نقض الإسلام وأصول الحكم.. أحمد خفاجي.. قرن من الإسلام وأصول الحكم
بقلم: عمرو عبد الرحمن

قدّمت د. رغد صفوت أ. أحمد خفاجي، ثم وضحت أن هذه الندوة مختلفة عن سابقاتها؛ لأنها ستتناول نقض خطاب الشيخ علي عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم.
الموقف السياسي والديني من الخلافة
بدأ أ. خفاجي الندوة بعبارة تربط بين الديمقراطية والخلافة بداية من حكم النبي في المدينة، وهي جملة وردت في ورقة تقدم بها الچنرال عبدالفتاح السيسي في ولاية بنسيلڤينيا الأمريكية في أوائل القرن الحالي. وهي عبارة أكدها المستشرق البريطاني السير توماس أرنولد في كتابه الخلافة وهو أحد المصادر التي رجع إليها الشيخ علي عبدالرازق في كتابه.
يلفت خفاجي الانتباه إلى أن الشيخ علي عبدالرازق فكر في كتابة الكتاب عام ١٩١٥، وهو ما يثير التساؤل حول الحديث عن سياقه وربطه بسقوط الخلافة الذي سبق نشر الكتاب. كما يلفت النظر أيضًا إلى كتاب الإجماع في الشريعة الإسلامية والذي صدر عام ١٩٤٧ للشيخ علي عبدالرازق، والذي يرد فيه على بعض مما ذكره في كتابه الأسلام وأصول الحكم.
يتحدث خفاجي عن خطاب الشيخ محمد رشيد رضا على عدم اكتمال إسلام الناس إلا ببيعة حاكم إسلامي لهم، وتأليبه الأزهر على علي عبدالرازق بسبب كتاب الإسلام وأصول الحكم. ثم إشادته بموقف الأزهر في سحب شهادة العالمية من علي عبدالرازق وتجريده من منصبه الشرعي، واعتبار ذلك نصرًا الدينيين على اللادينيين، بل واعتباره حكمًا بالردة.
نقض الإسلام وأصول الحكم
يتحدث خفاجي عن كتاب “نقض الإسلام وأصول الحكم” للشيخ محمد الخضر حسين والذي له على الشيخ عبدالرازق في كتابه أربعة مأخذ: أولها تحريف الحقائق حيث يعتبر علي عبدالرازق طاعة الخليفة تامة بينما يربطها الخضر حسين بالحكم بالمعروف. وثانيها عدم الأمانة في النقل عن العلماء حيث قام علي عبدالرازق بتضمين حديث شريف عن نصح الإمام في كتاب العقد الفريد، وهو كتاب عن الأدب لا يصح الأخذ به في المباحث الشرعية بينما الحديث النبوي قائم بذاته. وثالثها المبالغة في تقرير الحقائق حيث اعتبر علي عبدالرازق الإمام نائبًا عن الرسول يستحق اعلى تقدير لمكانته التي وصل إليها، واعتبر الخضر حسين أن ذلك من قبيل المبالغة الشعرية حيث يمكن أن يستحق شخص أخر هذه المكانة لأن ميزان الناس في الإسلام هو التقوى وليس المنصب. ورابعها عدم الموضوعية حيث يعتبر مصدر سلطة الخليفة هو الله مباشرةً ويستدل بأبيات شعرية، ويرى الخضر حسين أن ذلك إسقاط للنظام السياسي الغربي تاريخيًا، وعندما لم يجد في كلام أهل العلم ما يؤكد ذلك، استعان بالشعر لموافقة رأيه الذي لا أصل له عند المسلمين السُنة.

كما اعتبر د. محمد عمارة في نسخته الأخيرة أن مشكلة الإسلام وأصول الحكم أنه انطلق من منطلق غربي علماني يعتبر أن السلطة الدينية والسياسية سلطة واحدة مطلقة، وهو منطلق لا أصل له في الإسلام. كما فرق المستشار العشماوي بين الحكم المدني والديني في أن الحكم المدني يمكنه تطبيق أحكام دينية مرتكزًا على إرادته الحرة من خلال مؤسسات مدنية، بينما معيار الحكم الديني هو أن يسبغ مقامًا دينيًا على الحاكم يستمد منه سلطته، ليصبح قوله هو قول الله لا يعارضه فيه أحد.
المناقشة
بدأ أشرف قنديل النقاش بالحديث عن صحة خطاب علي عبدالرازق حيث أنه يخاطب الدولة الحديثة القائمة، وصحة حديث من ينقضونه حيث أن حديثهم ينطلق من مفهوم الدولة القديمة التي يريدون إعادتها من قبرها.
عقّب ا. خفاجي بأن الإسلام لم يضع نظام الحكم ولكن مبادئ عامة يمكن تحقيقها بأي وسائل متاحة، وأن الهدف ليس العودة لدولة عصر الرسول بل أن تكون موافقة لثقافة وطبيعة المجتمع.
تحدث د. عبدالباسط هيكل عن وجود نظرية سياسية في الإسلام يُدّعى أنها من عند الله. النظرية تقوم على وجود تكليف من الله بطاعة الحاكم والحاكم مُكلف بطاعة الله. نشأ ذلك في عهد أبي بكر وتأكد في عهد عثمان واستمر في عهد علي. وأن الموقف من الخلافة موقف عاطفي لا يصلح لإنتاج موقف معرفي.
تناول أ. خفاجي حديث د. عبدالباسط بأن الإمامة من الفروع وليست من الأصول. واتفق معه في أن المشكلة هي وصاية الدولة على الشأن الديني.
علّق جمال عمر على الخطاب المواجه لخطاب علي عبدالرازق والذي جمعه أحمد خفاجي في ندوه بعدم وجود سردية ذات بناء متماسك يمكن جمعه من خلاله، فقط الإطار كان نقض خطاب علي عبدالرازق.
رد أحمد خفاجي بأنه يعرض نماذج لكيفية استقبال الأوساط الدينية لخطاب علي عبدالرازق وما يجمعه هو الموقف من الاحتلال الغربي.
باغتت د. رغد صفوت مديرة الندوة أحمد خفاجي بالسؤال عن رأيه فيما عرض من نقوض لخطاب علي عبدالرازق، حيث من المهم أن نسمع صوته وقناعاته عما قام بعرضه من آراء.
يرى أحمد خفاجي أن الدافع لكتابة الكتاب سياسي وهو ما يعترض عليه. ينحاز خفاجي لمبدأ الديمقراطية بأخذ راي الناس وإفساح المجال للناس كي يديروا مؤسساتهم المدنية للدولة الحديثة، لكن ذلك لا يمنع إعادة النظر في بنية هذه المؤسسات بدون الدعوة لعودة الدولة بشكلها القديم. وأنه يرى بداية الإصلاح سياسية وليست دينية وأن المعركة بين الإسلام والعلمانية لا مجال لها هنا.
استكمل د. عبدالباسط حديثه بمعارضته لرأي أحمد خفاجي حيث أن إصلاح الفكر الديني هو الأساس؛ لأن الفكر الديني قادر على هدم أي إصلاح سياسي. كما سلّط الضوء على خطاب الخضر حسين وكونه ينطلق من دافع سياسي حيث حصل على الجنسية المصرية من الملك فؤاد لكتابته “نقض الإسلام وأصول الحكم”. ونبّه د. هيكل إلى أن الحديث عن سقوط الخلافة كان سابقًا لسقوطها الفعلي، وهو ما يبرر تفكير الشيخ علي عبدالرازق في نشر الكتاب في ١٩١٥.
رد أ. أحمد خفاجي بأنه كان يعرض المواقف والآراء لا اأنه يؤيدها لكن لفهم السياق التاريخي كاملًا، وكان يعرض دوافع أصحابها لا لتبرير الأفعال لكن لمحاولة الفهم للصورة الكلية. كما أنه ذكر حصول الشيخ الخضر حسين على الجنسية المصرية.
تحدث جمال عمر عن شخصية محمد رشيد رضا التي هربت من الشام هروبًا من اضطهاد دولة الخلافة الدولة العثمانية، ثم دافع عن دولة الخلافة بعد سقوط الدولة العثمانية، وأسس لوجوب إعادة إحيائها. وأشار إلى أهمية عرض الآراء بموضوعية لكن الموضوعية لا تعني الحياد بالضرورة.
أشار أحمد خفاجي إلى فرض الحداثة على المصريين من أعلى بدايةً من محمد علي ثم الاحتلال البريطانى، وأثر ذلك في إنتاج مقاومة شعبية لها أدت لازدواجية في أشياء عديدة وانفصال بين الدولة والمجتمع. فلابد من الاشتباك مع التراث كي تتشكل الحداثة مع الوعي المجتمعي للمجتمع الذي تستهدفه، ويصبح من الأيسر تقبلها واستيعابها.
في النهاية أشاد د. عبدالباسط بقوة النقاش في الندوة وأن هذا دليل على روعة المحاضرة. وقال أن العلمانية حتمية تاريخية حيث تعود المعرفة الدينية إلى مكانها الطبيعي. وأشار إلى خطأ القول بأن التراث الإسلامي لا يقدم الخليفة كمنصب ديني شرعي منتِج للأحكام الشرعية.
تحفظ أحمد خفاجي على فكرة أن العلمانية حتمية تاريخية، حيث أن المعرفة الدينية فيها مجال واسع للاجتهاد والأخذ والرد.
ودار بين د. عبدالباسط وأحمد خفاجي حول الفاصل بين الاستقلالية والانغلاق للمؤسسات الدينية، ومدى سيطرة السلطة السياسية على السلطة الدينية، وهو حديث قد يحتاج ندوات أخرى.
للاستماع إلى تسجيل صوتي للندوة، اضغط هنا
لمشاهدة فيديو للندوة
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد