3 في الزمان والخوف والأساطير…. بقلم: د. قاسم المحبشي
نميز بين التاريخ من حيث هو مجمل رد فعل الانسان ومجمل تطوره وتكيفه التاريخ من حيث هو نشاط الانسان الساعي لحل مشكلاته وتحقيق اهدافه العملية، ووعي الانسان لهذا النشاط عامة
بقلم: د. قاسم المحبشي
أستاذ فلسفة التاريخ (اليمن)

الموجودات في هذا العالم كثيرة ومتنوعة جدا من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة؛ جمادات، نباتات، حيوانات، وأشياء من مختلف الإشكال والأحجام والأجسام والأنواع والأصناف جميعها موجودة ومحسوسة وملموسة منذ الابد قبل وجود الأنسان تحيط به من كل الجهات وقد عاش الإنسان ملايين السنيين مندمجا في الطبيعة في سياق حيوي سحري اسطوري لا يفرق بين الذات والأشياء والفكر والواقع ومنح للظواهر الطبيعية اسماءها الاسطورية.
فلقد تصور الأولون المطر إله يصب الماء من إناء بالسماء والريح له إله ينفخها بمراوح والشمس إله لأنها تضيء الدنيا ويشعل النيران والأرض إلهة والموت إلة والجمال إلة والخير إله والشر إله ..الخ.
ويمكن تصنيف الأساطير في مجموعتين هما: أساطير الخلق والتكوين وأساطير التبرير والتعليل .
تحاول أساطير الخلق أن تفسر أصل الكون وخلق البشر وظهور الآلهة.
أما الأساطير التعليلية فإنها تهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية. وقد كان لكل شعب من الشعوب اساطيره المحلية التي تمنحه الإيمان والمعنى.
إذ تتعلق معظم الأساطير القديمة بكائنات مقدسة هي الآلهة. وهذه الآلهة تتمتع عند المعتقدين بها بقوى خارقة للطبيعة تفوق إلى حد كبير قوة البشر. ولكن على الرغم من القوى الخارقة المنسوبة إليها، فإن كثيرًا من الآلهة من الجنسين وكذلك كثيرًا من الأبطال الذين برزوا في الأساطير القديمة (الميثولوجيا) لهم خواصّ إنسانية. فهم ينساقون وراء العواطف كالحُبّ والحسد ويمرون بالتجارب الإنسانية، كالولادة والموت.
وهناك عدد من الكائنات الأسطورية تشبه البشر إلى حد بعيد. وفي كثير من الحالات فإن الصفات الإنسانية للآلهة تبرز المُثل السائدة في مجتمع ما. فالآلهة الطيبة ذكورًا وإناثًا تتمتع بصفات يُعجب بها المجتمع، بينما تتمتع الآلهة الشريرة بالصفات التي يمقتها ذلك المجتمع.

والانسان فضلا عن جميع ما يصدق عليه من التعريفات كائن تسويغي اعتباطي واعتباطي تسويغي. يعتبط الاراء والقواعد والانظمة والقوانين اعتباطا يوافق منافعه ويطابق أهواءه حسب ما يحميه ويؤمنه ويسوغه ويقويه ويجعل أمر التصديق بصحتها والأيمان بها والدفاع عنها فرضا واجبا مقدسا.
في العصور القديمة من صيرورة العملية التاريخية كانت خبرات الانسان العملية المباشرة مع البيئة التي كان يعيش وسطها، خبرات بسيطة وردود افعال حسية بدائية, فالخبرة اليومية بالولادة والحياة والموت، لا سيما سر الموت ورهبته، دفعته الى الاعتقاد في عالم سحري ملئ بالارواح وطقوس الموتى، كان الانسان مدمجاً بالطبيعة وكانت الاسطورة هي الافق الممكن للتفكير والمعرفة والحياة، “فالاسطورة كانت النظام الفكري المتكامل الذي استوعب قلق الانسان الوجودي، وتوقه الابدي للكشف عن الالغاز والغوامض والمشكلات التي يطرحها محيطه”.
ان جسد الانسان الحاس بالمحسوسات هو الوسط الحي الوحيد الذي يجعله على اتصال بالعالم، للحكم على الظواهر والاحداث وتفسيرها. ولم تكن الظواهر والاحداث التي كانت تسيطر على حياة الانسان البدائي الا احداث الطبيعة، المطر والجفاف والحر والبرد والفيضانات والبراكين والاوبئة والكوارث الاخرى.
إذّاك لم يكن الناس اصحاب عقلية تاريخية لان الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه، لا يحدثهم عن التاريخ ولكنه يحدثهم عن الطبيعة، وهذا ما تنبأ عنه اعيادهم الاحتفالية الموسمية.
فاعيادهم كانت اياما لم يسجلها التاريخ، بل هي ايام السنة الزراعية التي تتعاقب في كل عام وهذا يصدق على ما قاله المؤرخ الانجليزي (ادوار كار) “يبدأ التاريخ حين يبدا الناس في التفكير بانقضاء الزمن ليس بمعايير السياقات الطبيعية- دورة الفصول، وآماد الحياة البشرية، وانما بوصفه سلسلة من الاحداث المحددة التي ينخرط الناس فيها ويؤثرون فيها بصورة واعية”.
او كما عبر ايكهارات “التاريخ هو انقطاع مع الطبيعة يحدث استيقاظ الوعي” وهذا ما يراه “اريك فروم” في كتابه “الخوف من الحرية” بقوله: (بدا التاريخ الاجتماعي للانسان ببزوغه من حالة التوحد مع العالم الطبيعي الى وعيه بنفسه كذاتية منفصلة عن الطبيعة والناس المحيطين به)
وهذا لا يعني ان الشعوب القديمة هي شعوب بلا تاريخ كما يحلو لبعض الباحثين الذين يصنفون تاريخ البشرية الى شعوب تاريخية وشعوب بلا تاريخ، وهذا ما اشار اليه ليفي شتراوس، في كتابه (الفكر البري) إذ اوضح “ان الفكر البري لا يخلو من أشكال المعرفة التاريخية التي تجد فيه جذورها، كما ان فكرنا منطقي فالفكر المتوحش منطقي ايضا ويبدو ان مدار المعرفة البشرية برمتها مدار منغلق على ذاته”
نحن نميز بين التاريخ من حيث هو مجمل رد فعل الانسان ومجمل تطوره وتكيفه التاريخ من حيث هو نشاط الانسان الساعي لحل مشكلاته وتحقيق اهدافه العملية، ووعي الانسان لهذا النشاط عامة، فالعقل ظهر قبل الوعي، فالانسان القديم كان يصنع التاريخ ولكنه لم يكن يستطيع الانفصال عن هذا الذي يصنعه، كان الانسان مستغرقاً استغراقاً كلياً في تاريخه الطبيعي والاجتماعي، وعلى حد تعبير “بتر مونز”. “فان التاريخ كان مدمجاً بالاسطورة، لان رؤية ما حدت فعلاً لا يعرف الابأيراد وصف تعبيري لما حدث، فيصبح المؤرخ على نحو ما واضع اساطير طوعاً او كرها”.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد