مطبخ ماما السعيد.. بقلم محمود عماد.. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد ج3 

محمود عماد

d985d8add985d988d8af-d8b9d985d8a7d8af  مطبخ ماما السعيد.. بقلم محمود عماد.. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد ج3 

كانت أمي مصدومة وفي حالة من الذهول وعدم التصديق عندما رأتني. استغرق الأمر لحظات حتى تستوعب أنها لا تحلم وأن ابنها الذي ابتعد عنها إلى الأبد هو من يقف أمامها وليس شبحه، وبعد الأحضان والقبلات وسيل من الدموع الدافئة نصحتني بالنوم والاستراحة من السفر فقد كانت الساعة الرابعة بعد منتصف الليل. وبالفعل ذهبت للنوم لكني استيقظت في أقل من ساعتين، جسمي رغم ما به من إرهاق يرفض تفويت فرصة اللقاء والجلوس مع عائلتي بعد كل تلك السنوات. 

خرجت من الغرفة فوجدت أمي تخرج من المطبخ 

  • أنت إيه اللي صحاك؟ ما تنام أنت تعبان.

*مش جايلي نوم 

  • ليه بس لازم ترتاح، طب يلا عشان تاكل أنا خلاص عملت الأكل.

*أكل!! عملتيه امتى؟!

  • أول ما دخلت تنام وعملتلك بامية.

تعلم أمي أن البامية هي طعامي المقدس الذي إذا حضر فلن أطيق النظر إلى طبق غيره مهما كانت المغريات. طالما هناك بامية فلا صوت يعلو فوق صوت الليمون المعصور فوقها. 

جلست وقد وُضعِت الطاولة أمامي لأجد 6 أصناف مختلفة من أشكال وألوان الأكل المصري الأصيل. لن استفيض في وصف الطعام حتى لا يسيل لعاب من يقرأ السطور لا سيما وإن كان مغترب زي حالاتي ومبياكلش أكل مصري إلا كل فين وفين.

 أكلت حتى آخر حيز دقيق في معدتي وربما أكلت حتى فوق طاقة معدتي على التحمل، وكلما أردت الانتهاء كانت أمي تلح عليا أن أكمل باقي الطعام.

كل من ترك مصر يحلف أنه لم يجد أكل كما الأكل المصري، ليس هذا خاص بتركيا وفقر المطبخ التركي من التنوع في الأكلات بل حتى أصدقاء في دول كثيرة يؤكدون أنه لا مثيل للمطبخ المصري.

حتى إن المطاعم السورية في مصر تقدم أكلات أحلى وأشهى من المطاعم السورية الموجودة في تركيا! وهذا لا يرجع مطلقاً لجودة الموارد فمذاق الخضروات والفاكهة في تركيا أفضل من مصر. لكن ربما أننا أعتدنا على الطعام المرشوش بالمبيدات المغسول بماء الكلور الغير صالح للشرب! نحن غارقون في حنين الماضي وأكل الشوارع الملوث وسندوتشات الكبدة الرخيصة مهما علمنا أنها تضر صحتنا وتصيبنا بالأمراض، إلا أننا نحبها ونتلهف لتذوقها.

نمت بعد الأكل وأفقت على ألم في بطني وظل هذا الألم مستمراً بعد كل وجبة، صارت أدوية المعدة والمسكنات ترافقني أينما ذهبت. حاولت أن أتوقف تماما عن أكل أي طعام مطبوخ لكن حتى شرب الشاي أو الماء كان يصيبني بالإعياء واستمر الحال حتى وجدتني أمام عربة فول فلم أستطع أن أمنع نفسي رغم علمي بالكارثة التي قد تحدث بعد هذه الوجبة. طلبت القائمة الكاملة الفول والفلافل والبطاطس والبتنجان مع المخلل وفحل البصل المتين توقعت أن أذهب إلى المستشفى بعدها لكن المفاجأة أن العكس حصل! 

fv  مطبخ ماما السعيد.. بقلم محمود عماد.. عودتي إلى الوطن الذي لم يعد ج3 

لم أشعر بأي وجع ليس فقط بعدها بل بعد كل الوجبات التالية، نعم عربية الفول كانت العلاج الفعال، والدواء الذي لم أحتج بعده أن استخدم “الانتينال” أو “الاستربتوكين “أو أي نوع من مطهرات المعدة. وصرت أنصح الناس بالأكل من عربيات الفول كعلاج سحري من المغص.

لكن المهم أن طبق الفول مازال يحافظ على طعمه اللذيذ الذي تركته كل ما تغير أن سعره تضاعف 10 مرات تقريباً. لكن على كل حال يظل -في نظري- اختراع عربيات الفول من المميزات الأصيلة في المطبخ المصري الذي لا يوجد له مثيل.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات