كفيل فيلم حياة الماعز الهندي .. بقلم: إيمان إسماعيل
ما يجمع بين نجيب وشيطان خرائط التيه هو الكفيل السعودي الذي ألقى بالعامل في الصحراء بين غنمه دون حقوق، وبلا أي محاسبة قانونية تحمي العمالة الوافدة، وهي ليست حكايات الهنود وحدهم، هناك حكايات تدور خلف الأبواب المغلقة خوفا على لقمة العيش
بقلم: إيمان إسماعيل

السينما! قد تكون أحيانا هي أحد الأجوبة الشافية ردًا على سؤال ما أهمية الفنون، بين حين وآخر يخرج عمل يمكن أن يحرك المياة الراكدة ويفتح أبواب يعمل أهلها على إغلاقها بألف قفل وإلقاء المفاتيح في قاع يم، لكن يأتي عمل ينبش القاع ويجد المفاتيح ويكشف العورات.
حياة الماعز واحد من هذه الأعمال التي جاءت في توقيت قد لا يناسب الذين ينفقون الكثير في سبيل شراء فن وحضارة وصورة غير واقعية، الفيلم مأخوذ عن رواية صدرت باسم أيام الماعز عام 2008 للكاتب الهندي بيني دانيل الذي إتخذ لنفسه أسم شهرة “بنيامين” والذي يقال أنه كتب روايته عن قصة حقيقية لرجل من ولاية كيرالا الهندية وقع ضحية للعمالة القاسية في السعودية لمدة عامان استطاع بعدهما الفرار والعودة لبلاده، أخرج الفيلم المخرج السينمائي “بليسي” ولعب دور البطولة الفنان الهندي “سوكوماران” وشارك في التمثيل ممثلون عرب من جنسيات مختلفة.
تدور أحداث الفيلم حول رحلة “نجيب” بطل العمل وصديقه حكيم، اللذان حملا وثائق السفر وتركا خلفهما الأهل والدار بحثاُ عن فرصة لحياة كريمة لم يجداها في ظل الفقر الذي تغرق فيه الهند، كغيرهما وقعا ضحية لعملية نصب من أولئك الذين يبيعون الوهم وحلم المهن الرغدة في بلاد مجهولة.
دقائق قليلة من بداية الفيلم وتبدأ رحلة الشابين في إكتشاف العذاب الذي سيعيشانه في حياة جافة وسط صحراء جرداء يرعيان الأغنام ومع كفيل لا يقدم إلا كسرة خبز والقليل من الماء للشرب فقط، ينسيان في الرحلة عدد الأيام التي عاشاها وحتى أنهما لا يتعرفان عند لقاءهما صدفة إلا من خلال الصوت، تغيرت أجسادهم وتغطت بالأوساخ والشعر الذي ابتلع أغلب ملامح الوجه، وفي كل هذا ورائهم كفيل لا يرى في وجهه إلا القسوة، ولا يحمل في يده إلا سلاح أو عقال ينزل به على أجساد مكفوليه.
الفيلم يمكن وصفه بأنه ميلودرامي كأغلب الأعمال الهندية، حيث يغلب على أداء ممثليه الميل للمبالغة في إبداء المشاعر والأداء الفني، ومع ذلك ولعمق الألم الذي نعرفه جميعا من حكايات العمالة المغتربة في الخليج فإن الفيلم مؤثرلحد بعيد، قد يجعل المشاهد أحياناُ لا يستطيع منع دموعه، قد يتأثر أحيانا حد إطلاق الشتائم وصب اللعنات على الكفيل ونظام الكفالة برمته.
ما هو نظام الكفالة؟
هو نظام قانوني ينظم العلاقة بين صاحب العمل والعمالة الأجنبية لديه، حيث يتحكم الكفيل في كل ما يتعلق بمكفوله، من السماح بالسفر والتنقل وغيرها من إجراءات ومعاملات، يأخذ الكفيل جواز السفر ويبقى عماله تحت رحمته طوال الوقت، وما فاجئني حقاُ هو أن هذا النظام الاستعبادي يوجد في أغلب دول الخليج والأردن والعراق وحتى في لبنان.
أثناء مشاهدة الفيلم، تذكرت حياة العامل الهندي الذي كتبت عنها الأديبة بثينة العيسى في رواية “خرائط التيه”، كان العامل المحتجز في مزرعة متهالكة وسط الصحراء، والذي لا يملك جواز سفره أيضاُ، لكنه كان هندي شرير تملك منه الشيطان وأغواه حتى أنه اغتصب طفلا صغيراً
ما يجمع بين نجيب وشيطان خرائط التيه هو الكفيل السعودي الذي ألقى بالعامل في الصحراء بين غنمه دون حقوق، وبلا أي محاسبة قانونية تحمي العمالة الوافدة، وهي ليست حكايات الهنود وحدهم، هناك حكايات تدور خلف الأبواب المغلقة خوفا على لقمة العيش، اتمنى أن نقرأ ونشاهد حكايات بلغات أخرى وعلى لسان جنسيات أخرى تحكي لنا عن الكفيل، ولكن من أين أتى نظام الكفيل؟ وهل يعاني منه السعوديون أيضاً؟
لا يحق للمرأة السفر بدون إذن الولي، ولا تخرج المرأة من السجن حتى بعد إنقضاء المدة إذا رفض وليها، إذا هربت المرأة من زوجها الذي هو وليها القانوني فإن الشرطة ستعيدها له، هذه نبذة صغيرة عن بعض ما تواجهه المرأة السعودية، التي لا ينطبق عليها نظام الكفيل، لكن لها ولي يحتجز جواز سفرها ويتحكم في مصيرها كأي عامل أجنبي.
الجدير بالذكر أن النظام السعودي لا دستور له، تنص المادة الأولى في النظام الأساسي للحكم على أن” المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولغتها هي اللغة العربية وعاصمتها هي الرياض”، وبالنظر في أغلب المواد في هذا النظام نجد تأكيداُ على أن دستورها ومصدر تشريعها هو الكتاب والسنة، إذا هل نظام الولاية والكفالة مصدرهما كتاب الله وسنة رسوله؟
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد