مناظرة حول النقاب .. بقلم: محمود أرسلان
مما أثير في الحلقة هو جدلية سؤال هل النقاب ستار للجريمة؟ ولا يمل الإسلاميين من ردهم السخيف أنه يمكن عمل جرائم بزي الشرطة أو يُمكن لـ”ميكب أرتيست” بارع أن يُحيل الرجل “الشلحف” لامرأة فائقة الجمال، وهذا تنظير سفسطائي، لأنه لا يحدث في الواقع، أما التستر تحت النقاب لهدف نبيل أو خبيث هو واقع حادث، فهي وسيلة سهلة ورخيصة وأكثر أمان من انتحال شخصية ضابط.
محمود فوزي

في حلقة تليفزيونية حاور (أحمد سامر) اثنين من الأزاهرة حول مسألة النقاب، وكعادة المناظرة مع الإسلاميين أو كما يحب أن يسميهم (أحمد سامر) “الدقنجية” في خلال ساعة من الهراء كانت الفائدة الوحيدة هي ضمن الدقائق القليلة التي مُنحت لـ(سامر) وهي لا تتجاوز العشر دقائق، ورغم كراهيتي للتنابز بالألقاب ولكن في لفظ “دقنجي” تعبير عن فكر عقيم يتلبس القلب ولو كان صاحبه حليقًا أو صاحبته امرأة، والعكس صحيح قد تجد ملتحيًا وليس “دقنجيًا” وأسلوب التنابز بالألقاب هي طريقة برع فيها التيار الديني منذ ظاهرة الدعوة الميكروفونية، فليتجرعوا قليلًا من سمهم.
ما أثار انتباهي أن من المدافعين عن النقاب رجل حليق يرفض بعض الأدبيات المنسوبة للشرع كالتعدد كما صرح هو في الحلقة، والمُحَاوِرة الأخرى سيدة تلبس حجاب إن قيس بميزان الفقهاء فهو لا يزن شيئًا، وأكاد أجزم أنهما يرفضان النقاب في حياتهما الشخصية، فلماذا تلك المفارقة؟ هي ليست مفارقة الحقيقة بل كانت تدليلًا على فكرة (سامر) حول الرمزية التي لحقت بالنقاب وأخرجته كونه عبادة وزيادة في الستر “على الأقل في مُعتقد من ارتدينه” الي رمز أيديولوجي يرمز لفكر متغول على المجال العام ومتسلط ووصي على أفراد المجتمع، بل فكر سرطاني عبث بالفطرة الإنسانية والشخصية المصرية ولوثها بطبيعة بدوية ماضوية.
فهذان الأزهريان لم يدافعا عن النقاب في الحقيقة بل عن رمزيته، فكل الجدالات حول القضايا الخلافية كان في أصله خلافًا حول منهجية تفسيرية للدين قد عُقدت خلال قرون، فالنقاب لن يزيد المرأة إيمانًا ونزعه لن يهبط بها للرذيلة، وكثير من القضايا هكذا، إذن فلم تلك المنافحة الشديدة حول قضايا غير مهمة؟ لأن هؤلاء يدركون جيدًا أن حل تلك القضايا بأي صورة يعني فك “الربطة” التي عقدها الفقهاء على مدار قرون، ومن يدافع عن تلك “الربطة” إما مسكين يراها حفظت الدين وفكها يعني ضياع للدين، وإما مستفيد منها.
هل النقاب ستار للجريمة؟
مما أثير في الحلقة هو جدلية سؤال هل النقاب ستار للجريمة؟ ولا يمل الإسلاميين من ردهم السخيف أنه يمكن عمل جرائم بزي الشرطة أو يُمكن لـ”ميكب أرتيست” بارع أن يُحيل الرجل “الشلحف” لامرأة فائقة الجمال، وهذا تنظير سفسطائي، لأنه لا يحدث في الواقع، أما التستر تحت النقاب لهدف نبيل أو خبيث هو واقع حادث، فهي وسيلة سهلة ورخيصة وأكثر أمان من انتحال شخصية ضابط.
وأكثر شيء أزعجني في الحلقة هي مقاطعة (سامر) المستمرة، وكان تبرير الدكتور الأزهري أنه كيف يستمع لشيء ضد فطرته ويسكت، طيب بسلامتك لماذا جئت لمناظرة قائمة على سماع الآخر ولو نطق بالضلال المبين؟ كالمناظرات مع الملاحدة المنسوبة لأبي حنيفة، وهذا ليس بمستغرب فأدبياتهم التراثية تحض على عدم الجلوس مع الآخر المخالف وعدم سماعه ولو لفظ قرءانًا، وهي فكرة مبنية على تفسير مجتزأ للآية ” ولا تقعدوا معهم” “إنكم إذن مثلهم” فيتحايل الإسلامي الفطحل على الآية ويحضر المناظرات لـ “يغلوش” ويلغو في كلام المُناظِر كما فعل القرشيين مع دعوة محمد الثورية والتحررية من فكر الأسلاف “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ” أو يأتي الإسلامي الصنديد “ليحط” على المخالف منطلقًا من تفسير مجتزأ للآية “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ” فهؤلاء أصحاب فكر إقصائي لا يريدون بالمناظرة غير إغتيال المخالف معنوياً، فهم معادون من أعماقهم للحريات، ويتمسكنون أنهم قديسي الحرية حتى يتمكنوا فيقمعوا الحريات.
إن دفاع الإسلامي عن الحرية هي من أسخف النكات في عصرنا، فمنطلقاته لا علاقة لها بالحرية، هو ادعاء كاذب لغرض في أنفسهم، وهناك مثال صارخ لذلك فعندما مُنعت فتاة منتقبة من دخول الجامعة الأمريكية تظاهرت فتيات الجامعة اللاتي يرتدين “الشورت والكت” ضد قرار الجامعة ولكن إن حدث العكس لن تدافع المنتقبة عن زميلتها “السافرة” كما تنمطها.
فالإسلامي المدافع عن الحرية والعدالة ومبادئ الديموقراطية هو على الأعم الأغلب مدعي وممارس للتقية، فهو تحركه مبادئ تراثية وتاريخية أُلصقت بالشريعة جعلتها مضادة للعصر، فيحاول الإسلامي قص أرجل الزمن الحالي ومطه كي يناسب قالبه التراثي الماضوي كأسطورة سرير بروكرست، فتم التغول على حياة الناس والتضييق على حياتهم لتناسب القالب الضيق المنسوب للدين ومع مرور الزمن تم حشد الناس ليُمارس ضغطًا مجتمعيًا على الناس بشكل معنوي وفي القُرى كانت القولبة دومًا بالقوة، فهم حرفيًا حرموا على الناس حياتهم وبلغت التعقيدات الحناجر.
طالما وصلنا لتلك النتيجة وهي عداوة الإسلامي للحرية وخطرهم المحدق عليها وواقعنا المصري الآن وتباينه الشديد مع الواقع المصري من مئة أو ثمانين عامًا خير دليل، فهل هذا تلميح لمنع النقاب؟ وهل (سامر) والمتفقين معه ضد الستر؟ وماذا تفعل المرأة التي تريد التعبد بالنقاب ولا تقع في الأدلجة؟
بوضوح شديد كما اعتاد (سامر) القول، أقول أنا كما أكدت التجربة أن منع الأفكار والمعتقدات الدينية بالقوة يؤدي لازدهارها وانتشارها وتثبيتها أكثر في قلوب معتنقيها، ويتحول مانعها لعدو لله يلعنه العالمين إلى يوم الدين، وأقول أيضًا أن العلماني الصادق لا يؤيد العري ويعادي الستر، بل لو أنشأ تلك النسوة العاريات أيديولوجية تتغول على المجال العام لحاربها العلماني.
ماذا تفعل المرأة التي تريد التعبد بالنقاب؟
نحاول الإجابة على معضلة وماذا تفعل المرأة التي تريد التعبد بالنقاب ولا تقع في الأدلجة؟ لو تركت بقايا السلفية داخلي تتكلم لقلت أن هؤلاء ليس لهم إلا الحجاج، وقد ألفق دليلا شرعياً على كلامي، لكن هذا ينافي ما أدعوا له من مبادئ الحريات والعدالة والتناغم الإنساني، فالقضية أو الحل في رأيي له مساران، التضييق الناعم على الدعاوى التشددية الكريهة، وذلك بمواجهته بتأسيس مدرسة تفسيرية جديدة للنص تتوافق مع روح العصر، وتلك ليست رِدة بل مبادئ الإسلام العامة تقبل، فعلى سبيل المثال توقف العمل بآيات ملك اليمين، لأن أحكام الزمن لم تعد تقبل ذلك، وكذلك الجزية سقطت كما رأى أحد الفقهاء أن المواطنة تسقطها لأن المسيحي صار يدافع عن وطنه مصر بماله ودمه وروحه، وطالما تعطيل الآيات القرآنية واقع بسبب تغير التركيبة الإنسانية على مر الزمن، فلما لا نطرح قضية الميراث والقوامة للنقاش طالما أصبحت المرأة تعمل؟ والمسار الثاني قضية الأمر بالمعروف على الأرض في زمن تم الإعلاء فيه من قيمة مساحته الشخصية فنصحه علنًا يسبب منكرًا، لا أدعوا لتعطيل الأمر بالمعروف بل لتوسيع معناه بدلاً من حصره على صغائر الذنوب، فمثلاً منع المتحرش من أشرف المعروف، الهدف هو توسيع إدراك الفرد المسلم بدلاً من معاداته.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد