامية – فكر يعالج القضايا الأساسية مثل النص، لكنه يطرحها من داخل المنظور الايماني، أي هي قراءات تراثية تنظر بعين الحداثة، ولكن تحاول تأصيل تلك الحداثة في شيء من التراث. وهذا فيه إشكالات يفصلها حمامي كما يلي:
الإشكال الأول هو أن ياسين يخرج النص أي القرآن من التراث، والنص في رأي حمامي ينتمي إلى التراث.
الإشكال الثاني هو أنه مستحيل للنص أن يكون ناطقا بنفسه دون تأويل أو فهم، وبالتالي يندرج في اليوتوبيا الخارجة عن التاريخ، فما يفهمه ياسين في النص – كما يقول حمامي- قد يفهمه آخر بشكل آخر، وبالتالي سنندرج في مسألة التاريخ، وهنا تنجم معضلة صراع التأويلات بين من يرى أننا لو اكتفينا بالقرآن سننخرط في الحداثة، وبين من يقول إننا إذا اكتفينا به فهذه سلفية قد تؤدي الى العنف. يشير حمامي هنا إلى مفارقة أن الخوارج التي اكتفت بالنص لجأت إلى العنف.
والإشكال الثالث هو ما العمل حين تكون هناك نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ولكنها تتعارض مع مبادئ الحريات التي وصل إليها العقل البشري؟ هل سيُقَدَم ما وصل اليه العقل البشري؟ أم سيكون للنص الكلمة الأخيرة للفصل بين مجتمع يرنو إلى أن يكون مجتمعَ مواطنيه، تقوم العلاقة بينهم على ما يسمى العقد الاجتماعي المواطني لا على التراث أو التأويلات أو حتى النص، أي لا يمكن الانتظام وفق أي من النصوص التي هي تاريخيا سابقة لقيم الحداثة برمتها، ومن ضمنها النص القرآني؟
ويتساءل حمامي في نهاية حديثه: ألا يمكن أيضا اعتبار أن الإسلام برمته موجود في النص فقط هو إقرار بأن كل التيارات التي جاءت لاحقا من خوارج ومعتزلة وشيعة وكذلك كل التيارات الأصولية هي تيارات لا تمثل الإسلام، وانما مرقت عليه تماما؟ ويصف حمامي هذ الآلية بأنها تقريبا آلية التكفير بحد ذاتها، بمعنى أن كل ما سيأتي بعد التدوين هو خارج عن الإسلام الصحيح، وهنا مكمن الخطورة حين يلتقي الحداثي أحيانا مع السلفي بشكل كبير جدا.
كانت ندوة الدكتور نادر حمامي شيقة، بحجج وتساؤلات متلاحقة أشبعت الحضور، وإن شوقتهم للمزيد من إنتاج المفكر الذي وُصف تطور فكره بالانعكاس لسيرته الذاتية.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد