نشأة التصوف الإسلامي وتطوره عبر القرون… بقلم: علي غرس الله

علي غرس الله

بقلم: علي غرس الله

مهندس من تونس مهتم بالفكر الإسلامي

d8b9d984d98a-d8bad8b1d8b3-d8a7d984d984d987-edited نشأة التصوف الإسلامي وتطوره عبر القرون... بقلم: علي غرس الله

في هذا المبحث سنتناول نشأة التصوف الإسلامي وتطوره عبر القرون وتأثير التجارب الصوفية السابقة الدينية واللادينية، فالدور الأول الذي هو تمهيدي يبدأ بوفاة الرّسول صلّى الله عليه وسلم وينتهي بنهاية القرن الثاني الهجري، وهو دور الزهد يمثله بالأساس الحسن البصري وداود الطائي و عطاء السلمي،  ثم يأتي الدور الثاني الذي جمع بين التمسك بالشريعة ظاهرا و إلتزام تطهير الباطن من كل الرذائل وتحليته بكل الفضائل أي جهاد النفس، من أعلامه الجنيد البغدادي وسليمان الداراني وسهل التستري ومعروف الكرخي، تميزوا عن جمهور العلماء من خلال إستعمال مصطلحات تدل على ذلك بشكل مهّد لظهور الطرق بعد ذلك مثل قولهم علمنا هذا أو مذهبنا هذا أو طريقنا، فكثرت بين هذه الطبقة هذه الألفاظ التي ميزت بينهم وبين فقهاء المسلمين في ذلك الوقت، فيقول الجنيد علمنا مشتبك مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وظهرت لهم تصانيف كثيرة مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني وكتب الحارث المحاسبي، فهو إمام وزاهد من أكابر الصوفية وأحد العلماء المشهورين في القرن الثالث الهجري ومن معاصريه أحمد إبن حنبل ومن مشائخه علماء كثر من أهل السنة ومن إهتماماته علم الكلام والصوفية وعلم الحديث والفقه وله كتاب مشهور ٰمقام العقل في الاسلامٰ حيث مدح فيه العقل وأكد على أهميته وضرورته للتكليف، الدور الثالث حيث خلطت هذه الطبقة الزهد بالعبارات الباطنية، وإنتقل فيها الزهد علاوة على الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي، وظهور مصطلحات جديدة مثل الوحدة، الفناء، الحلول، السُّكر، الصّحو، الكشف، البقاء، العارف، الأحوال، المقامات، وهي ألفاظ كثيرة لم تكن معروفة بين المسلمين وشاع بينهم التفريق بين الشريعة والحقيقة وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسمّوا غيرهم من فقهاء المسلمين بأهل الظاهر والرسوم من أهم أعلام هذه الطبقة أبو يزيد البسطامي وذو النون المصري والحلاّج وأبو بكر الشّبلي.

الدور الرابع وهو دور الطبقة التي خلطت التصوف بالفلسفة اليونانية وفلسفات أخرى من الشرق الأقصى كالحلول والإتحاد ووحدة الوجود، كما أقر بعض أعلام هذه الطبقة بنظرية الفيض والإشراق على يد أبي حامد الغزالي والسهروردي، فالغزالي من أهم أعلام التصوف وهذا جلي في كتابه إحياء علوم الدين وهو من طوس وقد أثر فيه التصوف الفارسي الذي يتميز بحياة روحية عميقة،  كما أن بعض علماء أهل السنة والجماعة حكم على بعض رموز هذه الطبقة بخروجها عن الإسلام بالكلية مثل الحلّاج الذي يمثل بالنسبة لهم مدرسة الحلول والإتحاد، وإبن عربي كذلك يعتبرونه من القائلين بوحدة الوجود، والجدير بالذكر أن السهروردي إتهمه علماء حلب في سوريا بالزندقة لأنه قال بالتعطيل وبقول الفلاسفة – حسب رأيهم – مما حدى بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضرا بكفره وزندقته فأمر بقتله ردة، هنا نرى تأثر السهروردي أيضا بآراء ما يطلق عليهم بالمعطّلة وهي إحدى الأسماء التي اطلقت على المعتزلة نتيجة نفيهم للصفات. 

  ثم بداية من القرن الخامس الهجري برزت عدة طرق صوفية لا تزال تمتد فروعها إلى يومنا هذا في كل بقاع العالم الإسلامي، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الطريقة الجيلانية أو القادرية نسبة إلى عبد القادر الجيلاني وكان شعاره “الفقيه من عمل بفقهه”، والطريقة الرفاعية التي انتشرت في مصر وشمال إفريقيا وكان شعارها “الفناء في محبة الله”، والطريقة الأحمدية نسبة إلى أحمد البدوي وشعارها “التصوف جهاد وعبادة”، و الطريقة البرهمية نسبة إلى إبراهيم الدسوقي الملقب بعالم الأولياء، والطريقة الشاذلية نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي وتعرف طريقته بالمنهج الوسيط والصراط المستقيم.

فالتعدد والإختلاف بين الطرق عند الصوفية لا يمس الهدف وإنما يقتصر على إختلاف الأساليب والمناهج والوسائل التي يتم بها الوصول الى تحقيق الهدف. وذكر إبن زرّوق “في إختلاف المسالك راحة للسالك “والقول الشائع لدى الصوفية “إن الطريق الى الله بعدد أنفاس البشر”، هذا يوضح مدى مرونة هذا الفكر وإنفتاحه فالصوفي بطبيعته منفتح .ثم ظهر في القرن السابع جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية، وفي القرن الثامن بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية، وصولا الى احمد التيجاني وحسن رضوان فهناك طرق عدة ولكن المدارس تلخص في اربعة كبرى، منها مدرسة الزهد ومدرسة الكشف والمعرفة ثم مدرسة وحدة الوجود ثالثا، وأخيرا مدرسة الحلول والإتحاد كلّها متأثرة بتفاعل وتزاوج مع أفكار أخرى.

screenshot-2024-05-22-at-01.02.11 نشأة التصوف الإسلامي وتطوره عبر القرون... بقلم: علي غرس الله

إنطلاقا من تفكير إبن العربي الذي تناوله نصر حامد أبو زيد، إبن عربي في كتابه فلسفة التأويل يعرف الله بأنه “وجود كل الوجود” – البعض فهمها على أنه يدعوا لوحدة الوجود – بل أحيانا أنه اللاشيء أو العدم كما ورد في كتابه فصوص الحكم، لأنه لا يمكن وصفه من خلال أي نوع من التفكير المحدود فالذات الالهية لا متناهية وبلا زمان وبلا مكان وهو الوجود المطلق وهو الحقيقة المطلقة، أما العالم فإنه على العكس من ذلك له واقع محدود وهو يستمد وجوده المحدود من الوجود الإلهي المطلق، ويرمز إلى الألوهية في ذلك ببحر لا حدود له تذوب النفس الإنسانية فيه مثل القطرة ويشبّهه أيضا بالصحراء التي تتجدّد رمالها، وإبن عربي كما أسلفنا ينتمي إلى الطبقة الصوفية التي خلطت التصوف بالفلسفة اليونانية، التي من ضمنها الفلاسفة الطبيعيين والأفلاطونية القديمة والمحدثة التي هي عبارة عن لاهوت أرسطوطاليس وبالتعاليم الفيدانتية القديمة والأوبانيشاد الهندية وبالطاوية نتيجة لتوسع الرقعة الجغرافية للمسلمين حتى وصولها الى الاقاليم الصينية، ومن هنا نتبين أن في كل دور من الأدوار يختلف مدلول التصوف عن مفهومه في الدور الآخر.

المقالة 1 دور المعتزلة في الفكر الإسلامي

المقال الثاني: النهج اصوفي ودوره في الفكر الإسلامي

المقال الثالث نشأة التصوف الإسلامي وتطوره عبر القرون

المقال الرابع : المنهج الصوفي في المجاز والتأويل

المقال الخامس : التعبير عن التجربة الصوفية والتمية البشرية

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

0 comments

اترك رد

ندوات