هوامش نقدية علي كتاب جورج مقدسي(1)… بقلم: د.أحمد سالم

d8af.-d8a3d8add985d8af-d8b3d8a7d984d985 هوامش نقدية علي كتاب جورج مقدسي(1)... بقلم: د.أحمد سالم

images-4 هوامش نقدية علي كتاب جورج مقدسي(1)... بقلم: د.أحمد سالم


كنت قد اطلعت منذ عقود على كتاب توبي هاف فجر العلم الحديث والذي يشخص فيه عجز العلم العربي عن إحداث طفرة كبيرة مثل التي أحدثها العلم الغربي فى علوم الدنيا..ونأتي بعد قراءة جورج مقدسي لنري أن ماهو عيب فى نظر توبي هاف هو ميزة في نظر جورج مقدسي، والكتاب عليه ملاحظات عامة مجملة نحددها هنا ثم نفصلها فيما بعد.

أولًا: أن الكتاب المذكور قد وقع تحت وطأة الرؤية الاستشراقية في كل أحواله فالمفاهيم التي تشكل مركز الكتاب صنعها المستشرقون خاصة ماسنيون حول وجود مفهوم النقابة في حضارة الإسلام، وأن هذا التصور قوبل بهجوم ضاري من قبل تيار كبير من المستشرقين، فالكتاب ينطبق عليه صحة فرضية إدوارد سعيد في كتابه عن الاستشراق.


ثانيًا: أن المفاهيم التي يكرس العمل نفسه للدفاع عنها هي مفاهيم صنعتها الحضارة الحديثة مثل النقابة والمؤسسة والكلية او المدرسة، وإسقاط مثل هذه المفاهيم على الحضارة الإسلامية يعني أن تلك الحضارة بتجربتها الذاتية تتحدد قيمتها بقدر اقترابها من النموذج الغربي بما يعنى أن الكتاب يطرح فكرة محددة فى الظاهر، ولكن بالتأمل في باطن العمل نجده يقر بغير ما أراد.

ثالثًا: إن المقاربة بين إجازة التعلم والفقه التي ظهرت في حقبة متأخرة من تاريخ الإسلام وبين درجة الدكتوراه في أوروبا، نقول في أى مرحلة في الغرب المسيحي فى مرحلة العصور الوسطي وفي مؤسسات اللاهوت المسيحي؛ فأنت تمنح ذاتك قيمة بقدر إضافتها للغرب. وهذا ليس صحيحًا فحضارة الإسلام وثقافته ينبغي أن تقرأ من الداخل وليس من الخارج.

رابعًا: أن تلك المقاربة تبدو متهافته بعد القطع الذي حدث فى الغرب المسيحي مع الكنيسة فى العصور الوسطى لأن درجة الدكتوراه كمسمي تحررت من الشحنة اللاهوتية إلي آفاق الإنساني والطبيعي، في حين أن العصر الوسيط الإسلامي والمسيحي الغربي واقع تحت وطأة العلم الديني بصورة جذرية.


خامسًا: إن تمجيد جورج مقدسي للتيار الحنبلي وأهل الحديث في حضارة الإسلام هو اختزال مخل، فهو يدافع عنهم ويرى أن التيار الحنبلي ليس ضد التصوف السني ولكنه ضد التيار الفلسفي العرفاني فهو يجمل وجه هذا التيار الإقصائي لبقية تيارات الحضارة الإسلامية مثل أهل العقل كالمعتزلة، وتمجيده للفقه على حساب علم الكلام بل إن الفقه السني وظف الفقه في تكفير أهل الكلام؛ فكيف نجمل تيار ديني ينفي التعدد والتنوع في حضارتنا.

سادسًا: إن سعي مقدسي لتأصيل فكرة المؤسسة في مجالات العلم ونشاطه داخل حضارة الإسلام ودولته لم تكن تؤسس كفرضية إلا بوعيه بهذا المفهوم فى الغرب؛ وكأن حضارة الإسلام لاتقاس قيمتها إلا بقدر رؤيتها في وعاء مفاهيم الغرب الحديث، أو بقدر تأثير الإسلام وحضارته في هذا الغرب، وهو مايؤدى إلي عكس المطلوب.

سابعًا: إن تمجيد مقدسي للفقه وأصوله بوصفه المنتج الأصيل والفاعل في حضارة الإسلام هو اختزال ضيق جدًا؛ لأن الفقه وأصوله لم يكن ليؤسس إلا عبر علم أصول الدين الذي يسبق في ترتيب وجوده حول الوحي أصول الفقه، فأصول الدين علم الأصول الحقيقي، في حين أن أصول الفقه يقعد للفقه كعلم للفروع.

ثامنًا: إن الحديث عن نشأة الإنسانيات في عالم حضارة الإسلام يجعلنا نسأل أي معني للإنسانيات يقصد مقدسي؟

الإنسانيات المعلقة بالسماء في حضارة الإسلام والغرب المسيحي وسيطًا أم الإنسانيات التي ظهرت متأخرة فى أوروبا فى القرن التاسع عشر بعد مرور ثلاثة قرون من تحرير علوم الطبيعة عن البناء اللاهوتي في القرن السادس عشر .

تاسعًا: إن الإنسانيات لم تتخلق كمفهوم وإنجاز حديث إلا بعد ترسيخ المنهج العلمي واستقلال العلم عن الدين في أوروبا، ولم يكن للإنسانيات علوم إلا بدء من القرن التاسع عشر، ولذلك أنا كنت حائر ومازلت تجاه مصطلح الإنسانيات في كتاب مقدسي؛ لأن نشأة الإنسانيات في أرض الإسلام لم تنبع إلا لكون الإسلام دين مدني  دنيوى بجانب روحانيته، ودين حسي بجانب معنويته.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات