قطعة الحلوى… بقلم: عمرو عبد الرحمن

بقلم: عمرو عبد الرحمن

280709377_5758375077522788_4038074696299373968_n2 قطعة الحلوى... بقلم: عمرو عبد الرحمن

وُلدت لأسرة متوسطة، يعمل الأب والأم في شركة من شركات القطاع العام -طيب الله ثراه- صباحًا ويعمل الأب عملًا إضافيًا مساءً. وفي وجود طفلين، كانت الحاجة لذهابهما إلى حضانة مُلِحة. ولحسن الحظ كانت الحضانة موجودة على بعد خطوات من المنزل، لتتمكن الأم أثناء عودتها من عملها من اصطحاب طفليها عائدين إلى المنزل.

لا أملك ذكريات عن تلك الحضانة إلا اثنتين. أولهما: أنني كنت أرتبط بعلاقة صداقة بابنا مالكة الحضانة: مينا ومجدي. وأننا كنا نتشارك اللعب على جهاز الكمبيوتر الموجود في الحضانة. وثانيهما: ذكرى ما حدث بسبب قطعة الحلوى.

اعتادت أمي أن ترسل معنا الساندوتشات وقطعتي حلوى لا يزال طعمها الجميل في فمي إلى الآن. لا أذكر اسمها، لكنها كانت مغطاة بغلاف أحمر وتنتمى للأنواع التي انقرض بعضها من السوق المصري، وبقي بعضها شاهدًا على حلاوة زمان مثل “ماندولين وستارز”.

في ذلك اليوم وصلنا إلى الحضانة صباحًا كالمعتاد، ودّعتنا أمي، وأعطتنا الحقيبة التي تحوي إفطارنا، الذي تناولناه بسرعة من أجل الوصول للحظة الاستمتاع بطعم قطعة الحلوى اللذيذة. كنت الأسرع في الانتهاء من إفطاري، فقمت باستخراج قطعة الحلوى، وتناولتها يغمرني شعور بالسعادة بسبب الدوبامين، الناتج عن امتزاج الشوكولاتة مع الكراميل في فمي.

1000027510 قطعة الحلوى... بقلم: عمرو عبد الرحمن

وعندما انتهى أخي من تناول إفطاره، أدخل يده في الحقيبة باحثًا عن قطعة الحلوى فلم يجدها. بحث في كل مكان، وفتح كل المخابئ، لكنه لم يعثر على شيء. نظر إليّ ثم جرى نحو المسئولة عن الأطفال في الحضانة، “ميس داليا” -التي لم أنس اسمها يومًا- وكان يجهش بالبكاء، وأخبرها أنه لم يجد قطعة الحلوى التي اعتادت أمه أن تضعها في الحقيبة كل يوم.

وأنني من أكل قطعة الحلوى الخاصة به!

ما الذي جعله يظن ذلك؟ ولماذا اتهمني دون دليل؟ المشكلة الأكبر كانت أن “ميس داليا” لسبب لا أعلمه قررت التعامل مع اتهام أخي لي كحقيقة مؤكدة، وتحولْت من متهم إلى مُدان في وقتٍ قياسي، رغم إنكاري للاتهام وإعلاني أنني لم آكل إلا قطعة حلوى واحدة.

وجد حديثي آذانًا صماء. وصممت “ميس داليا” على أن أقوم بإخراج قطعة الحلوى التي خبأتها أو الاعتراف بأنني من أكلها، وهو ما رفضته. فكيف لي أن أُخرج شيئًا ليس له وجود، ولماذا اعترف بشيء أنا من فعله بريء؟ لاقى رفضي هذا غضبًا شديدًا من “ميس داليا”، التي أصرّت أن أقوم بالبحث في كل مكان عن قطعة الحلوى.

بحثت أسفل الكراسي ووراء الأبواب وأعلى الطاولات. بحثت بجانب الكمبيوتر وفي الحمام والمطبخ. كنت أبكي أثناء بحثي زاحفًا أسفل كراسي زملائي في الحضانة، كرسي تلو كرسي، وفوق كل كرسي ينظر إليّ الطفل الجالس عليه نظرات فيها مزيج من الشفقة والاتهام بأنني من أكل قطعة الحلوى وحرم أخاه منها.

أنهيت بحثي في كل مكان، ولم أجد دموعًا متبقية لديّ كي أذرفها. لم يكن ما يُبكيني هو الإرهاق من الزحف والبحث المُضني، لكن الإحساس بالظلم الشديد الواقع عليّ دون دليل أو برهان.

1000027089 قطعة الحلوى... بقلم: عمرو عبد الرحمن

بعد ذلك قررت “ميس داليا” أنني سأبقى منبوذًا حتى نهاية اليوم، واقفًا على قدماي، رافعًا يداي لأعلى حتى أعترف بمكان قطعة الحلوى أو ينتهي اليوم، أيهما أقرب.

كنت أنظر للأطفال وهم يلعبون ويضحكون، وأنا أقف منبوذًا متألمًا مظلومًا لا يشعر بوجودي أحد.

ما الذي جنيته ليحدث لي كل ذلك؟!

مرت الساعات بطيئة، وفي نهاية اليوم جاءت أمي لتجدني أبكي، فاحتضنتني وسألت “ميس داليا” عن سبب ذلك. أخبرَتها عن قطعة الحلوى، فردت أمي أنها اليوم لم تضع إلا قطعة حلوى واحدة, لأن العلبة بها عدد فردي من قطع الحلوى، فلم تكن هناك قطعة أخرى في الحقيبة.

نظرت إلى “ميس داليا” نظرة منتصر أنهكته الحرب، علمت يومها أن الحقيقة تظهر في النهاية وأن الظلم ينتهي في آخر الطريق، لكنه يترك في أجسادنا جراحًا يمكن أن تُشفى، وفي نفوسنا ندوبًا لا أظن أنها تُشفى، وتظل تطاردنا طوال حياتنا، إلا أننا يمكن أن نتعلم منها الدروس بالطريقة الصعبة، الطريقة المؤلمة، لأن الألم يُذكّرنا حين ننسى، والدليل أنني لم أنس اسم “ميس داليا” أبدًا، ولم أنس معه طعم الإحساس بالظلم.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات