لجنة عثمان بن عفان لجمع المصحف والقراءات العشر … بقلم أسماء زكي

بقلم/ أسماء زكي

d8a3d8b3d985d8a7d8a1-d8b2d983d98a لجنة عثمان بن عفان لجمع المصحف والقراءات العشر ... بقلم أسماء زكي

استعرضت في مقال سابق كيف تم جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وأعضاء اللجنة الذين قام هو باختيارهم والمنهج الذي وضعه لهم لنسخ المصاحف التي قاموا بإرسالها للأمصار. وكانت هذه اللجنة مكونة من زيد بن ثابت الأنصاري (ت665م/45 هـ) رئيساً لها وعضوية كل من عبد الله بن الزبير (ت692م/73هـ)، سعيد بن العاص (ت679م/59هـ) وعبد الرحمن بن الحارث (ت663/ 45هـ). وفي هذا المقال أتناول سؤال “هل توقف دور أعضاء اللجنة عند مجرد نسخ القرآن الذي جمعه “زيد بن ثابت” وقت خلافة أبي بكر؟ أم امتد دورهم لما بعد ذلك من إرسال للمصاحف المنسوخة للأمصار المختلفة وتعليم أهلها قراءة القرآن، ومن ثم القراءات التي نقرأ عليها القرآن اليوم؟”.

للتعامل مع هذا السؤال يلزمني أولا أن أستعرض من هم أصحاب القراءات العشر التي تم اختيارهم من قبل القدماء على أنها القراءات الأكثر تواتراً، فمن هم أصحاب هذه القراءات، وعن من أخذوا قراءاتهم، وهل هناك صلة بينهم وبين أعضاء اللجنة التي كونها عثمان لنسخ المصاحف.

عدد المصاحف
 اختلف القدماء في عدد المصاحف التي تم نسخها وإرسالها إلى الأمصار، فمنهم من قال ثمانية مثل ابن الجزري (1429/ 833هـ)، الذي يرى أن عثمان قام بتوزيعها على النحو الآتي: مصحف للبصرة، ومصحف إلى الكوفة، ومصحف إلى الشام، وترك مصحفاً بالمدينة، وأمسك لنفسه مصحفاً الذي يقال له المصحف الإمام – ووجه بمصحف إلى مكة، ومصحف إلى اليمن، ومصحف إلى البحرين. ويرى أبو عمرو الداني (1053م/ 444هـ) إنها أربع نسخ، مصحف للكوفة، وآخر إلى البصرة، وثالثاً إلى الشام، وترك واحداً عنده. ويرى ابن حجر (1448م/852هـ) أنها خمس نسخ وهذا ما قرره السيوطي أيضاً (1505م/911هـ) في الإتقان. ويميل عبد الفتاح القاضي (1982م/1403هـ) إلى الاعتقاد بأنها كانت ست مصاحف، الكوفي، البصري، الشامي، المكي، المدني العام والمدني الخاص الذي احتفظ به عثمان لنفسه.

وقد أرسل عثمان مع كل مصحف لهذه الأمصار حافظاً يثق به ليعلم ويقرئ أهل هذه الأمصار قراءة القرآن في الجامع. فمكث زيد بن ثابت كي يقرئ الناس شفاهة في مسجد المدينة، وعبد الله بن السائب مع المصحف المكي، وبعث المغيرة بن شهاب إلى الشام، وأبا عبد الرحمن السلمي إلى الكوفة، وعامر بن قيس إلى البصرة.

رواة القراءات العشرة وصلتهم بلجنة عثمان
 نبدأ بقرّاء القراءات العشر المتواترة وصلة سندهم بلجنة عثمان. 
 قراءة نافع المدني (785م/169هـ): رجال نافع الذين يصلونه بالصحابة هم 5 من تابعي المدينة أخذوا القراءة عن أبي هريرة وابن عباس عن أبيّ بن كعب عن النبي (ص). “وقرأ عليه طائفة من القراء، منهم عثمان بن سعيد الملقب ب(ورش المصري) وعيسى بن مينا الملقب ب(قالون)” (ابن مجاهد، 25).
 إذن قراءة نافع المدني براوييه ورش وقالون تعود إلى الصحابيّ أبي بن كعب.

قراءة ابن كثير المكي (737م/120 هـ): وتصل سلسلة سند ابن كثير إلى عبد الله بن السائب المخزومي صاحب النبي (ص) ومجاهد بن جبر أبو الحجاج مولى قيس بن السائب ودرباس مولى ابن عباس وأخذ عبد الله عن أبيّ نفسه وأخذ مجاهد ودرباس عن ابن عباس عن أبيّ وزيد بن ثابت عن النبي (ص). (التيسير في القراءات، 8) أخذ القراءة عرضاً عن عبد الله بن السائب ومجاهد بن جبر. عبد الله بن السائب روى القراءة عرضاً عن أبيّ بن كعب وعمر بن الخطاب وعرض عليه مجاهد بن جبر وعبد الله بن كثير (ابن مجاهد، 22).
 تعود قراءة ابن كثير المكي إلى اثنين من الصحابة هما زيد بن ثابت، وأبي بن كعب.

قراءة أبي عمرو البصري (770م/154هـ): ذكر الداني أن رجال أبي عمرو “جماعة من أهل الحجاز ومن أهل البصرة ومن أهل مكة” (8) وقد أخذ هؤلاء الرجال عن الصحابة، مثل “إمام المدينة المنورة أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني قرأ عليه نافع، وكان أبو جعفر تابعيا جليلا صالحا…. قرأ أبو جعفر على كثير من الصحابة منهم أبو هريرة وأبيّ بن كعب وقرأ على ابن عباس على زيد بن ثابت وقرأ زيد وأبيّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم” (الباز، 70).
 تعود سلسلة سند أبي عمرو إلى زيد بن ثابت وأبي بن كعب.

قراءة ابن عامر الشامي (736م/118هـ):  إمام أهل الشام في القراءة. “أخذ القراءة عرضاً عن أبي الدرداء، وعن المغيرة بن أبي هشام صاحب عثمان بن عفان، وقيل عرض على عثمان نفسه وقيل غير ذلك” (ابن مجاهد، 21). رجال ابن عامر: ورجال ابن عامر أبو الدرداء عويمر بن عامر صاحب الرسول (ص) والمغيرة بن أبي شهاب المخزومي، وأخذ أبو الدرداء عن النبي (ص) وأخذ المغيرة عن عثمان بن عفان عن النبي (ص). (أبو عمرو الداني، التيسير في القراءات 9). اختلف في تاريخ ولادته، قيل سنة 8 هجرية وقيل سنة 21 هجرية. أخذ عن أبي الدرداء المتوفي سنة 32 هجرية، والمغيرة بن أبي هشام المتوفي سنة 91 هجرية.
 تعود سلسلة سند قراءة ابن عامر في نهايتها إلى أبي الدرداء الأنصاري.

قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي (744م/هـ127): إمام أهل الكوفة في القراءة، أخذ القراءة عرضا عن زر بن حبيش الذي أخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. وأخذ عن أبي عبد الرحمن السلمي الذي أخذ القراءة عرضا عن عثمان وعلي. وأخذ أيضا عن سعد بن إياس الشيباني الذي أدرك زمن النبوة لكنه لم ير الرسول (ص) ولكنه عرض على عبد الله بن مسعود. وكان عاصم يُقرئ حفصاً بقراءة علي بن أبي طالب التي يرويها من طريق أبي عبد الرحمن ويُقرئ أبا بكر بن عياش بقراءة ابن مسعود التي يرويها من طريق زر بن حبيش (سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي/ عاصم بن أبي النجود).
 تعود قراءة عاصم في سلسلة سندها سواء برواية حفص أو أبو بكر إلى علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود.

قراءة حمزة بن حبيب الكوفي (772م/156هـ): ولد سنة 80 هجرية “وإليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم والأعمش، وهو الذي صار أكثر أهل الكوفة إلى قراءته … أخذ القراءة عن سليمان الأعمش، وحمران بن أعين ومحمد بن عبد الرحمن بن ليلى، وغيرهم” (ابن مجاهد، 24). ويذكر الداني أيضا أنه أخذ القراءة عن يحيى بن وثاب الذي أخذ عن أصحاب عبد الله بن مسعود مثل علقمة بن قيس وزرً بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي وكلهم أخذوا عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (الداني، 9).
 تنتهي سلسلة سند قراءة حمزة الكوفي إلى عبد الله بن مسعود.

قراءة الكسائي (805م/189هـ): علي بن حمزة الكسائي الذي انتهت له إمامة القراءة بالكوفة بعد حمزة الكوفي. أخذ القراءة عن حمزة الكوفي وابن أبي ليلى وأبي بكر بن عياش كما ذكر ابن مجاهد في كتابه. ويذكر الذهبي في كتابه “معرفة القراء الكبار”، أن أبا بكر بن عياش “قرأ القرآن ثلاث مرات على عاصم” الذي أخذ بدوره عن عبد الله بن مسعود كما ذكر سابقاً.
 إذن تعود قراءة الكسائي في أصلها إلى عبد الله بن مسعود.

قراءة أبي جعفر المدني (747م/130هـ): هو يزيد بن القعقاع أبو جعفر المدني، ولد سنة 35 هجرية وانتهت إليه قراءة الناس بالمدينة. قرأ على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وقرأ أيضا على أبي هريرة وعبد الله بن عباس الذين قرآ على أبي بن كعب.، وقرآ أيضاً على زيد بن ثابت (الذهبي، 1/172).
 تعود سلسلة سند قراءة أبي جعفر إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت.

قراءة يعقوب الحضرمي (821م/205هـ): هو يعقوب بن إسحاق بن يزيد الحضرمي البصري الإمام التاسع في القرًاء العشرة، ولد بعد سنة 130 هجرية. أخذ القراءة عرضًا عن جماعة منهم سلام بن سليمان المزني، ومهدي بن ميمون، وقرأ على شهاب بن شرنقة قراءة أبي الأسود الدؤلي عن علي بن أبي طالب، وقراءته على أبي الأشهب عن أبي رجاء عن أبي موسى الأشعري في غاية العلو. وقرأ أبو موسى على الرسول (ص). (الطويل، 96).
تنتهي سلسلة سند يعقوب إلى عليً بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري.

قراءة خلف بن هشام (844م/229هـ): هو خلف بن هشام البزار، البغدادي، ولد سنة 150 هجرية، وهو المتمم للقراء العشرة باعتباره راوياً عن حمزة الكوفي الذي تعود سلسلة سنده إلى عبد الله بن مسعود.

أسماء زكي تعرض ورقتها في دورة توتر القرآن 2

بحسب أبو الحافظ الذهبي فإن الذين حفظوا القرآن وقرأوه على الرسول (ص) هم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، أبيّ بن كعب الأنصاري، عبد الله بن مسعود، زيد بن ثابت الأنصاري، أبو موسى الأشعري اليماني، وأبو الدرداء الأنصاري. لم يكن منهم أحد في لجنة نسخ المصاحف سوى زيد بن ثابت ومع ذلك كان قرار عثمان وتوصيته للجنة بأعضائها الثلاث الآخرين القرشيين أنهم إذا اختلفوا في قراءة مع زيد فليكتبوها بلسان قريش فهكذا أنزل القرآن.

 ومن هؤلاء السبعة نجد اسم “أبي بن كعب” وقد ورد أربع مرات في سلاسل السند للقراء العشرة، وكذلك “عبد الله بن مسعود” إليه تعود أربع قراءات، و”زيد بن ثابت” ترجع إليه ثلاث قراءات، و”علي بن أبي طالب” تعود إليه قرائتين، وقراءة واحدة ترجع إلى أبي الدرداء ومثلها ترجع إلى أبي موسى الأشعري، أخذا في الاعتبار أن بعض القراء تعود أصول قراءاتهم لصحابيين من هذه الأسماء في نفس الوقت.

أي القراءات سادت في العالم الإسلامي؟
 أكثر الروايات المنتشرة في المشرق الإسلامي هي رواية حفص عن عاصم، حيث يقرأ بها جميع أهل المشرق والعراق ومصر، وتنتشر أيضا رواية الدوري عن أبي عمرو في الصومال والسودان وتشاد ونيجيريا وأواسط أفريقيا.
 بينما نجد أكثر القراءات المنتشرة في المغرب الإسلامي هي قراءة الإمام نافع بالروايتين: رواية قالون، ورواية ورش. حيث نرى رواية قالون هي القراءة الرسمية في ليبيا، ويقرأ بها أهل تونس أيضا. ونرى رواية ورش مقروءًا في بلاد المغرب العربي (الجزائر والمغرب وموريتانيا)، وفي غرب أفريقيا أيضا.

d8aad988d8b2d98ad8b9-d8a7d984d982d8b1d8a7d8a1d8a7d8aa-d981d98a-d8a7d984d8b9d8a7d984d985-d8a7d984d8a5d8b3d984d8a7d985d98a-1 لجنة عثمان بن عفان لجمع المصحف والقراءات العشر ... بقلم أسماء زكي

يتضح مما سبق أن القراءات التي تصدرت المشهد سواء ما يقرأ بها اليوم أو ما اتفق عليها ابن مجاهد وابن الجزري لا ترجع في أصلها إلى أي من أعضاء اللجنة التي شكلها عثمان باستثناء زيد بن ثابت الأنصاري. بل وبالرغم من أن عبد الله بن مسعود كان مرشحا بارزاً يتوقع أن يكون من أعضاء اللجنة هو وأبي بن كعب ولكن لسبب لا يعلمه إلا عثمان لم يدخلوا اللجنة، لكن أثرهم في حفظ القرآن شفاهة كان أكبر، وإليهم يعود الفضل في القراءات التي انتشرت وخاصة عبد الله بن مسعود الذي عرض عليه “زر بن حبيش” معلم عاصم بن أبي النجود الكوفي صاحب القراءة الأكثر شهرة بين المسلمين اليوم.

يبقى السؤال الذي طرحته للتناول في هذا المقال “أين دور أعضاء لجنة عثمان الثلاثة (عبد الرحمن بن الحارث ، عبد الله بن الزبير (ت692م/73هـ)، سعيد بن العاص (ت679م/59 هـ) في انتشار قراءات المصحف الذي قاموا بنسخه؟ لماذا لا يعود لأي منهم سند أي قراءة من القراءات العشر المتواترة؟” بدون إجابة.

برغم صغر أعمار هؤلاء الفتية وقتها مقارنة بعمر باقي الصحابة الذين أسهموا في تثبيت القراءات العشر المتواترة التي تم التوافق عليها في ذلك الوقت وقدرتهم على الحفظ، إلا أن دورهم اقتصر فقط على نسخ المصحف وبقي الأثر الأكبر والدائم لباقي الصحابة والأسماء السبعة التي ذكرتها سابقا وعلى رأسهم “عبد الله بن مسعود” ابن قبيلة هذيل و”أبي بن كعب” الأنصاري ويليهم “زيد بن ثابت” الأنصاري أيضا الذي قرر عثمان ألا يأخذ بقراءته عند الاختلاف لأن القرآن لم ينزل بلسانه هو وإنما نزل بلسان قريش. وهو أمر مازال يحتاج إلى مزيد من البحث.

المراجع:
 – [ معرفة القراء الكبار – الذهبي ]
 الكتاب: معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار.
 المؤلف: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبو عبد الله.
التوزيع الجغرافي للقراءات القرآنية في العالم الإسلامي
 محمد عباس الباز – كتاب مباحث في علم القراءات مع بيان أصول رواية حفص – شجرة إسناد الإمام أبي جعفر المدني – المكتبة الشاملة الحديثة.
– · ص96 – كتاب مدخل في علوم القراءات – يعقوب الحضرمي – المكتبة الشاملة الحديثة.
ص49 – جمع القرآن الكريم حفظا وكتابة – المطلب الرابع نشر عثمان بن عفان المصاحف في الأمصار – المكتبة الشاملة الحديثة.
· كتاب مدخل في علوم القراءات [السيد رزق الطويل].
– · أبو عمرو الداني، التيسير في القراءات السبع.
– · ابن مجاهد، “السبعة لابن مجاهد”.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

2 comments

اترك رد

ندوات