“عودة لاجئ”.. بقلم منى حسنين… قصة قصيرة نادي أدب تفكير
القصة الحائزة على المركز الثاني في مسابقة القصة القصيرة لشهر مارس 2023
بقلم منى حسنين

إنها ليلتي الأخيرة هنا
و مع أول نسمة للفجر سأغادر
تحسَست جواز سفري الراقد تحت وسادتي و بداخله تذكرة الأحلام .. أو بالأحرى فانوسي السحري الذي سيحقق لى خيالاتي
من فرط الحماس أبى النوم أن يزور كهفي المظلم فجلست على طرف سريري و لففت سيجارة و أشعلتها
بهدوء سمعت صوت مقبض باب الغرفة و هو يدور فالتفتت لأطالع وجهها الباسم ..بشوشة برغم ما يعتمر فى قلبها من حزن و لكن كعادتها وارت حزنها خلف ابتسامة عذبة .. لكن تلك المرة لم تستطع اخفاء كامل مشاعرها .. وبالرغم من أني كنت السبب فى ذاك الحزن الا أنني لم أحمل من شعور الذنب مثقال ذرة
نعم انا ابنها الوحيد و قد عكِفَت على تربيتي بعد وفاة والدي و لكن من حقي ان أسافر خلف حلمي
-أمازلت مستيقظ
نطَقَتها بخفوت لين
-أجل لم استطع النوم
-هل حزمت جميع ملابسك
-الصيفية فقط يا أمي فكما أخبرني مدحت أن جو تلك البلاد حار طوال العام
-لا أريدك أن تقلق علىّ فمازلت بكامل صحتي و سأستطيع تدبر أمري
أومأت برأسي موافقاً ثم نَهَضت و ضَمَمت رأسها و قبلته فقامت مسرعة حتى لا تدعني اشاهد دموعها
……………………………………………….
تثاقلت أنفاسي وأنا أصعد درجات السلم العتيق ،أزكمتنى رائحة الذكريات المتناثرة فى كل ركن من أركان منزلنا القديم. موطنى الأول و مأواى الأخير.
رحلة عمر ليست بالطويلة منذ أن خرجت من ذلك الباب و أقسمت ألا أعود إلا زائراً يصل رحمه إتقاءاً لغضب الرب ، و ها أنا ذا لم أجد مكاناً يدثر أحلامى سوى تلك الجدران.
تناثرت خطواتي ليترك حذائى آثاره على غبار الزمن الذى يملؤ أرجاءه
سنوات من الغربة ارتضيتها من أجل أن أعود و أتزوج من ِهِمت بها لسنوات أطول ، جمعت من الأموال ما يكفى ليكون لى وطنى الخاص وتشاركنى فيه من رضيت بها و تمنيتها منذ أن وقعت عينى عليها.
وها أنا ذا أودع أحلامي و ابني الوحيد و بيتي البارد لأعود أدراجي لأول الطريق
غريب أمر تلك المشاعر، تفعل بالمحب ما يفعله الخمر بالعقل، سكرة العشق تُذهل العاشق عن كل ما حوله فلا يرى سوى المعشوق، التوق إلى الكمال يُميت عيوب المحبوب فى أعين المُحب، فيحاول أن يصبغ صفات المحتجب على الظاهر فيجعله ملاكاً بلا خطيئة، لكن الملاك مأمور بلا حيلة و ما أكثر حيل البشر، و بعد كشف المستور يبطُل سحر الغموض و ينجلى البصر.
ألقيت بجسدى على مقعد طالما احتضننى،أغمضت عيناى لبرهة بدت كالعمر، تذكرت يوم أن ودعت أمي . كم كنت غبياً أحمقاً لأتركها وحيدة لتودع دنيانا وحيدة .. حلَقَت سحابة سوداء فى سماء الحجرة، أو هكذا بدت، فانهمرت أمطارها على وجنتاى، أمطار حارة خاشعة و منكسرة.
وطنى الأول أصبح مهجورا و وطنى الآخِر أمسى مسلوباً بأمر من محكمة الأسرة، و ها أنا ذا لاجئٌ فى أرضى و تحت سماواتى.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد