يوم في حياة عابد سلامة … بقلم: محسن شحاتة
بقلم: محسن شحاتة

A Day in the Life of Abed Salama

مهم أن ندرك طبيعة معاناة الإنسان الفلسطيني العادي لأن هذه المعاناة هي التي تؤدي إلى أحداث كبرى مثل الانتفاضة الأولى والثانية وما نشهده في غزة الآن. ومن هنا تأتي أهمية كتاب (يوم في حياة عابد سلامة A day in the Life of Abed Salama) للكاتب اليهودي الأمريكي (Nathan Thrall) والمقيم بمدينة القدس.
النقطة المحورية في الكتاب هي حادثة مروعة وقعت في فبراير ٢٠١٢ لأتوبيس يحمل أطفال حضانة فلسطينيين بمدينة عناتا القريبة من مدينة القدس على طريق سيء ومهمل. أدى انقلاب الأتوبيس وحريقه إلى مقتل ستة أطفال ومدرستهم التي كانت تصطحبهم في رحلة مدرسية. من ضمن الأطفال الذين ماتوا في الحادثة الطفل ميلاد (٥ سنوات) ابن عابد سلامة الشخصية الرئيسية في الكتاب.

ورغم أن الكتاب ليس رواية خيالية، بل هو تجميع لحقائق استقاها الكاتب من شهادات كل من كان له علاقة ولو بعيدة بالحادث إلا أن الكتاب شيق ويدفعك إلى الاستمرار في قراءته حتى النهاية لتخرج منه برؤية شديدة الوضوح لمعاناة الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال.
كان اختيار ناثان لحادثة الأتوبيس كنقطة محورية تلتقي عندها كل الخيوط، بدلا من أي حادثة أخرى مثل تفجير انتحاري أو غارة إسرائيلية، اختيارا ذكيا لأنه حادث لم يتم التخطيط له فيتم لوم من خطط له وإنما حادث مروري أدى إلى نتائج كارثية بسبب طبيعة نظام الفصل العنصري وعدم المساواة التي يعانيها الفلسطيني في كل يوم تحت الاحتلال.
فالطريق الذي وقع عليه الحادث كان مهملا بدون صيانة لأنه يقع في المنطقة C التي تديرها إسرائيل وتشمل أكثر من ٧٠٪ من مساحة الضفة الغربية حسب اتفاق أوسلو. وبينما تقوم إسرائيل بتوفير كافة الخدمات للمستوطنات المنتشرة داخل تلك المنطقة فإنها تهمل تماما القرى والبلدات الفلسطينية المجاورة لتلك المستوطنات. أما السلطة الفلسطينية في رام الله القريبة من منطقة الحادث فإنها لا تستطيع تقديم الخدمات في المنطقة الخاضعة للإدارة الإسرائيلية. حتى أنها لا تستطيع أن ترسل سيارة إسعاف لإنقاذ المصابين أو سيارة إطفاء للتعامل مع الأتوبيس المحترق.
ولولا الحائط الذي أقامته إسرائيل حول البلدات العربية ليفصل بينها وبين المستوطنات المقامة على أراض لفلسطينيين استولت عليها، لما اضطر سائق الأتوبيس لأن يأخذ الطريق الطويل المتعرج ليصل إلى المكان الذي كان على بعد دقائق قليلة من حضانة الأطفال لو أنه سار على الطريق المخصصة للمستوطنين.
وقد وقعت الحادثة على مرأى من الجنود الواقفين في أحد نقاط التفتيش إلا أنهم لم يتحركوا لإنقاذ الأطفال، ولم يسمحوا لسيارات الإسعاف التي بعثتها المستشفى الإسرائيلية بعد اتصال من إدارة الإسعاف في رام الله بالوصول لمكان الحادثة، فاضطر المسعفون الإسرائيليون إلى ترك سياراتهم عند نقطة التفتيش والترجل إلى حيث كان الأتوبيس المحترق.
وعندما تم نقل الأطفال إلى مستشفيات في القدس لم يستطع عابد سلامة والد الطفل ميلاد الوصول إلى المستشفى ليشاهد ابنه، لأنه لم يكن يحمل البطاقة الزرقاء التي يستطيع حاملها الوصول إلى الجانب الآخر من الحائط.
من خلال الكتاب نتعرف على شخصيات فلسطينية وإسرائيلية عديدة. ولأنها شخصيات طبيعية فقد اختلط في كل منها السيء والجيد. كما نتعرف إلى التنافس بين العائلات الفلسطينية وكذلك العلاقات المضطربة بين السكان العرب الأصليين في مدن الضفة الغربية من ناحية والفلسطينيين اللاجئين الذين انتقلوا إليها من داخل ما يعرف بالخط الأخضر.
ومن على الناحية الأخرى من الحائط وداخل المستوطنات نتعرف إلى عنصرية اليهود ذوي الأصول الأوروبية ضد اليهود القادمين من بلاد عربية كالمغرب.
نتعرف أيضا على الصراع بين الفصائل الفلسطينية المختلفة مثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي كان ينتمي إليها عابد سلامة وفتح، وكيف فقدت السلطة الفلسطينية احترام الفلسطينيين بعد أن تحولت إلى جهاز أمن تابع للشاباك يساهم في قهر الفلسطينيين ومنع أنشطتهم المقاومة للاحتلال بينما لا تستطيع أن ترسل سيارة شرطة للقبض على قاتل أو سارق في المنطقة C الواقعة تحت الإدارة الإسرائيلية.
الكتاب مليء بتفاصيل إنسانية تكشف لك طبيعة المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني والعلاقة المعقدة بينهما وأن أيا منهما ليست كتلة صماء من الملائكة أو من الشياطين.
الكتاب تم تصنيفه كأحسن كتاب سنة ٢٠٢٣ من أكثر من جهة، وأرشحه بشدة للقراءة كما أرشحه للترجمة من أجل أن يصل إلى القارئ العربي الذي رغم أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة إليه إلا أنه قد لا يدرك بشكل كاف الأبعاد الإنسانية لتلك القضية.
يمكنك أن تشاهد فيديو للكاتب وعابد سلامة مع ايمي جودمان على قناة Democracy Now على هذا اللينك:
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد