2 الاشتباك مع الظاهرة الدينية … بقلم: د. قاسم المحبشي
يمكننا تعريف الدين بأنه تلك المؤسسة الاجتماعية التاريخية التقليدية الراسخة في حياة المجتمعات البشرية التي وفرت للفاعلين الاجتماعيين أطارا عاما للانتماء والتماهي مع مجتمعاتهم في صيغة تضامنية ميكانيكية ومنحتهم الشعور بذاتيتهم الجمعية، بوصفهم (نحن) متميزة في مقابل الآخرين، فضلا عن منحهم عقيدة عامة في تصوير وتعريف وتبرير وتفسير أنفسهم والله والآخرين والمجتمع والتاريخ والحياة والموت والخلود.
بقلم: د. قاسم المحبشي
أستاذ فلسفة التاريخ (اليمن)

تداعت ألأفكار إلى ذهني البارحة وأنا اتابع محاضرة فيلسوف الإسكندرية الصديق العزيز الدكتور، أشرف منصور وعرضه الرائع لمشروع المستشار عبدالجواد ياسين في الندوة الثامنة المكرسة للاحتفاء بسبعينية المستشار في أكاديمية حول فكر عبد الجواد ياسين.
إذ أعادتني تلك الندوة الراقية إلى زمن مضى؛ زمني الاشتباك الوجودي مع الظاهرة الدينية إذ تعود علاقتي الأكاديمية بفلسفة الدين إلى مرحلة الدراسة العليا الماجستير والدكتوراه. في الماجستير درست الفلسفة الوجودية وتعرفت على اتجاهات الفكر الغربي المعاصر في مقاربة الدين والإنسان والعالم وفي الدكتوراه بجامعة بغداد كتبت أول دراسة بحثية في فلسفة الدين بإشراف الدكتور مجيد مخلف طراد الديلمي، استاذ فلسفة الدين. كانت دراستي في نقد التصور الماركسي المدرسي للدين وما صاحبه من سوء فهم. وقد سنحت لي الفرصة بتدريس مادة فلسفة الدين لطلبة الدراسات العليا في الجامعة على مدى عامين فقط.
قرأت الكثير من الكتب وفهمت ما تيسر منها وكدت انساها لولا تلك الدعوة الكريمة التي ذكرتني بها. فما هو الدين؟ وما هي فلسفته؟ وكيف يمكن لنا فهمه وما هي وظيفته الاجتماعية؟
جاء في لسان العرب لابن منظور ” لدين مفردة جمعها أديان يقال دان بكذا ديانة وتدين به فهو دين، ومتدين، وأدانه ديناً أي أذله أو أستعبده” ولا يوجد اتفاق بين الدارسين بشأن معنى محدد للدين, بل أنهم ينظرون إلى الظاهرة الدينية من منظورات مختلفة، ومداخل متعددة, فمنهم من يهتم بالصيغة المعنوية في الدين “إن الدين هو الإيمان بكائنات روحية” حسب تايلر.
ومنهم من يلح على الوظيفية العلائقية فيه، كما ورد في معجم أكسفورد في تعريف الدين بأنه “اعتراف الإنسان بقوة عليا غير منظورة تتحكم في مصيره ولها عليه حق الطاعة والتبجيل والعبادة، والعنصر الجوهري في الدين التسلطي هو الاستسلام لقوة تعلو على الإنسان، والفضيلة الأساسية في هذا النمط من الدين هو الطاعة والخطيئة الكبرى هي العصيان، وكما يتصور الإله على أنه شامل القدرة محيط علماً بكل شيء فكذلك يتصور الإنسان على أنه عاجزاً تافه الشأن”
ويركز فريق ثالث على البعد الإيديولوجي أمثال، امانوائيل كانط في تعريف الاعتقاد “بأنه النظر إلى شيء ما على أنه حقيقة” وأريك فروم الذي قال: “إنني أفهم بالدين بأنه أي مذهب للفكر والعمل تشترك فيه جماعة ما يمنحها إطاراً للتوجيه وموضوعاً للعبادة”

وفريق رابع يعرف الدين من منظور سوسيولوجي اقتصادي، كما فعل كارل ماركس في (الايدولوجيا الألمانية) أو ماكس فيبر في كتابه (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية عام 1904) وأن كان بصيغة متناقضة مع صيغة ماركس الشهيرة ” الدين هو زفرة المخلوق المعذب، وروح عالم بلا قلب كما أنه فكر عالم يفتقر الى الفكر، إنه أفيون الشعوب ”
ويذهب دور كهايم في كتابه ( الأشكال الأولية للحياة الدينية) 1912م إلى تعريف الدين ب “مجموعة من المعتقدات والشعائر أوالعادات التي يوجد بينها علاقات متبادلة، مرتبطة بأشياء مقدسة”.
ويمكننا تعريف الدين بأنه تلك المؤسسة الاجتماعية التاريخية التقليدية الراسخة في حياة المجتمعات البشرية التي وفرت للفاعلين الاجتماعيين أطارا عاما للانتماء والتماهي مع مجتمعاتهم في صيغة تضامنية ميكانيكية ومنحتهم الشعور بذاتيتهم الجمعية، بوصفهم (نحن) متميزة في مقابل الآخرين، فضلا عن منحهم عقيدة عامة في تصوير وتعريف وتبرير وتفسير أنفسهم والله والآخرين والمجتمع والتاريخ والحياة والموت والخلود.
وعليه نخلص إلى أن الإنسان هو كائن ديني وأن الإيمان هو جزء جوهري فيه، فلا وجود لإنسان بغير حاجة دينية، بيد أن هذا القول لا يخبرنا بشيء عن سياق خاص تتجلى فيه هذه الحاجة الدينية، فقد يعبد الإنسان الحيوانات أو الأشجار أو الأصنام من الحجر والتمر المعدن أو أو إلهاً غير منظوراً أو ارواح الموتى أو أشخاص لهم تاثير عليه أو قبيلة أو فكرة أو طائفة أو حزب، أو المال أو النجاح وقد يؤدي به دينه الى تطوير روح الدمار أو الحب..الخ. فالدين هو إشباع لذلك الجزء الإنساني المتعطش دائماً للإشباع الروحي.
إذ إن في الوجود جانباً باطناً لا مرئياً خفياً، وأن معرفته لا تتم بالطرق المنطقية – العقلانية وأن الإنسان كائن ناقص الوجود والمعرفة، وإن الطرق إليه خاصة وشخصية وفريدة وحميمة وهذا ما يفسر تماثل وتناغم جميع الاتجاهات التي تحاول الوصول إليه واستشرافه, فالتجارب الكبرى في معرفة ذلك الجانب الخفي من الوجود تتلاقى بشكل أو بآخر فيما وراء اللغات وفيما وراء العصور وفيما وراء الثقافات.
والتصوف هو خير شاهد على ما نقول. كتب الدكتور عبدالسلام الربيدي ” التصوف نزوع إلى التحرر والانعتاق وميل مُلحّ إلى تجاوز حدود الضروري اليومي المادي. هو تجربة تختزن إحساس الإنسان بوجود المستور الذي يكاد يغطي الوجود كله رغم انكشافات الوجود الظاهرة. وعلى الرغم من انطواء الفكرة الدينية بعامتها على هذا الإحساس، فإنَّ شعور المتصوف به شديد إلى حد الهوس الدائم الذي قد يتجلى في صورة أحلام ورؤى، أو في صورة شعور بحدوث خوارق، أو في شكل وجْد يأخذ المتصوف عمن حوله، أو في صورة جنون وجذب وهيام وشوق عارم للموت، أو في صورة حب وحنين يكادان يكونان فناء مطلقا.
إن هذه الحساسية المفرطة بالمستور وبكثافة الحجاب هي واحدة من أهم ميزات تراث الصوفية في تاريخ الإسلام. وهي سمة تعكس العاطفة المميزة للشخصيات الصوفية التي حملت على كاهلها مهمة البحث المضني” ( عبدالسلام الربيدي، التصوف الشطح باتجاه الوصول، موقع طواسين). كما هو واضح من التعريف آنفًا بأننا ازاء ظاهرة شديدة التعقيد والتداخل فكيف يمكننا مقاربة الظاهرة الدينية فلسفيا.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد