كلمة خريجي الدفعة الأولى من أكاديمية تفكير .. بقلم: أكمل صفوت

بقلم: أكمل صفوت

طبيب استشاري علاج الأورام بمستشفى جامعة أرهوس بالدانمرك ومن المهتمين بالفكر الديني والإسلام السياسي وهموم المصريين في المهجر.

screenshot-2024-05-25-at-07.23.32 كلمة خريجي الدفعة الأولى من أكاديمية تفكير .. بقلم: أكمل صفوت

زملاء الدفعة في أول كورسات أكاديمية تفكير، أستاذنا جمال عمر، وكل من يسمع أو يقرأ تلك الكلمات؛

تحياتي وأمنياتي بعام جديد سعيد وآمن بإذن الله. يشرفني ويسعدنى إني أقول كلمة بالنيابة عن الدارسين، كلمة هحاول فيها أعبر عن إحساسي بالكورس وأتمنى إنه يبقى صدى لأحاسيس زملائي وأصدقائي.

عايز أبدأ كلمتي برباعية من رباعيات صلاح جاهين بيقول فيها:

نظرت فى الملكوت كتير وانشغلت
بكل كلمة ليه وعشان إيه سألت
أسأل سؤال والرد يرجع سؤال
وأرجع وحيرتي أشد مما دخلت
عجبي

كأن صلاح جاهين بيكلمنا عن أكاديمية تفكير، ولما بيسأل بكل كلمة ليه؟ وعشان إيه؟. فهو بيقول بحكمة الفيلسوف وحساسية الشاعر، إن السؤال هو مبتدأ التفكير وبابه، وإن التفكير مابينتهيش لأنه صحيح بينتج إجابات، لكن الإجابات دي مابتبقاش نهائية بل إنها بتنتج أسئلة تانية أعمق وأعقد.
الحيرة هي النتاج الحقيقي للتفكير.

أما اللي صلاح جاهين ماقالوش فهو إن ضريبة الحيرة هي الوحدة. وإن اللي بيفكروا بجد بيبقوا زي اللي بيحبوا من طرف واحد، مبتلين بالوحدة وسط الناس، وبالشك في نفسهم. وبالقلق وبسهر الليالي.

ده كان حالي، وأظن حال زملائي ودفعتي لحد مافي يوم اتفتح ليا وليهم في الفضاء الإلكتروني طاقة، فسحاية للتفكير وللسؤال. مكان نادر، الحيرة فيه بتزيد بس الوحدة فيه بتقل.

مكان الوحدة بقى فيه “ونس” وأصحاب وصدقوني -لإنى غالبا أعجزكم- ده غير طبعا إني الأول ولازم تصدقوني، لما أقولكم عن تجربة، إن ونس الحيرانين بالأسئلة أجمل وأدفى وأبقى من ونس الموقنين إن عندهم الإجابات.

الجزء الإنساني النفسي ده واضح جدا في الأكاديمية والصالون والميدان وكل أنشطة تفكير، ورغم أهميته إلا إنه مش لازم يغيب عننا حاجة تانية برضه نادرة وجميلة وغاية في الأهمية، وهي إن الواحد يلاقي فرصة ومكان وناس يتعلم معاهم حاجة هو مهتم بها بشكل جاد لا لشيء إلا حب المعرفة.

لما سافرت الدانمارك وعشت فيها اتعرفت من خلال القراءة والاحتكاك بالمجتمع على شخصية ” نيكولاي جروندفيغ”.
“جروندفيغ” كان قسيس ومؤلف وشاعر وفيلسوف ومؤرخ ومدرس وسياسي شارك في لجنة كتابة أول دستور دانماركي سنة ١٨٤٨م عاش ٨٩ سنة من ١٧٨٣م لحد ١٨٧٢م.

واحدة من أهم إسهامات “جروندفيغ” كانت تأسيسه لفكرة المدارس الشعبية “الثانوية”. هو كان مؤمن إن الديموقراطية مش ممكن تزدهر إلا مع ازدهار التعليم وإن التعليم مش لازم يكون حكر على النبلاء والأغنياء. بس كمان كان مؤمن إن التعليم مش بس لاتينى قديم ودراسات أكاديمية معقدة وإنه لازم يبقى مرتبط بالواقع والمجتمع وإن الشعر والتاريخ أساسيين لأي تعليم أو تثقيف. وإن المناقشة والنقد بحرية هما أساس التعليم مش التلقين والحفظ. “جروندفيغ” سعى لعمل مدارس شعبية في قرى الدانمارك ومدنها الصغيرة، مدارس للكبار مالهاش علاقة بمدارس الدولة. مدارس مالهاش منهج واحد أو محدد. كل مدرسة لها كورساتها ومناهجها. مدارس بيعملها الناس للناس وبيعلموا فيها أي حاجة وكل حاجة. لما بدأت مدارس جروندفيغ تنتشر كانت المواضيع اللي بتدرس مرتبطة بالتاريخ والدين والسياسة لأن دي كانت احتياجات وقتها، لكن دلوقتي وبعد أكثر من ١٥٠ سنة على نشأة المدارس دي هتلاقي فيها أي حاجة، من الطبيخ للبوذية، للفلك للرقص.

لو انت مواطن دانماركي مهما كان عمرك، ومهتم بأي موضوع وعايز تعرفه أكثر غالبا هتلاقي كورس دراسي فى واحدة من المدارس الشعبية دي تتعلمه فيها.

الدنماركيين بيعتقدوا إن الفكرة دي كانت قفزة في التنوير وبقت أساس من أسس الدانمارك الحديثة. أنا موافقهم على كده وكنت طول عمري باحسدهم على الإنجاز ده.

مش عايز أبقى متفائل بسذاجة أو أخللي الأماني والأحلام تاخدني لبعيد، بس في الفسحاية الصغيرة قوي اللي احنا فيها دي، أنا شايف بذرة لحاجة شبيهة. هل أكاديمية تفكير ممكن تكون بذرة لمدارس شعبية سيبرانية لقضايا الدين الخلافية للمتحدثين بالعربية؟ معرفش، بس ليه لأ؟ صحيح الظروف مختلفة والتحديات مختلفة بس كمان الإمكانيات اللي بتخلقها الإنترنت بتخلى فرص النمو والتجذر أكبر وأسرع. اللي عايز أقوله، إني أثناء الكورس حسيت إننا بنشارك في شيء جاد وجايز على المدى الطويل يبقى مهم. وفى كل الأحوال أنا شخصيا فخور بكوني بوجودي وسطكم بأشارك في غرس البذرة دي.

وأظن هنا لازم نقف شوية علشان نشكر مؤسس الصالون وعميد الأكاديمية وصاحب أول كتاب يتدرس وعمدة دوار تفكير، جمال عمر.

كل اللي كتبوا لي قبل ما أقول الكلمة دي أجمعوا على إني لازم أشكرك،
أولا: على المبادرة، والفكرة والجهد المتواصل والمثابرة والإصرار.
ثانيا: على قدرتك غير العادية على تشجيع الناس وتحفيزهم انهم يطلعوا أفضل ما عندهم.
ثالثا: على قدرتك على التعامل مع الاختلافات بحكمة وتجاوز ظاهر الخلاف إلى اتفاق ما هو أعمق.
رابعا: قدرتك على توزيع مسؤوليات أنشطة تفكير، واختيار أصلح العناصر لكل دور بحيث أصبحنا كلنا شركاء وأصحاب بيت.
شكر عميق وامتنان مني ومن كل اللي شاركوا في الكورس على هذا المجهود العظيم. وإعجاب بقدراتك الرائعة.

وطبعا الشكر ممتد لكل الآباء الأوائل المؤسسين ولكل “موديريتور” و”أدمن” ساعد من البداية أو بدأ مؤخرا. لأننا مدركين إن المنظومة دي مش ممكن يشيلها واحد بس.

المثل ده مش بس حكيم جدا، لكن كمان بيقترب من إنه يبقى حقيقة علمية لأن الأبحاث أثبتت إن خلايا المخ بتتجدد ووصلاتها بتكتر وإمكانياتها بتزيد مع التعلم مهما كان عمر الإنسان.

فأنا لما باشوف كمية الأنشطة اللي أعضاء الصالون والأكاديمية بيشاركوا فيها والمبادرات اللي بيعملوها والمواضيع اللي بيتعلموها بقول مش غريبة إن كلنا شباب مهما كان عمرنا. شباب لدرجة اني ساعات لما بقرأ الشات بفتكر مدرسة المشاغبين، حتى جمال عمر، لسه شباب وأول المشاغبين.

وحيث إن التعلم هو إكسير الشباب فاحنا واقفين طابور في انتظار الكورس الجديد واللي بعده …. واللي بعده… واللي بعده…
وشكرا.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات