ما وراء الاسوداد … بقلم: أيمن شكري
بقلم: أيمن شكري


هذه الشاشة ليست بسوداء كما تخدعك عيناك، بل صورة متحركة، مشهد تمثيلي يؤديه أفراد أسرة ملتزمة احتفالًا بنجاح أحد أبنائها فى الصف الثالث الإعدادى. كانت بنتًا أو كان ولدًا، لا يهم، المهم أن الاحتفال قائم والفرحة ظاهرة، لكن محجوبة؛ “دَرءًا للفتنة”.
إذا دقَّقتَ فى عمق الصورة، ستلمح حركة خفية، حركة بلا صوت؛ “دَرءًا للفتنة”.
جسد يغطيه السواد يهلل ويحتفل، يقدم هدية لابنه أو لابنته، لابنها أو لابنتها، لا يهم، المهم أن الفرحة ظاهرة وإن لم ترَها. ستقول فى نفسك: “غطيتَ المرأة بالأسود، لكن أين الرجل؟”.
أنتَ ساذج أم خبيث؟
تريدنى أن أُظهِر الرجل لتُعمل خيالك، وتتخيل المرأة فى الناحية المقابلة، ثم تتخيل تفاصيل جسدها المدفون فى الأسود، ثم تشتهيها، ثم تقع فى المحظور. لكن هيهات، فأنا صاحى لكل هواجسك وتكهناتك القذرة تلك، ولن أدع لك مجالًا لتحقيقها !.
دقق النظر قليلا، هااه؟ رأيتَها؟
منضدة سوداء عليها أربعة أطباق من الخزف الأسود، بها أربع قطع من الكعك الأسود.
لا، لا توجد شوك أو ملاعق سوداء أيها الظريف، يأكلون بأيديهم المغطاة بالأسود؛ “درءا للفتنة”.
حتى الصبي الصغير والفتاة بنت التسع سنوات يغطيان أيديهما، ما أدرانى لو أظهراهما قد تتخيل أين يقع الأب، ثم بكل سهولة ستحدد مكان الأم، وستتخيل شكلها من وراء الأسود، ثم تشتهيها، ثم تقع فى المحظور.
دقق فى أعلى الصورة. هااه؟ وجدتَها؟
بلالين كثيرة معلقة فى سقف الغرفة، لكنك لا تراها، فلم نعلق بلالين ملونة ولا بيضاء تثير الخيال، أو تدلك على مكان الطفلة، ثم تحدد بذكائك مكان الأم فى الجهة المقابلة أو فى نفس الجهة، لا يهم، المهم أن تمنع التخيل نهائيًا، حتى لا تقع فى المحظور.
دقق، دقق !.
العائلة جميعها يصفقون ويغنون “غناء مبهجًا وقورًا غير فاحش” على دقّات الدف، لكني أغلقت الصوت أيضا، حتى لا تتبين الأصوات، ثم تُميِّز صوت الطفلة، أو الأم، أو الغلام، ثم تحاول إسقاط ما تخيلتَه على الصورة، فتحدد بسهولة مكان الأم أو البنت، ثم تتخيل شكليهما، ثم تتخيل ما وراء الأسود، ثم تثار شهوتُك، ثم تقع فى المحظور.
الجدران مزينة كذلك، لكنك كالأعمى، أو أنا من جعلك كذلك، الجدران مزدانة بنقوش ورسومات بديعة، حيوانات تلعب، طيور تغرّد، حلقات الصبية مع الفتيات ترقص، السماء صافية من فوقهم، البحر يموج خلفهم فى الأفق، الورود والزهور تكسو الطرقات.
لكني لوّنتُها جميعها بالأسود، حتى لا تُفتَن بإحداها، أو تلمح ظلًا على رسمة فى الحائط، ثم تتخيل من صاحب الظل؟ من صاحبة الظل؟ ثم تتخيل الأم أو البنت، فى ردائهما الأسود، ثم تتجرأ فى خيالك الدفين وبكل وقاحة، تتخيل ما وراء الأسود، ثم تقع فى المحظور.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد