لقد علمني القرآن .. بقلم: د. زينب توجاني – المقال الثاني

بقلم: د. زينب توجاني

d8b2d98ad986d8a8-d8aad988d8acd8a7d986d98a لقد علمني القرآن .. بقلم: د. زينب توجاني - المقال الثاني

فرويد منحني شيئًا واحدًا لم أكن أملكه: الخروج من دور الضحية.

لقد علمني القرآن أن أقرأ فرويد ونفسي

نعم، فلما كان والدي يحفظ القرآن ويجبرني منذ سن باكرة على حفظه، فقد حفظتُ غصب أنفي أجزاء عديدة،

ولما كانت أمي أيضًا تحفظ القرآن وتريدني أن أفوز بالجنة وأحفظه، فقد كانت مستعدة أن تدفع لي في الثمانينات دنانير مقابل الجزء منه.

لقد حفظت القرآن بطريقتين متناقضتين: العصا والدنانير.

ولما حفظته، توسّع دماغي وتوسعت صور عقلي وتخيلتُ وتعلمتُ التعبير باللغة حتى سكنتُ فيها وسكنتْ فيّ.

ولكني، يومًا، في مكتبة باجة العمومية، وكنتُ قد غادرت منزلنا غاضبة مثل كل مراهقي العالم،

فإني عثرت على كتاب يحمل عنوان دروس في التحليل النفسي، كان صغير الحجم، قلت في نفسي لأطالع هذه الدروس، عسى أن أتعلم شيئًا.

لم أعرف من هو فرويد، ولا ما هو التحليل النفسي. لقد كنتُ في سنتي الأولى بالمعهد الثانوي، أي في الثالثة عشرة من عمري.

بدأت أقرأ قصة طفلة تشعل النار وتحرق نفسها.

لا أعرف كيف أنهيت الدروس وأعدتها مرات.

ذلك الكتاب غير حياتي إلى الأبد.

فرويد منحني شيئًا واحدًا لم أكن أملكه: الخروج من دور الضحية. حين اكتشفت أن العلاقات المعقدة بين الآباء والأبناء ليست استثناء، بل قاعدة، شعرت أنني أُحرَّر. نعم، ربما فكرة سخيفة أن يكون عزائي أن العالم كله مثلي، لكن ذلك منحني شيئًا أثمن من العزاء: الوعي.

أخفيت الكتاب تحت وسادتي، مع بعض القصص الممنوعة. كنت أتقن التمويه. في بيت يُراقب فيه كل ما يُقرأ، كانت لي مكتبة سريّة ومخيلة مشرعة على العالم.

أدين بحريتي المبكرة لفرويد… وللقرآن. لا مفارقة في ذلك. فالقرآن وسّع لغتي، ومهّد الطريق للكتب الممنوعة، وعلّمني أن أرى، وأن أتكلم.

اكتشفتُ طبيعة التوتر القائم بيني وبين أمي، وبيني وبين أبي: لستُ وحدي أيها العالم!

كل البشر لديهم مشاكل مع آبائهم، من هم سعداء ومن هم أشقياء.

صحيح أنها فكرة سخيفة أن أجد العزاء في كوني أكتشف أن جميع الناس ليسوا في علاقة جيدة مع آبائهم وأمهاتهم،

ولكنها فكرة حررتني من الدور الذي شرعتُ أدخل فيه، أي دور الضحية.

اكتشفتُ أني لست ضحية، وأنها طبيعة الأمور.

وتعلمتُ أن فرويد هذا طبيب، وأنه يحاول أن يجد علاجًا للمشاكل التي يعانيها الناس: أحلامهم وكوابيسهم وآلامهم ومشاكلهم.

وبدأت أستمتع بتطبيق ذلك حولي: طبقته على الجميع، بدايةً بنفسي، معلّمي، أهلي،

وكل من يقع تحت يدي يصبح موضوعي الجديد. حتى اني شرعت منذ ذلك الوقت الباكر اكتب كل احلامي، ذكرياتي، ما يحزنني، وما يسعدني، كراريسي مصففة كالجيش …الكتابة حياة اخرى..

لم أُفارق كتاب فرويد أبدًا. لقد جمعت مالًا واقتنيته، ووضعته في غرفتي، داخل وسادتي، والقرآن بجانبه مع بعض القصص الممنوعة.

نعم، كانت المطالعة في بيتنا تحت الرقابة، لكني أبدعت في الإفلات من تلك الرقابة.

ولقد سهّل عليّ قراءة القرآن وحفظه التهام عشرات الكتب باللغة العربية،

وجعل التعلم سهلًا، والكتابة فسحة، وفتح أمامي أبوابًا لولا حفظ القرآن لما فُتحت في وجهي.

حين تكون اللغة مفتاحك للوجود ..

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات