مُوَاءُ العَدَالَةِ .. ترجمة: أنطونيوس نبيل

طبيب وشاعر وملحن.

d8a7d986d8b7d988d986d98ad988d8b3-d986d8a8d98ad984-d8b4d8a7d8b9d8b1-d988d985d984d8add986 مُوَاءُ العَدَالَةِ .. ترجمة: أنطونيوس نبيل
العنوان الأصلي: العَقْلُ الفَضَائِيُّ
تأليف: فيليب ك. ديك

تَنَاهَتْ إِلَى مَسَامِعِ چيسون بيدفورد -الهَاجِعِ فِي أَعْمَاقِ غُرْفَةِ موجاتِ ثيتا- نَغْمَةٌ خَافِتَةٌ ثُمَّ صَوْتٌ إلكترونيٌّ يقولُ

قال بيدفورد “حَسَنًا.” ثُمَّ طَفَقَ يُجَاهِدُ لِيَنْتَشِلَ نَفْسَهُ مِنْ وَهْدَةِ النَّوْمِ العَمِيقِ. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ غَيْرُ خَمْسِ دقائقَ ليُعِيدَ ضَبْطَ مَسَارِ سَفِينَتِهِ الفَضَائيَّةِ؛ فلا بُدَّ أنَّ خَلَلًا قَدْ طَرَأَ عَلَى نِظَامِ التَّحَكُّمِ الآلِي. أَيَكُونُ الخَطَأُ مِنْ جانِبِهِ؟ هذا أمرٌ مُسْتَبْعَدٌ؛ فَهُوَ لَا يَرْتَكِبُ أَخْطَاءً أبدًا. أَيُخْطِئُ چيسون بيدفورد؟ هذا ضربٌ مِنْ ضُرُوبِ المُسْتَحِيلِ.

التَّحَكُّمِ بخطواتٍ مُتَرَنِّحَةٍ لَمْ تَزْلْ تُكَافِحَ لتَتَحَرَّرَ مِنْ أَغْلَالِ النَّوْمِ، رَأى أنَّ نورمانَ -الذي كَانَ قَدْ أُرْسِلَ مَعَهُ للتَّرْوِيحِ عَنْهُ- كَانَ مستيقظًا أَيْضًا. كَانَ القِطُّ يَطْفُو ببطءٍ في دَوَائِرَ، يُلَاكِمُ قَلْمًا قَدْ طَفَا طَلِيقًا في الغُرْفِةِ بِطَرِيقةٍ ما. فَكَّرَ بيدفورد

قَالَ للقِطِّ

ثُمَّ اِنْكَبَّ سَرِيعًا على شَاشَةِ البَيَانَاتِ لِيَفْحَصَ مَسَارَ السَّفِينَةِ. مُسْتَحِيلٌ. لقد جَنَفَتْ السفينةُ عنْ مَسَارِهَا بِمِقْدَارِ خُمْسِ فَرْسَخٍ فَلَكِيٍّ بِاتِّجَاهِ نَجْمِ الشِعَرى اليَمَانِيَّةِ؛ مِمَّا سَيُضِيفُ أُسبوعًا كامِلًا إلى زَمَنِ الرِّحْلَةِ. أَعَادَ ضَبْطَ أجهزةِ التَّحَكُّمِ بِدِقَّةٍ صَارِمَةٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إشارةَ تَنْبِيهٍ إلى مَقْصَدِ رِحْلَتِهِ: كَوكَبِ ميكنوس الثَّالِثِ.

جَاءَهُ الرَّدُ مِنْ عَامِلِ الاتِّصَالَاتِ المِيكنُوسِيِّ

كَانَ صَوْتًا بارِدًا أَجَشَّ يُضْمِرُ فِي رَتَابَةِ نَبْرَتِهِ مَكْرًا وحذرًا ويُذَّكِرُ بيدفورد دائِمًا بِالثَّعَابِينِ.

شَرَحَ بيدفورد مَوْقِفَهُ شَرْحًا مُفَصَّلًا، فأَجَابَهُ عَامِلُ الاتِّصَالَاتِ المِيكنوسيُّ قائِلًا

طَفَا القِطُّ نورمان بجلالٍ مَهِيبٍ بجوارِ وِحْدَةِ التَّحَكُّمِ، ومَدَّ كَفَّهُ الرَّقِيقَ نَحْوَ لَوْحَةِ المَفَاتِيحِ، وَنَقَرَ عَلَيْهَا بصُورَةٍ عَشْوَائِيَّةٍ؛ فَأَصْدَرَ الزِّرَّانِ اللَّذَانِ تَمَّ تَفْعِيلُهَمَا صَفِيرًا وَاهِنًا وغَيَّرَتْ السَّفِينةُ مَسَارَهَا. صَرَخَ بيدفور قائِلًا

ثُمَّ أَمْسَكَ بالقِطِّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ بِغَضَبٍ مُحْتَدِمٍ وشَرَعَ فِي خَنْقِهِ.

سَأَلَهُ عَامِلُ الاتِّصَالَاتِ المِيكنوسيُّ

أَجَابَهُ بيدفورد بنبرةٍ طَافِحَةٍ بالسَّكِينَةِ

ثُمَّ أَغْلَقَ جِهَازَ الإرسالِ وَحَمَلَ جُثَّةَ القِطِّ إلى ثُغْرَةِ النُّفَايَاتِ لِتَقْذِفَهَا خَارجَ السفينةِ [ليَصِيرَ الفَضَاءُ الرَّحِيبُ قَبْرًا مُوحِشًا لَهَا].

بَعْدَ هُنَيْهَةٍ عَادَ إلى غُرْفَةِ مَوْجاتِ ثيتا وغَفَا مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ في نَفْسِهِ

ثُمَّ اِسْتَسْلَمَ بِسَلَامٍ للسُّبَاتِ السَحِيقِ.

1000036568-300x168 مُوَاءُ العَدَالَةِ .. ترجمة: أنطونيوس نبيل

حَالَمَا رَسَتِ السَّفِينةُ الفَضَائِيَّةُ على كَوْكَبِ ميكنوس الثَّالث، اِسْتَقْبَلَهُ كَبِيرُ أَعْضَاءِ الطَّاقِمِ الطِّبِّيِّ الفَضَائِيِّ بَطَلَبٍ عَجِيبٍ

أَجَابَهُ بيدفورد قائلًا

ومَا نَطَقَ بِهِ قَدْ كَانَ للأسفِ هُوَ عَيْنُ الصِّدْقِ.

قَالَ لَهُ كَبِيرُ الطَّاقِمِ الطِّبِّيِّ الفَضَائيِّ

قَاطَعَهُ بيدفوردُ بِنَبْرَةٍ نَزِقَةٍ قائلًا

قَالَ لَهُ كَبِيرُ الأطباء الميكنوسيِّينَ

قَالَ بيدفورد

لَمْ يُثْمِرْ تَفْتِيشُهُمْ عَنْ شَيءٍ؛ فَقَدْ كَانَ بيدفورد يُرَاقِبُ بِنَفَادِ صَبْرٍ الكَائِنَاتِ الفَضَائِيَّةَ وَهِيَ تَفْحَصُ بِتَأَنٍّ بالغٍ جَمِيعَ الخِزَانَاتِ والمَمَرَّاتِ في سَفِينَتِهِ باحِثَةً عَنِ القِطِّ دُونَمَا جدوى، لكنْ لِسُوءِ حَظِّهِ عَثَرَ الميكنوسيُّونَ في نِهَايةِ المَطَافِ عَلَى عَشَرَةِ أَكْيَاسٍ مِنْ غِذَاءِ القِطَطِ الجَافِّ، ثُمَّ دَارَ بَيْنَهُمْ نقاشٌ مُسْهَبٌ بِلُغَتِهِمْ الخَاصَّةِ بَدَا لبيدفورد أنَّهُ سيستمرُّ إلى الأَبَدِ.

قَاطَعَ بيدفورد نِقَاشَهُمْ بِحِدِّةٍ قائِلًا

لَمْ يَكُنْ يَكْتَرِثُ بِمَا يُفَكِّرُ فِيهِ الفَضَائِيُّونَ ولا بِمَا يَقُولونَ فِيمَا بَيْنَهُم؛ فَلَمْ يَكُنْ يَسْتَأْثِرُ باهتمامِهِ ويَسْتَحْوِذُ عَلَى عَقْلِهِ إلَّا رَغْبَتُهُ في أَنْ يَعُودَ إلى غُرْفَةِ مَوْجَاتِ ثيتا لِيَنْغَمِسَ في سُباتٍ عَمِيقٍ.

قَالَ لَهُ كَبِيرُ الأطباءِ الميكنوسيِّين

“يَجِبُ عَلَيْكَ قَبْلَ العَوْدَةِ الخُضُوعُ لإجراءِ التَّطْهِيرِ (أ) للحيلولةِ دُونَ اِنْتِقَالِ أَيٍّ مِنْ البَكْتِريَا أَوْ الڨيروساتِ إِلَى…”

قَاطَعُهُ بيدفورد قائِلًا

احِقًا، بَعْدَ أَنْ اِجْتَازَ بيدفوردُ إِجْرَاءَ التَّطْهِيرِ وعَادَ إلى سَفِينَتِهِ لِيَبْدَأَ في تَشْغِيلِ المُحَرِّكَاتِ، اِنْبَعَثَ صَوْتٌ مِن جهازِ الإرْسَالِ. كانَ صَوْتُ أَحَدِ الميكنوسيِّينَ -الذين بَدُوا جَمِيعًا مُتَمَاثِلِينَ لبيدفورد- يَسْأَلُهُ

أَجَابَهُ بيدفورد

ثُمَّ ضَغَطَ على زِرِّ تَشْغِيلِ المُحَرِّكَاتِ. اِنْدَفَعَتِ سَفِينَتُهُ مُحَلِّقَةً إلى الأعلى فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ فَابْتَسَمَ بيدفورد.

ذَوَتْ بَسْمَتُهُ حِينَمَا اِكْتَشَفَ غِيَابَ الوِحدةِ التي تُزَوِّدُ غُرْفَةَ مَوْجَاتِ ثيتا بالطَّاقَةِ، وتَلَاشَتْ بَسْمَتُهُ تَمَامًا حِينَمَا استحالَ عَلَيْهِ تَحْدِيدُ مَوْضِعِ وِحْدَةِ الطَّاقَةِ البَدِيلَةِ. سَأَلَ نَفْسَهُ

أَجَابَ

إنَّ بَيْنَهُ وبينَ بُلُوغِ الأرضِ عَامَانِ. عَامَانِ سَيَقْضِيهما فِي كَامِلِ وَعْيِهِ يُكَابِدُ حِرْمَانًا وَبِيلًا مِنَ رَاحَةِ النَّومِ الذي تَغْمُرُه بِهِ غُرْفَةُ مَوجاتِ ثيتا. عَامَانِ سَيَقْضِيهما جَالِسًا، أَوْ طَافِيًا، أَوْ مُتَّخِذًا الوَضْعَ المَشْئُومَ الذي شَاهَدَهُ في الأفلامِ المُجَسَّمَةِ الخَاصَّةِ بالتَّأَهُّبِ العَسْكَريِّ للطَّوَارِئِ: مُتَكَوِّرًا على نَفْسِهِ في رُكْنٍ مِنَ الأَرْكَانِ السفينةِ الفَضَائِيَّةِ وَفِي عَيْنَيْهِ الذَّاهِلَتَيْنِ يَتَجَلَّى سُعَارُ جُنُونٍ عُضَالٍ لَا أَمَلَ في البُرْءِ مِنهُ.

بَعَثَ عَبْرَ جهازِ الإرسالِ طَلَبًا للأَوْبَةِ إلى كَوكَبِ ميكنوس الثالث، فَلَمْ يَأْتِهِ أيُّ رَدٍّ. حَسَنًا، لَا رَجاءَ لِي في الإيابِ إليهم.

جَلَسَ إلى وِحْدَةِ التَحَكُّمِ وبِضَغْطَةِ زِرٍّ قَامَ بِتَشْغِيلِ الحاسوبِ الدَّاخِليِّ وقَالَ لَهُ

(هُنَاكَ أَشْرِطَةٌ تَرْفِيهِيَّةٌ لحَالَاتِ الطَّوَارئِ)

قالَ “حَسَنًا، شُكْرًا لَكَ.” وقَالَ في نَفْسِهِ

ثُمَّ بِضَغْطَةٍ على الزِّرِّ المُنَاسبِ فَتَحَ بَابَ حُجَيْرَةِ الأَشْرِطَةِ.

ا أَشْرِطَةَ هُنَاكَ. كَانَتْ الحُجَيْرَةُ فَارِغَةً إلَّا مِنْ لُعْبَةِ قِطٍّ على هَيْئَةِ كِيسِ مُلَاكَمَةٍ ضَئِيلٍ: دُمْيَةٌ كَانَتْ قَدْ أُدْرِجَتْ في الحُمُولَةِ مِنْ أَجْلِ تَسْلِيَةِ نورمان، وَلَمْ تَسْنَحْ لَهُ الفُرْصَةُ ليُعْطِيَهَا لَهُ. صُعِقَ بيدفورد وهو لا يَرَى في حُجَيْرَةِ الأَشْرِطَةِ إلا لُعْبَةَ القِطِّ وأَرْفُفًا خَاوِيَةً.

فَكَّرَ بيدفورد قائِلًا في نَفْسِهِ

قَامَ بِتَشْغِيلِ المُسَجِّلِ الصَّوْتِيِّ للسَّفِينَةِ، وقَالَ بِبالغِ الهدوءِ وبأَقْصَى قَدْرٍ مُمْكِنٍ مِنَ الاقتناعِ الذَّاتِيِّ

ثُمَّ نَهَضَ بيدفورد وشَقَّ طَرِيقَهُ بخطواتٍ مُتَقَلْقِلَةٍ إلى الخِزَانَةِ الهَائِلَةِ المُكْتَظَّةِ بالمَوَادِ الغِذَائيَّةِ.

بينما كانَ يَقِفُ مُحَدِّقًا إلَى الخِزَانَةِ الهَائِلَةِ المُتْخَمَةِ برُفُوفٍ مُثْقَلَةٍ بوجباتٍ مُتَطَابِقَةٍ لَا حَصْرَ لَهَا، فَكَّرَ قائِلًا فِي نَفْسِهِ

ثُمَّ تَسَاءَلَ بِصَمْتٍ مَشْدُوهٍ

وَكَانَتْ جَمِيعُهَا حَقًّا لَهَا النَّكْهَةُ ذاتُهَا.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل:
salontafker@gmail.com

اشترك في صفحة تفكير الثقافية لتصلك مقالات تفكير اضغط هنا

تابعنا عبر صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي:

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات