لماذا نخشى التعددية في دراسة علوم الدين.. دراسات علوم الدين بين مؤيد ومعارض.. بقلم: دينا حمدي
دينا حمدي
في بداية الأمر نحن على اقتناع تام بأن الحوار بين الأديان أو الثقاقات تتيح لنا فرص إيجاد حلول جديدة ومشاكل واقعية بحسب محدثات كل عصر.
ومن ثم التبادل الفكري المشترك فى كافة العلوم والمسائل العملية، كان علينا أن تتطرق هذه الدراسات الى القيم الانسانية ودراسة الدين من وجه نظر معارض ومؤيد، وتحقيق الاستفادة من هذه الدراسات دون المساس بمضمون الأحكام وعلى كلا من الطرفين وتقبل الرأي الأخر دون تعصب.

وعلى اساسه بدأ أفراد من المستشرقين بدراسة تاريخ علوم الدين، مثل نولدكه الذي كان من مؤيدى فكر أن العلم والدين يعملان معا من أجل إنشاء عقل واعى مفكر وليس مبرمج من التراث، وقد قام بدراسة علوم الدين وأخذ دور التلميذ قبل المعلم.

وبالمثل أيضا نرى ما قام به الانجليزى روبرت كيتون بطلب أول ترجمة لاتينية كاملة للقرآن الكريم ومن ذلك المنطلق ترجم القرآن الكريم إلى لغات عديدة الانجليزية والايطالية والالمانية مما أدى إلى انتشار هذه الدراسات بمختلف اللغات وتوسيع دائرة لغير العرب لمعرفة القرآن وتاريخه وعلومه.
وعلى الرغم من أن معظم هذه الدراسات كانت ثمار جهود فردية قام بها علماء حبا للتعرف على جمال لغة الشرق ودمج بينها وبين الطابع الإلهي. أصبح الموضوع ذات نظرة مشوهة عندما تدخلت الأغراض السياسية بعد الاستعمار، ودخل الحكم السياسي في مسألة الدين ثم الهجوم على المسلمين، وانتقلت الدراسة من نشر فكر ووعي للانسان إلى وسيلة تستخدم فى أغراض سياسية ودينية ومحاولة صميمة لتشويه صورة الدين.
ولما كان القرآن مشتملا على آيات متشابهات وأخرى محكمات، كان من الطبيعى أن يختلفوا فيما بينهم في التفسير مجموعة أخذت بظاهر التنزيل ومنهم من لجأ إلى التأويل، ومن هنا ظهر الخوارج على أثر الخلاف بين علي ومعاوية وفي مقابلهم الشيعة، فكانت الشيعة تنادي بوجوب التأويل، وكذلك المعتزلة إلى أن جاءت الأشاعرة كمعتدلين بين الظاهرية والمعتزلة. والجمع بين التمسك بحرفية النصوص القرآنية والمؤولين لها.
وأما الذين اشتغلوا بالفلسفة من الشيعة فقد ألفوا جمعية سرية تحت اسم (رسائل إخوان الصفا ). ثم نشأت طائفة أخرى تطرفت فى مذهبها هم أهل الظاهر من الفقهاء وادعوا أنهم خافوا على الدين من الفلسفة، فحملوا حملة عنيفة فى الشرق والغرب، على الرغم من أن الفلسفة في العصور القديمة كانت بسيطة خالية من الأنانية ومن التعصب الفكري لصالح منظومة ما، وكانوا يدعمون السمو الروحى ودعوة للعقل. أما الأن فقد أوقفت الفلسفة مباحثها على تزويد العلم بحاجته من الفروض العلمية والرياضية التي يدعم بها نظرياته المادية البحتة.
ولما انحط أهل العلم وتدخلات الأغراض السياسية حادوا عن غاية العلم الحقيقية، فخدموا بعلمهم الأهواء والمطامع البشرية وأصبح العلم ينبوعا للشكوك.
ومن وجه نظرى أن القرآن الكريم يؤيد لأحكام العقل ومحاربته للجمود الفكري والتقليد الأعمى وفتح أبواب التعقيل والتدبير ولحرية الفكر.
( وإذا قيلَ لهُم اتبعوا ما أنـزل اللهُ قالوا بَل نتِّبع ما ألفينا عَليه آباءنا )
ومعرفة الحقيقة المطلقة هي صفة فطرية في الإنسان خالصة من التشبيه التمثيل والحلول والاتحاد.
لكن شتان ما بين هدى الوحي وفحوص العقل، هو أن الوحي يهبط من آفاق لا يمكن للعقل استيعابها او التحليق حولها، لان النظر الى الطبيعة والتدبر في آيات الله على مذهب قرآني بفكر وقلب وفطرة سليمة يؤدي الى النظر الى ما وراء وفوق الطبيعة دون التشتيت والشطحات العقل المجردة من وجود مذهب سليم للسير عليه.
لذلك نجد أن العقل يصلح للمحاسبة والمفاضلة، وأن في الشريعة الاسلامية إذا تعارض حكمان بين العقل والشرع أول ما فى الشرع لرفع الحرج. وأن الدين وحي إلهي هو لغه السماء وغذاء للروح، فكيف نريد أن نبنى دراسة الدين على الفلسفة والعلم والمناظرات التي هي من صنيع البشر.
لذلك أرى أنه لم يتم إنزال كتاب مجمع في عهد رسول الله لسببين :
أن الأديان السابقة للقرأن الكريم هى مقدمة لذلك الكتاب المحكم، وفي ذلك مراعاة للوعي والفكر والبيئة المحيطة والأحكام والشريعة والنص.
أن الله لم يأمر بجمع القرآن وإنزاله في عهد رسول الله، ليدعو الناس إلى التأمل والتمعن والبحث والتعلم واتصال القلب بالله ،وعدم التقيد بصورة مادية تحجب الإنسان عن معاني الروح والتقيد بالنص مثل ما يحدث اليوم .
وأنا أرى أن هذه الاختلافات في التفاسير جاءت لصالحنا ليست ضدنا فلولا هذه الاختلافات ما كنا وصلنا وعرفنا وشاهدنا القرآن من جميع زواياه سواء كان معنى ظاهري – باطني / مجمل –مفصل / ناسخ – منسوخ /
رؤيته من منظور شيعي أو من منظور صوفى .
أرى أننا نأخذ من نتائجهم ما يوافق فكرنا والظروف المحيطة بنا.
فإننا يجب أن نتعامل مع هذا الكتاب كخطاب وليس كنص، لأن عندما حكمنا على القرآن كنص دخلنا فى صراعات عديدة ومن هنا نشأ التعصب وتضارب الأفكار والتأييد لمنظومة بعينها وفقدنا القيمة الحقيقية وغاية الرسالة المبعوثة.
فأنى من مؤيدى فكر أ / نصر أبو زيد فى منهجيته وأطلق مصطلح القرأن الحي.
حتى تبقى رحلة البحث لنا جميع مستمرة منذ الأزل حتى قيام الساعة.
فكل البشرية ماهى الا خلافة يخلف فيها اللاحق السابق للمساعدة فى البناء، ومن ثم نساعد بعضنا على وضوح الصورة الكلية بشكل أفضل.
إن العقل والإيمان توأمان فلا دين بدون عقل ولا عقل بدون دين.
فعندما يفقد الإنسان هاتين الصفتين فقد فقد نفسه ولا يعد له وجود مميز الذى يستحق به التكريم والخلافة فى أرض الله.
ومن ثم غاية كل الكتب السماوية دعوة الإنسان للاكتشاف والمعرفة والتوحيد ووضع قواعد عبادة الله ومعرفته.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد