واضربوهن.. لعنة العنف كيف تبررها سلطة المجتمع؟

فاطمة حجازي

d8b5d988d8b1d8a9-d981d8a7d8b7d985d8a9-d8add8acd8a7d8b1d98a-3194597241-e1717289837905 واضربوهن.. لعنة العنف كيف تبررها سلطة المجتمع؟

عمرو عبد الرحمن

280709377_5758375077522788_4038074696299373968_n2 واضربوهن.. لعنة العنف كيف تبررها سلطة المجتمع؟

يعتبر الضرب سلوك عدواني تشترك فيه كل الكائنات الحية، ولكن ما يميز الإنسان أن له عقلًا وإرادة حرة يمكنانه من اختيار الطريقة التي يمارس بها الضرب فإما أن يكون رد فعل واعي أو حالة مَرَضيّة أو متنفس انفعالي، وأساليب السلوك التي تكوّن ثقافة أي مجتمع  مترتبة على التعميم، فما ينطبق على الجزء بالضرورة ينطبق على الكل، ونلاحظ ذلك بشكل واضح في المجتمع القروي التي تحكمه العادات والتقاليد والعرف. 

 والملاحظ أنه قد يقترن الضرب في العلاقات الزوجية بالنص واختلاف تأويله، كما يلاحظ أيضًا أن الضرب  حيلة يتَّبِعها بعض الأفراد على اختلاف الأجناس والأعراق. ففي دراسة أجراها أوبلر لإحدى قبائل الهنود الحمر وجد أن الرجل الذي يكتشف خيانه زوجته له، ولا يبدي مشاعر الحقد والرغبة في الانتقام، يعتبر شخصا عديم الرجولة. وقد يتوافق هذا مع مجتمعاتنا، ولكن ليس في نطاق الخيانة الزوجية فحسب بل يتخطى ذلك لأسباب أخرى تتعلق بالبعد النفسي والاجتماعي والثقافي بين الزوجين والأسرتين ،أهل الزوج وأهل الزوجة، ومدى الطاعة والامتثال لأوامر الأهل أولاً، فقد يؤدي عدم امتثال الزوجة لأوامر أم زوجها في بعض الأسر إلى إطلاق حالة من الغضب المصحوبة بالضرب نتيجة رغبة الزوج في الحفاظ على رجولته أمام أمه وأسرته.

images-3-1 واضربوهن.. لعنة العنف كيف تبررها سلطة المجتمع؟

اختلفت الآراء في صالون تفكير حول هذه الظاهرة، وتعددت الأسباب، نبدأ عرض التقرير بمشاركة عضوة الصالون (ل.أ) تقول فيها:

وبافتراض صحة الادعاء، فما الذي يجعل الضرب مقبولاً في بيئة، ومرفوضاً في بيئة وكلاهما في نفس المجتمع؟

domestic-violence واضربوهن.. لعنة العنف كيف تبررها سلطة المجتمع؟

إحدى الأفكار التي نراها هنا هي فكرة استخدام استفزاز الآخر مبرراً لفعل الضرب، ولا يحدث هذا مع المرأة فقط، بل مع الأطفال أيضاً؛ ومع كل من هم تحت سلطتنا، مع كل من لا يقدرون على الرد سواء لفوارق بيولوچية أو خوفاً من سلطة الضارب، أو لوم المجتمع، أو غياب جدوى تقديم شكوى قانونية.  فأن من يطبق القانون هو جزء من هذا المجتمع وتحكمه رؤيته التي تقضي باعتياد أن يضرب القوي الضعيف لأنه استفزه. وإذا اشتكى الضعيف من القوي يكون الحل أن يقبّل كلاً منهما رأس الآخر.

في آخر التعليق يدرك (ب.ن) أن تعدد الزوجات جاء لضرورة بيولوچية، أو دعنا نقل اجتماعية، لكنه قرر أن الإسلام هو المسؤول عن كل شئ. ولو أن الإسلام هو المسؤول حقاً عن الضرب والإجبار والخيانة، فلماذا مثلاً يكذب الناس رغم أن الكذب محرم؟ لماذا يسرق الناس رغم أن السرقة محرمة؟

بغض النظر عن قراءتنا للإسلام ولتأويل النصوص، فكل تصرف إنساني هو اجتماعي أكثر منه ديني، لفهمه يجب النظر للعوامل المختلفة التي أدت لاستمراره وتطوره عبر المراحل المجتمعية التاريخية حتى أصبح جزءاً من مجتمعنا، والتي هي سابقة على الدين بكل تأكيد.

أما تعليق (ح.أ) فكان الأكثر تناقضاً في رأيي يقول:

يضع (ع.م) يده على أصل الحكاية في رأيي، وهو الضمير الجمعي – كما استخدمه إيميل دوركهايم –  حيث يلعب المجتمع الدور الأكبر في تحديد مدى قبولنا لفعل ما أو نفورنا منه، مما يؤدي لإنتاج نوع من التضامن الاجتماعي من خلال العادات والتقاليد بحيث تتقلص مساحة الضمير الشخصي لصالح هذا الضمير الجمعي، قهراً، أو بمجرد المحاكاة.

والضمير الجمعي ابن زمانه وبيئته، لذلك فمن الخطأ أن نحكم على وعي جمعي سابق بوعي جمعي لاحق عليه، بدون محاولة فهم سياقه الزمني والبيئي.

screenshot-2024-08-16-at-14.25.52-1 واضربوهن.. لعنة العنف كيف تبررها سلطة المجتمع؟

أما التعليق الأكثر إنسانية فقد جاء من (م.ف) الذي حكى فيه عن تجربة معاصرته كطفل في أسرة يكون ضرب الزوج للزوجة فيها نمطاً متكرراً يقول فيه:

”كانت أمي في غرفة أبي، وأنا وأخي في غرفة أخرى، وفجأة بدأ يضربها وهي تستغيث بصوت ضعيف، وكنت خائفا وعاجزا. هذا هو، الخوف والعجز. كانا عدوين لدودين طوال عمري، أقسى ما مررت به، عندما كان أبي يضرب أمي أمامي، وقتها كنت أركز نظري على وجه أمي، وأرى الخوف والعجز والرعب والقهر”.

كانت كل تعليقات أعضاء صالون تفكير تصب في اتجاه واحد، لكن أتى تعليق ﴿أ.س﴾ ليفتح نافذة آخرى.

 تقول: “النهاردة الصبح قبل ما أدخل الفصل لقيت طالبة عندي باعتالي رسالة إنها عاوزة تكلمني قبل المحاضرة.. أول ماوصلت المكتب لقيتها جاتلي وطلبت أقفل الباب وانفتحت في هيستيرية عياط، قالتلي إن باباها بيتعرض ل Abuse جوه البيت وإنها عاوزة تخرجه من البيت بأي طريقة .. في البداية ماكنتش مجمعة لحد ما قالتلي إن مامتها بتضربه وانه مش بيقدر يقاومها أو يدافع عن نفسه، وإنه بعت صوره لبنته وقالها احفظي الصور دي عشان لو حصلي حاجة”،  ثم تتابع في استغراب شديد مختلطاً باستنكار ”عاوزة الرجالة هنا في الجروب تشرحلي إزاي ده؟ هو مش ألف باء لو حد ضربك بتدافع عن نفسك؟ والمفروض الراجل عضليا وجسديا أقوى من المرأة؟ إزاي بأه الست بتقدر عليه ومش بيقدر يقاومها؟”.

جزء آخر من الضمير الجمعي هو التطابق بين الرجل والذكر، فكل ذكر هو الأقوى، لا يمكن لامرأة أن تقاومه، ولا أن تتغلب عليه، فما بالك بأن تتبدل الأدوار، وتكون هي الطرف الذي يعتدي بشكل متكرر على الطرف الآخر. هنا لا يوجد أمام الرجل سوى الخضوع – كي لا يفقد احترام المجتمع له كذكر، فالمجتمع لا يحترم الضعيف أمام الذكور فما بالك أمام الإناث – أو الهرب. وفي الحالتين سيعيش بندبة سببها ذلك الضمير الجمعي الذي لن يتفهم اختلافه عن النمط الذي كان يجب أن يكون عليه بحكم نوعه البيولوچي.

 أخيراً جاء تعليق (م.ر) ليتحدث عن جانب شخصي من حكايته متبوعاً بتحليل اجتماعي عميق.

“بخصوص ترند الضرب أنا فضلت متزوج ٨ سنين ونص مريت فيهم بأسوأ تجربة ممكن الواحد يشوفها وممكن اكون اتعرضت فيها لمواقف مفيش راجل ممكن يستحملها، وبالرغم من كده عمرى ما افتكر إني  مديت إيدى عليها برغم نصيحة أختها ليا “اضربها يامحمد”، وكان ردى عليها مقدرش أقف قدام المراية واحترم نفسي. حتى لما كنت ازعل أنا واخواتي البنات ونتخانق ونضرب بعض وانا الصغير بتاعهم، وفيه بنتين أكبر منى، كنا لما نضرب بعض أزعل جدا لو أنا المنتصر والخناقة انتهت إن واحدة فيهم بتعيط مع أني مفترض انبسط. اعتقد ده بيكون نابع من الشخصية يعنى إللى صعب إنه يضرب ست صعب برضه إنه يضرب راجل أو حيوان حتى.وجزء كبير – على فكرة – من إللى بيضرب مراته بيكون مقهور مجتمعيا وده جزء تنفيسي.”

قصدنا من عرضنا هذا أن يكون عرضًا خاليًا قدر الإمكان من الحديث عن النص الديني وتأويله، لأننا نرى أنه رغم الدور الذي يلعبه ذلك التأويل في إثارة ضرب الزوج لزوجته عاطفةً اجتماعية أقل، مما يجعل هناك تسامحاً أكبر مع فعل الضرب، إلا أن النص  الديني ليس هو المُنشئ لتلك الظاهرة الاجتماعية.

ونرى أيضا أن المشكلة الرئيسية هي في تقبل الضرب من حيث المبدأ، كوسيلة يُتوهم منها أن تكون مفيدة بشكل ما، وذلك إلى جانب ظروف اجتماعية واقتصادية أدت لوجود طرف قوي مقهور خارج البيت، يقرر أن يحقق انتصاراً على أطراف أضعف تقع تحت سيطرته. وطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة التي لا تقوم على شراكة أو تكافؤ أو حتى مودة ورحمة، بل يكون فيها طرف ضعيف عليه الطاعة والحفاظ على الأسرة، وطرف أقوى مسؤول عن البيت وحده، فتُلتمس له الأعذار عند الغضب، في مجتمع ذكوري يضع من بيدهم الأمر أنفسهم مكان الزوج دائماً لا الزوجة. حتى النساء اللواتي قمن بالتطبيع مع فكرة تأديب الزوج لزوجته بضربها، كما تربين وكما ينص العُرف المجتمعي، فصرن ينصحن إخوانهن وأبناءهن بضرب زوجاتهن، فلسن أفضل منهن حتى لا يتم تأديبهن ضرباً.

كل ذلك يجعلنا نقول إن التعامل مع ضرب الزوجة كظاهرة اجتماعية هو أكثر موضوعية من التعامل معها كفعل يحدث بأمر ديني. هي ظاهرة اجتماعية توجد خارج شعور الأفراد، ثم تميل إلى تشكيلهم على غرارها بممارسة قهر اجتماعي عليهم، وإن ارتضوه، وإن ما يستخدمه الناس من نصوص لتوصيف النساء وعلاقتها بالمجتمع ك “ناقصات عقل ودين” أو أن المرأة أخرجت آدم من الجنة؛ فهذه نصوص تُستخدم لتأبيد وضع اجتماعي يقاوم كل تطور إنساني، ولا تختلف كثيراً عما يضعه محل لبيع عصير القصب على واجهته “وسقاهم ربهم شراباً طهورا”، رغم أن القصب لا يتم غسله، وماكينة العصر يأكلها الصدأ من الداخل، والآية بالأساس لا علاقة لها بالقصب.

تناول مجلة تفكير لموضوع الضرب اضغط هنا

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات