كيف تم جمع المصحف … بقلم أسماء زكي

أسماء زكي

d8a3d8b3d985d8a7d8a1-d8b2d983d98a كيف تم جمع المصحف ... بقلم أسماء زكي

-1-

d8b5d988d8b1d8a9-d981d8b1d8afd98ad8a9-d8b9d8a8d8af-d8a7d984d981d8aad8a7d8ad-d8a7d984d982d8a7d8b6d98a كيف تم جمع المصحف ... بقلم أسماء زكي
الشيخ عبد الفتاح القاضي

منذ قرأت “فاتحة” جمال عمر في كتابه مقدمة عن توتر القرآن سنة 2017، ثم استمعت لمحاضراته العديدة التي تناول فيها البحث في كيف تم جمع المصحف بداية من المصحف العثماني وحتى المصحف الحالي، كنت أتساءل دائما عن أهمية وجدوى هذا البحث. “لماذا البحث في كيف تم جمع المصحف؟ واللجنة التي تشكلت لجمعه في عهد عثمان بن عفان؟” كانت دائما أفكاري تتجه نحو المؤامرة، والتشكيك، هل المصحف الذي بين أيدينا هو نفس الآيات التي نزل بها جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام، أم دخل عليها أي تغيير؟ كان هذا السؤال يتبادر إلى ذهني لأني كنت لا أستطيع أن أفكر بغير هذه الطريقة، إذا أردنا البحث والتنقيب في شيء حدث منذ مئات السنين فبالتأكيد الهدف هو تسليط الضوء على قصور حدث فيه أو عوار ولكن تم التستر عليه. وكان رده على هذه التساؤلات مني أو من غيري أن هدفه هو ابراز العنصر البشري ودوره المحوري في جمع المصحف. لم أستطع أن أفهم هذا الرد وقتها وإلى وقت قريب جدا حتى قرأت مقال محمد مقصيدي “تأملات في جمع القرآن” في موقع مغرس عن نفس الموضوع ويسأل عن السر وراء اختيار عثمان لأشخاص بعينهم دون غيرهم ليكونوا أعضاء هذه اللجنة، ولكن منطلق الكاتب هنا كان مختلفا عن منطلق عمر، منطلقه كان أقرب لما كنت دائما أفكر فيه، نظرية المؤامرة، لقد تم إخفاء وقائع بهدف إبراز وقائع أخرى لكي نصل للصورة التي نحن عليها الآن، تركيزه كان على فكرة أن اللجنة وعثمان و ظروف مقتله و كل ما حدث وقتها كلها تشير إلى نوايا سيئة خفية كانت وراء وصول المصحف لنا بهذا الشكل. 

على الرغم من أن هذا المنطلق في البحث يتماشى كلية مع ما اعتدت التفكير عليه طوال الوقت، إلا أني لم أستسغه، شعرت وكأن الأمر أشبه بمعركة يتصارع فيها فريقان، فريق له الغلبة لأكثر من 1400 سنة وفريق آخر صغير يمثله الكاتب، وبالتأكيد هناك غيره كثيرين، لكنهم في النهاية يمثلون صوتا خافتا جدا يتم النظر إليهم بتشكيك ودعوى أنهم يريدون هدم الدين…الخ الاتهامات المعروفة. جعلني هذا أرجع لإجابة عمر السابقة عن الدور البشري الذي قام به “الإنسان” في فترة الجمع، أيا كان هذا الإنسان، من قبيلة قريش، من المهاجرين، من الأنصار، أيا كان، ما يهم هنا هو أن هذا الإنسان كان له دورا أساسيا في تقرير ماذا يكتب وماذا يحذف، وقبل ذلك كله اختيار من يقوم بهذه المهمة ويضع قواعدها. أعتقد أن هذا المدخل للبحث هو ما يستهويني الآن، أن أبحث وأنطلق من سؤال دون توجيهه لتحقيق هدف ما، أو بنتيجة محددة مسبقا. وهذا ما قررت أن أفعله، أن أبحث في كيف تم جمع القرآن في عهد عثمان. ما الأسباب التي دعت لاتخاذ هذا القرار، هل كان قرار عثمان وحده، هل تشاور مع آخرين؟ من هم؟ من قرر أسماء أعضاء اللجنة؟ من وضع شروط الجمع وقواعده؟ لا أعرف ما سأصل إليه بعد ولكن أيا كان بالنسبة لي هو اكتشاف جديد. 

2

كيف تم جمع القرآن في عهد عثمان؟

d8acd985d8a7d984 كيف تم جمع المصحف ... بقلم أسماء زكي

هذا السؤال قادني لسؤال آخر، ماذا حدث للجمع الذي تم في عهد أبي بكر؟ ولماذا يعاد جمعه مرة ثانية في عهد عثمان؟ يشير عبد الفتاح القاضي في كتابه “تاريخ المصحف الشريف” أن الجمع الأول تم في عهد أبي بكر بعد إصرار عمر بن الخطاب على الأمر بعد مقتل كثير من القراء في معركة اليمامة. وكان أبو بكر معارضا لذلك في بداية الأمر لأنه كان شيئا مستحدثا لم يتم في عهد الرسول ولكنه وافق بعد أن اقتنع برأي عمر، خوفا على ضياع القرآن بموت الحفظة والقراء. ووقع الاختيار على “زيد بن ثابت” وحده ليقوم بمهمة جمع وكتابة القرآن في مكان واحد. ولا يعرض القاضي أسباب لهذا الاختيار غير ذكر محاسن زيد بن ثابت وتقواه وورعه. “وإنما آثر الصديق زيدا بهذه المنقبة مع أن في الصحابة من هم أكبر منه سنا، وأقدم إسلاما و أكثر فضائل لأنه كان من أشهر الصحابة إتقانا لحفظ القرآن الكريم كله، ووعيا لحروفه، وأداءً لقراءاته، وضبطا لإعرابه ولغاته، وكان مداوما لكتابة الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم وكان مع ذلك عاقلا ورعا كامل الدين والعدالة. مأمونا على القرآن غير متهم في دينه ولا خلقه.” 

هل هذا يعني أن باقي الصحابة ممن اشتهر عنهم حفظهم للقرآن وكتابته في عهد الرسول و وقت نزول الوحي أمثال أبي بن كعب و عبد الله بن مسعود لا يرقون لمرتبة زيد بن ثابت؟ لماذا لم يختر أبو بكر حفظة وكتاباً آخرين لينضموا إلى زيد في مهمته؟ كان سن زيد عند هجرة الرسول للمدينة 11 سنة ولم يحضر فترة نزول الوحي قبل الهجرة على عكس عبدالله بن مسعود الذي كان من أوائل من دخلوا في الإسلام؟

يذكر القاضي في كتابه أنه لما زاد عدد الأمصار التي فتحها المسلمون وزاد عدد المسلمين و تنوعت قراءاتهم للقرآن بحسب ما تعلموه من قراءة الصحابة الذين اشتهروا في هذه الأمصار، ظهر الاختلاف في القراءات وظهر معه التعصب من قبل المسلمين للقراءة التي تعلموها واعتادوا عليها حتى كاد يصل الأمر للتأثيم. أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود وهكذا. وحتى لا يزداد الأمر سوءا ويتحول لفتنة قرر عثمان في حوالي سنة 25 هجرية نسخ مصاحف للقرآن وإرسال نسخة لكل مصر من الأمصار لتكون هي المرجع عند الاختلاف، أيضا قرر حرق كل ماعدا هذه المصاحف المنسوخة حتى يغلق الباب على أي تنازع يمكن أن يؤدي إليه اختلاف القراءات. وكان صاحب هذه الدعوة هو حذيفة بن اليمان بعد أن شهد اختلاف المسلمين من أهل الشام والعراق على القراءات وظن كل منهم أن قراءته هي الصحيحة.

d985d982d8afd985d8a9-d8b9d986-d8aad988d8aad8b1-d8a7d984d982d8b1d8a2d986 كيف تم جمع المصحف ... بقلم أسماء زكي

اختار عثمان لهذه اللجنة أربعة، على رأسهم زيد بن ثابت الأنصاري الذي كان في الثلاثينيات وقتها و ثلاثة من القرشيين كانوا في العشرينيات من عمرهم وقتها، أي أنهم ولدوا وقت هجرة النبي للمدينة تقريبا. هؤلاء القرشيين هم سعيد بن العاص، عبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن الحارث. لا يوضح القاضي أسباب اختيار عثمان لهذه الأسماء بخلاف ما قد ذكره سابقا عن سبب اختيار أبو بكر لزيد بن ثابت. سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي مولود سنة 2 هجرية، وكان عمره 9 سنوات عند وفاة النبي بحسب المصادر. وعبد الله بن الزبير ولد سنة 1 هجرية، والده الزبير بن العوام و والدته أسماء بنت أبي بكر. وقد كان من أشد المدافعين عن الخليفة عثمان عندما بدأت الاضطرابات بعد ذلك. والأخير عبدالرحمن بن الحارث، كان عمره حوالي 10 سنوات عند وفاة الرسول  بحسب المصادر، أمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة (لا أعلم هل هي نفسها فاطمة بنت الوليد زوجة عثمان قبل الإسلام). 

من الشروط التي وضعها عثمان لهذه اللجنة ألا يكتبوا شيئا في هذه المصاحف إلا بعد عرضه على “الصحابة جميعا و يتحققوا أنه قرآن ولم تنسخ تلاوته واستقر في العرضة الأخيرة، فلم يكتبوا ما نسخت تلاوته ولم يكن في العرضة الأخيرة”. و من الشروط التي وضعها عثمان أيضا أنه في حال اختلاف القرشيين الثلاثة عن زيد بن ثابت في شيء من القرآن أن يكتبوه بلسان قريش “فإنما نزل بلسانهم” وهو ما حدث بالفعل عند اختلافهم في قراءة “التابوت” التي كان زيد يقرؤها “التابوه” بالهاء على عكس القرشيين الذين يقرؤونها بالتاء المفتوحة فكتبت “التابوت” على لسان قريش.

أعتقد أن سؤال مثل “لماذا اختار عثمان هذه الأسماء تحديدا لتكون هي المسؤولة عن جمع ونسخ المصحف دونا عن غيرهم رغم حداثة سنهم و ووجود من كانوا أكبر منهم سنا وأكثر قربا للرسول خلال سنوات الوحي المكي والمدني؟” هو سؤال مشروع ومنطقي لكن لم أجد له إجابة ولا يبدو أنه كان مطروحا للنقاش والبحث من أصله فيما روي عن تاريخ جمع المصحف الشريف. بل على العكس المرويات المختلفة تنطلق دائما من فضل هؤلاء الأربعة لأنهم تشرفوا بكونهم أعضاء لجنة جمع القرآن؛ أي أن ما كتب عنهم وعن تاريخهم يبدأ من بعد هذه اللحظة المهمة في حياتهم وليس قبلها. 

كان الجمع الأول للقرآن هو ما قام به زيد بن ثابت في عهد أبي بكر وكان الشرط الذي وضعه له أبو بكر هو وجود شاهدين على أن الآية تم كتابتها بين يدي الرسول وأنها مما ثبت في العرضة الأخيرة. هذا مع الأخذ في الاعتبار اعتماده على المصدر الأول وهو ما وقر واستقر في صدور الصحابة وحفظوه. أي أنه اعتمد على الحفظ الشفاهي للقرآن في صدور الرجال والحفظ المكتوب على عسب النخيل والألواح واللخاف. وجمع كل ما كان مكتوبا وشهد عليه شاهدين ماعدا آخر آية في سورة التوبة “لقد جاءكم رسول من أنفسكم” التي لم يجدها مكتوبة إلا مع خزيمة الأنصاري فقط ولكن كان كثير من الصحابة يحفظونها. وتم الجمع والحفظ في صحف تم حفظها عند أبي بكر و عمر من بعده ثم حفصة بنت عمر وأم المؤمنين. 

ما سبق يعني أن الجمع الذي تم في عهد أبي بكر قد تم بعد التوثق والتأكد من أن الآيات تم حفظها وكتابتها بين يدي الرسول، لماذا إذن يعيد عثمان عملية التوثيق والتثبت من صحة الآيات بعرضها على الصحابة كلهم، حسب ما ذكر القاضي؟ ليس هذا فقط بل ذكر أيضا انه كانت هناك مصاحف لبعض الصحابة مثل مصحف عمر ومصحف عبد الله بن مسعود ومصحف علي بن أبي طالب ومصحف أبي بن كعب ومصحف عائشة ومصحف عبدالله بن الزبير أحد أعضاء اللجنة ومصاحف آخرين ولكن تم اعتماد نسخة مصحف لجنة عثمان فقط وإحراق كل ما عداها. يورد القاضي أمثلة لما في هذه المصاحف من اختلافات عن مصحف الإمام المعتمد ومن هذه الأمثلة أجد مثلا “وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر” في مصحفي عائشة وحفصة، ألا يعني ذلك وجود الآية مكررة مكتوبة وموثقة في أكثر من نسخة، ألا يعني ذلك أن الآية تحتمل أن تكون صحيحة على هذا الشكل؟ لماذا إذن لم يؤخذ بها و استقر الرأي على أن تكون كما هي عليه الآن؟ وهناك أمثلة عديدة على وجود اختلافات في بعض الآيات في هذه المصاحف عن المصحف الإمام لكن هذه الاختلافات مكررة في أكثر من مصحف. لماذا إذن لم يؤخذ بها؟ 

أخيرا وبحسب ما ذكره القاضي فإن كل الصحابة ممن كان لديهم نسخهم من المصحف على غير نسخة المصحف الإمام قد قاموا بإحراق نسخهم وهم راضون عن قرار عثمان لأن فيه درء للفتنة و حتى من كان معارضا في بادئ الأمر مثل عبد الله بن مسعود كما تشير المرويات أنه عارض في البداية لأنه لم يكن ضمن اللجنة، عدل عن ذلك وأقر ما فعله عثمان. وبقيت الصحائف التي كانت لدى حفصة بعد أن أعادها إليها عثمان بعد أن أتم عملية الجمع والنسخ وطلبها منها عبدالملك بن مروان ولكنها رفضت أن تعطيها له حتى توفيت  وطلبها من أخيها وأعطاها له وقام عبدالملك بإحراقها عملا بما قام به عثمان من قبله. أي أن الروايات تتجه كلها في اتجاه رضاء الصحابة كلهم حتى من عارضوا في البداية.

نسخ عثمان 6 نسخ من المصحف ليرسلها إلى الأمصار في الدولة الإسلامية، الكوفي، البصري، الشامي، المكي، المدني العام لأهل المدينة والمدني الخاص بعثمان والذي سمي بالمصحف الإمام لأنه أول مصحف تم نسخه وعنه أخذت باقي النسخ. أرسل عثمان مصحف لكل مصر من الأمصار وأرسل معه قاريء يعلم أهل تلك البلاد القراءة الصحيحة للقرآن لأن المصحف عندما نسخ لم يكن منقوطا ولا مشكلا وكان لابد من الاعتماد على من يحفظه عن ظهر قلب كي يتمكن من تعليمه لأهل تلك البلاد الذين لم يكونوا على علم باللغة العربية بعد.

وبهذا فقد كانت لجنة الأربعة التي كونها عثمان بن عفان هي من اختارت ونسخت وكتبت المصحف الشريف الذي بني عليه جميع النسخ التي دخل عليها التنقيط والتشكيل و الإعراب وبعد ذلك أرقام الآيات وعدد آيات الحزب الواحد وما إلى ذلك من الشكل المتعارف عليه الآن للمصحف الشريف.

لجنة عثمان بن عفان لجمع المصحف والقراءات العشر … بقلم أسماء زكي

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات