مصحف المدينة المنورة أم مصحف المنوفية! ..تاريخ المصحف الحالي.. جمال عمر.. إعداد: سماء معاوية
تأتي هذه السلسلة من المقالات ضمن مشروع كتاب عن تاريخ المصحف الحالي للمفكر جمال عمر، كان البحث مجموع في صورة مرئية أو مجموعة فيديوهات على الإنترنت فعملتُ على تحريره وتحويله من صيغته الشفاهية إلى مكتوب، ليتنسى للقارئ الاطلاع عليه والاستفادة منه وإضافة لحقل الدراسات القرآنية باللغة العربية، نشرنا المقال الأول من السلسلة بعنوان إشكالية تاريخ المصحف وها هو المقال الثاني من السلسلة.………………………سماء معاوية
جمال عمر

مصحف المدينة المنورة أم مصحف المنوفية!
في السادس عشر من محرم سنة 1982م وضع الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ومن ذلك الحين وحتى اليوم تم طبع ما يزيد عن أربعمئة مليون نسخة بأشكال وأحجام مختلفة بتسعة وسبعين ترجمة، بالإضافة لمصاحف للقراءات العشر، وُزع منها على المسلمين عشرات الملايين من النسخ مجانًا وهدية من خادم الحرمين للحجاج في كل عام.
فكرتُ في أول لقاء لي مع هذا المصحف، حتى عادت بي ذاكرتي إلى عام 1987، حين تم توزيع هذا المصحف علينا في المدرسة، كهدية من “خادم الحرمين” وكانت الطبعة الأولى من طبعات هذا المجمع، كان هذا في ظل التقارب السياسي بين البلدين، في محاولة لإعادة العلاقات السياسية التي كانت قد قُطعت ظاهريًا منذ معاهدة السلام التي وقعتها السلطات المصرية مع الحكومة الإسرائيلية.

أقامت المملكة معرض في أرض المعارض بالقاهرة، في محاولة لإظهار التقدم والتطور والتحديث الذي يحدث في المملكة العربية السعودية، تحت عنوان “المملكة بين اليوم والأمس”، وكنت قد ذهبت إلى المعرض الذي تم الإنفاق عليه ببذخ، وكان عملية بهرجة كبيرة عن التعمير والبناء الذي يتم في المملكة منذ ارتفاع أسعار البترول في السبعينات، والنهضة التي تشهدها. لكن ما ظل معي من هذه المهرجانات هو المصحف بجلدته الخضراء وزخرفته الجميلة، ولازلت أحتفظ به لليوم وهي أول نسخة صدرت من مجمع الملك فهد بلونه الأخضر سنة 1985.



المملكة وتحدي الخطر الشيعي
بعدما قامت الثورة الإسلامية في إيران التي هي ثورة شيعية، ومع محاولات تصدير الثورة إلى خارج إيران في العراق باعتبار أغلبيتها الشيعية، بالإضافة لشرق المملكة العربية السعودية، وحدثت محاولات للسيطرة على الحرم المكي فكانت حادثة جهيمان العتيبي التي هزت العالم الإسلامي برمته، مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، وتسببت بسفك للدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة مصلين مدنيين، ورجال أمن، ومسلحين متحصنين داخل الحرم، وتم فض هذه السيطرة وفي رواية السلطات السعودية التي كانت تصدّر أنها تمت بقوات خاصة من الجيش السعودي وهم جنود فرنسيون فضوا هذه السيطرة التي قام بها العتيبي على الحرم، ثم توفي الملك خالد سنة 1982م وتولى أخوه وولي عهده الملك فهد، فهناك خطر من الثورة الإيرانية وتخوف الحكومات العربية والعالمية في نفس الوقت من نجاح حركات إسلامية في السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، واجتياح السوفييت لأفغانستان ولذلك يحاول الملك والأسرة المالكة إحياء الطابع الإسلامي من خلال مجمع لطباعة المصحف الشريف بملايين الأعداد.
مصحف المدينة المنورة
أطلقوا عليه مصحف المدينة حيث بدأ عثمان بن عفان جمع القرآن سنة 25هـ لذلك تحاول المملكة العربية السعودية إحياء هذه السنة، وأنا ألفت الانتباه لمسألة قراءات المدينة المنورة التي هي قراءة نافع براوييها ورش وقالون وأبرز من يعتمد هذه الرواية هم أهل المغرب العربي. القراءة الثانية للمدينة هي قراءة أبي جعفر المدني براوييه ابن وردان وابن جماز. بينما مصحف المدينة الذي يصدره المجمع هو مكتوب على قراءة كوفية برواية حفص عن عاصم وهي من القراءات العشر المتواترة، والست روايات الأخرى أتت من العراق، والمجمع أصدر مصاحف بروايات أخرى فيما بعد، أعود معكم لتقرير اللجنة التي أشرفت على مراجعة مصحف المدينة الأول سنة 1985م.
حين نظرت في التقرير الموجود في ختام المصحف لاحظت بعض الأسماء المعروفة لي في اللجنة العلمية، وكونهم مصريين متخصصين في القراءات، فكتبت تعليقات على الأسماء، وزاد اهتمامي بتاريخ المصحف وطبيعة تشكله، وخصوصًا في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين، فعدت لنسختي هذه لأراجع التقرير واللجنة.
لجنة مراجعة مصحف المدينة الأول 1985/ 1405


لجنة أول مصحف أنتجه المجمع، وأسماء اللجنة العلمية1:
- عامر السيد عثمان (1900 – 1988)
- د. عبد العظيم علي الشناوي (1911 – 1991)
- عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي (1923 – 1989)
- محمود سيبويه البدوي (1931 – 1995)
- محمود عبد الخالق جادو (1930 – 1997)
- عبد الرافع رضوان علي (1932 – )
- عبد الرزاق علي إبراهيم موسى (1934 – 2008)
- عبد العزيز محمد عثمان (1938 – 2009)
- عبد الحكيم عبد السلام خاطر (1945 – 2013)
- عبد الله عبد الرحمن البعادي
- رشاد مرسي طلبة (1925 – 2013)
- فرغل سيد فرج (1931 – 2001)
- عبد الله ردن البداح
- عبد الرحمن عبد الله عقيل
- عبد العزيز عبد الفتاح قارئ ( 1946 – )
- علي عبد الرحمن الحذيفي (1947 – )
أول عضو في اللجنة وأكبرهم سنًا ومقامًا هو الشيخ عامر السيد عثمان (1900 – 1988). شيخ عموم المقارئ المصرية منذ 1980. وهو من قرية “ملامس” منيا القمح بمحافظة الشرقية بمصر. وذهب إلى السعودية 1984 خصيصا لهذا المصحف.
كان الشيخ عامر يرأس لجنة مراجعة المصاحف المصرية وشيخ مشايخ المقارئ وكان من اللجنة التي تراجع وتختار القراء في اتحاد الإذاعة والتليفزيون ولأن الشيخ عبد الفتاح القاضي (1907 – 1982) الذي أنشأ قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والرئيس السابق لمعهد القراءات بالأزهر كان قد توفي قبل افتتاح المركز بعامين، لذلك ترأس الشيخ عامر اللجنة وهو أكبرهم سنًا.
وكان الشيخ عامر مع الشيخ عبد الفتاح القاضي من أهم من تعلموا وبُني على أكتافهم معهد القراءات الذي تشكل كقسم تابع لكلية اللغة العربية في الأزهر ثم أصبح معهدًا للقراءات عام 1946م وكانت كلها جهود فردية بأن يكون في كل جامع كبير مقرأة وهذه المقارئ كانت توقف من قبل أعيان مسلمين للإنفاق على الناس التي تدرس فيها وكان يتم التوافق على شيخ المقارئ المصرية من بينهم، فكان الشيخ عامر السيد عثمان من هذا الجيل2.
العضو الثاني: عبد العظيم علي الشناوي (1911 – 1991)، ولد بالمطرية، بمحافظة الدقهلية، بمصر. حصل على عالمية الأزهر في النحو 1945، وحصل على الأستاذية في النظام الجديد 1982، وكان يعمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وقت عمل لجنة المصحف، فانتدب للعمل بها.
العضو الثالث في اللجنة: محمود سيبويه البدوي (1931 – 1995) قرية “إبهنس” مركز قويسنا بمحافظة المنوفية بمصر. تخرج من قسم القراءات بكلية اللغة العربية بالأزهر عام 1957، انضم للعمل في كلية القرآن بالمدينة بالجامعة الإسلامية منتصف السبعينات.
العضو الرابع: عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي (1923 – 1989) قرية مرصفا مركز بنها بمحافظة القليوبية بمصر. انضم للعمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بكلية القرآن الكريم 1977.
العضو الخامس باللجنة: محمود عبد الخالق جادو (1930 – 1997) قرية “كفور الرمل” مركز قويسنا محافظة المنوفية بمصر. حصل على إجازة القراءات بكلية اللغة العربية بالأزهر عام 1956، عمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة منذ عام 1976.
العضو السادس: عبد الرافع رضوان علي الشرقاوي3 مواليد (1932)، من نفس قرية العضو السابق بمصر وأجيز في القراءات في نفس العام، وانتقل للعمل في كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية عام 1975.
العضو السابع بهذه اللجنة: عبد الرازق علي إبراهيم موسى (1934 – 2008). من قرية “شرانيس” لكن من نفس مركز العضوين السابقين، مركز قويسنا بمحافظة المنوفية بمصر. درس القراءات وأجيز فيها، ودرس في كلية الشريعة والقانون وأجيز فيها عام 1968، التحق للعمل في كلية القرآن الكريم بالمدينة عام 1975.
العضو الثامن: عبدالعزيز محمد عثمان (1938 – 2009). ولد بقرية “ود النعيم” بولاية (الجزيرة) بالسودان. تعلم في الأزهر، عمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة، في منتصف السبعينات، عمل عميد لكلية أصول الدين بجامعة أم درمان. ووقت اشتراكه في اللجنة كان يعمل أستاذ مساعد بقسم التفسير بالجامعة الإسلامية.
العضو التاسع: عبد الحكيم عبد السلام خاطر (1945 – 2013). مولود بمحافظة الجيزة بمصر، خريج كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر 1976، حصل على شهادة عالية القراءات بمعهد شبرا 1980، تعاقد مع الجامعة الإسلامية بالمدينة 1981. وقت اشتراكه باللجنة كان يعمل بالقراءات القرآنية بالجامعة.
عضو اللجنة العلمية العاشر: رشاد مرسي طلبة (1925 – 2013)، مواليد قرية “الدراجيل” مركز الشهداء، بمحافظة المنوفية بمصر، وهو الخامس في اللجنة العلمية من هذه المحافظة. التحق للعمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة في نهايات السبعينات. وقت اشتراكه في اللجنة كان يعمل مراقب للمصاحف بالإدارة المركزية بالمملكة.
العضو الحادي عشر: فرغل سيد فرج (1931 – 2001) وهو الصعيدي الوحيد باللجنة، من قرية “المناشي” مركز ديروط بمحافظة أسيوط، بمصر. نال شهادات القراءات من قسم القراءات بكلية اللغة العربية بالأزهر 1957. وانضم للعمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة في منتصف السبعينات. هو أيضا وقت اشتراكه في اللجنة كان يعمل بالإدارة المركزية بالمملكة كمراقب مصاحف.
عضو اللجنة من الإداريين السعوديين: عبد الله ردن البداح: وقت عمل اللجنة كان يعمل مدير الإدارة العامة لشئون المصاحف ومراقبة المطبوعات برياسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
والعضو الثاني عبد الله عبد الرحمن البعادي؛ كان يعمل رئيس قسم شؤون المصاحف برئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض.
العضو الثالث من الإداريين السعوديين، عبد الرحمن عبد الله عقيل. كان وقت عمل اللجنة يعمل مستشار بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

ومن رأس اللجنة وهو في سن السادسة والثلاثين، السعودي كان عبدالعزيز عبد الفتاح قارئ، ولد 1946، بمكة بالمملكة العربية السعودية. حصل على ماجستير من الأزهر عام 1973 من كلية الشريعة والقانون، وحصل على دكتوراه من نفس الكلية 1979. وتولى وكالة كلية القرآن الكريم عام 1981، وتولى عمادتها ورئاسة لجنة المصحف 1982. وقت عمل اللجنة كان أستاذ مساعد بالكلية، كان بعمر السادسة والثلاثين عند صدور المصحف وأعطي عمادة كلية القرآن الكريم وهو في سن السابعة والثلاثين.

أما نائب رئيس اللجنة كان شاب في سن الخامسة والثلاثين وقت تشكيل اللجنة السعودي فكان علي عبد الرحمن الحذيفي، مولود 1947 بمحافظة بلجرشي بالسعودية، حاصل على ماجستير من الأزهر 1975، وحصل على إجازة برواية حفص من الشيخ عامر السيد عثمان ومن الشيخ عبد الفتاح القاضي، وهو القارئ المشهور بالحرم المكي والمسجد النبوي. وقت عمل اللجنة كان إمام المسجد النبوي، وأستاذ مساعد بقسم الفقه في كلية القرآن الكريم.
فاللجنة مكونة من 16 عضوًا خمسة منهم إداريين سعوديين، من الخمسة رئيس اللجنة ونائباه شابان سعوديان في سن 36 سنة و35 من أسر حجازية، تعلما في الأزهر. واللجنة العلمية 11 أزهري، عشرة منهم مصريين وواحد سوداني. يرأسهم شيخ مشايخ المقارئ المصرية. لكن اللافت أن نصف المصريين من اللجنة العلمية من محافظة واحدة هي محافظة المنوفية، بل أربعة منهم من مركز واحد هو مركز قويسنا، وكأننا نتحدث عن مصحف بسلسلة سند من المنوفية أو مصحف لقويسنا.
في 31 أكتوبر 1984 افتتح الملك فهد بن عبد العزيز (1920 – 2005) المجمع4. حيث قال “إنني أعمل جاهدا في سبيل إعلاء كلمة الدين وإحلال عقيدة السلف الصالح، لذلك فإنني أدعو لدين الإسلام ونشره وأني داعية أدعوا للعقيدة السلفية الصالحة وهي التمسك بكتاب الله وبسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن الخلفاء الراشدين”.
ثم جلس ثمانية من اللجنة العلمية سبعة مصريين وسوداني، وسلم الملك عليهم واحد واحد وأعطى شيك هدية لكل منهم، ستة يلبسون غُترات سعودية والشيخ المرصفي يلبس زيه وعمامته الأزهريين، والدكتور عبد العزيز عثمان يلبس زيه السوداني وعمته البيضاء، وليخرج أول مصحف من مصاحف المدينة المنورة. فكيف شكّلت هذه اللجنة هذا المصحف؟

حاولت الإشارة لتفاصيل ومعلومات عن هذه اللجنة وسأستعرض معكم لاحقًا كيف اختارت هذه اللجنة وشكَّلت في المصحف الذي بين أيدينا اليوم على نهج مصحف القاهرة مع بعض اختلافات، مثل أن تبدأ الصفحة بآية وتنتهي بآية، بحيث يتكون كل جزء من عشرين صفحة، وهي طريقة تركية في الترتيب، أهتم بالإشارة لهذه التفاصيل لأكشف كيف أن المصحف الذي بين أيدينا يتم تداوله عبر جهود بشرية، وأبين كيف تتكون الحقيقة وتتشكل من التراث الروائي والشفاهي؛ لنتعلم نقد ومقارنة ومقاربة الحقائق وربطها بسياقاتها، وأثر الجوانب الشخصية والإنسانية في عملية نقل المعرفة، فكيف يمكن لنا من خلال الشفاهي أن نصل لحقيقة ليست بالضرورة هي مادية في جوهرها إنما يمكن أن تكشف عن جوانب مهمة في دراسة الظواهر التي نواجهها اليوم.
هوامش
- الملاحظة المبدئية أن علي الحذيفي السعودي وعبد العزيز عبد الفتاح قارئ كلاهما درسا في الأزهر، وكلاهما من أهل الحجاز. فبما أن أهل نجد من سيطروا على الحجاز، إلا أن أهل نجد كانوا الأفقر من الناحية المالية، وكان الغنى والعلم في أُسر الحجاز. وكان كثير من هذه الأسر يرسلون أبناءهم للتعليم في الخارج، من ضمنهم قارئ والحذيفي.
↩︎ - هناك رواية كاملة من ابن الشيخ عامر السيد عثمان، إبراهيم. عن هذه الرحلة التي رافق فيها أبيه وكان عمر الأب حينها أربعة وثمانين عاما. في هذا الفيديو.
↩︎ - في فيديو على الإنترنت في مخيم من المخيمات يحكي الشيخ عبد الرافع رضوان عن اليوم الذي ضربه فيه شيخه ضربًآ مبرحًا وكيف كان والده يقسو عليه، هو ومحمود جادو لدرجة أنه لم يقدر على المشي على قدميه وعاد لمنزله زحفًا على ركبتيه من قرية الشيخ. ↩︎
- يمكن الاطلاع على فيديو افتتاح الملك فهد للمجمع ↩︎
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
5 comments