4 الأساطير الإنسانية والدين والتاريخ … بقلم: د. قاسم المحبشي

 أكثر المجتمعات القديمة لم تكن لديها أية فكرة ولو غامضة عن الزمن تاريخاً، بل ولم يكن لديها أي مقتضى لاستخدام نوع الزمن المقسم على “ساعات بالصورة المطلقة الموحدة المطردة” الذي تاخذ به حضارتنا مأخذ التسليم البديهي.

بقلم: د. قاسم المحبشي

أستاذ فلسفة التاريخ (اليمن)

d8af.-d982d8a7d8b3d985-d8a7d984d985d8add8a8d8b4d98a 4 الأساطير الإنسانية والدين والتاريخ ... بقلم: د. قاسم المحبشي

لقد زخرت الذاكرة البشرية بعدد واسع من الاساطير، كاسطورة جلجامش، واسطورة الخلق والتكوين والطوفان ويعد هذا الضرب من التدوين التاريخي شبيه التاريخ الذي لا يسجل ما حدث فعلاً بل ما حسه الناس واحبه أو اعتقدوا في اوقات مختلفة بانه قد حدث ويرى علي حسين الجابري “ان الاسلاف قبل خمسة الاف سنة قد تمكنوا من دخول مرحلة العصور التاريخية حينما اكتشفوا الكتابة والتدوين التاريخي، متجاوزين اثار الكوارث والمصاعب الطبيعة ومقدمتها الطوفان حتى بدا لنا كان المعنى الباكر للتاريخ هو الشاهد المدون”. 

لكن تفسير وتعليل الاحداث ظل مشوبا بالخيال السحري والتأمل الأسطوري ولقد ظل التاريخ والزمن في الفكر القديم يلفح بالاسطورة وكان الزمان لدى القدماء هو ما يحدث عندما تنضج الثمار أو تكبر الماشية”.

ففي المجتمعات القبلية التي كانت معنية في المقام الاول بالصراع من اجل الظفر برزقها من الطبيعة كان الميزان والايقاع والمقياس لحياتها ميزاناً انسانياً، وتحدد معاني الزمان اساساً حسب حاجات الانسان الحيوية ويرى شبنجلر ان كلمة “الزمان لا معنى لها عند الرجل الفطري، فهو يحيا دون ان يكون في حاجة الى ادراك الزمان، لان كل ادراك انما ينشأ عن الشعور بالحاجة الى المعارضة، بين شي بشي، ومثل هذا الشعور لا مجال لوجوده عند الفطري، لانه لا يزال يتصور الوجود على انه تاريخ ولم يتصوره بعد بعده طبيعة. ولكن ليس معنى هذا ان الفطري ليس له زمان، كلا، انه له زمان ولكن ليس لديه شعور بهذا الزمان.

78-minimalist-tattoos-that-will-inspire-you-to-get-inked 4 الأساطير الإنسانية والدين والتاريخ ... بقلم: د. قاسم المحبشي

وهكذا فان أكثر المجتمعات القديمة لم تكن لديها أية فكرة ولو غامضة عن الزمن تاريخاً، بل ولم يكن لديها أي مقتضى لاستخدام نوع الزمن المقسم على “ساعات بالصورة المطلقة الموحدة المطردة” الذي تاخذ به حضارتنا مأخذ التسليم البديهي, وخلاصة القول ان الزمان كما تصورته معظم مجتمعات العالم يتصف بخاصيتين:

1- انه كان مقياسا لتعاقب المواسم الزراعية، وأماد الحياة (الميلاد والحياة والموت) استناداً الى المعيار الانساني، ومن ثم كان شعبياً شخصياً ذاتياً.

2- الزمان بوصفه تجربة متميزة في جوهره بالتواتر والتكرار فهو ينطوي على ادوار متعاقبة للاحداث الميلاد والموت والنمو والانحلال بحيث يعكس دورات الشمس والقمر والفصول والوقت المناسب لاداء الاشياء ياتي مرة تلو الاخرى في مدد منتظمة.

لقد تبلورت هذه الخبرات في الاساطير والديانات القديمة في تصور دوري للتاريخ الكوني بأنه محكوم بثلاث حلقات هي “الميلاد والحياة والموت” وهذا ما عبرت عنه ملحمة “اله الطاعون” ايرا بكونها أقدم نص “في فلسفة التاريخ” فالتاريخ عنده يتجسد في نهضه تتبعها مرحلة أنحطاط وسقوط حضاري واضطراب في المعايير والتحلل اجتماعي وغزو اجنبي تليها مرحلة نهوض جديدة وتسقط فيها عوامل التخلف، وتعود الحياة في دورة جديدة”.

ويشير البان ويدجيري الى ما تضمنته التأملات الصينية عن الزمان والتاريخ في مفهومي اليان واليانج، الحركة والسكون. ان البحث عن شي يتصف بالدوام، هو من اعمق الغرائز التي تؤدي بالانسان الى الدين والفلسفة، ولا شك انه مشتق من حب الانسان داره ورغبته في مأوى يسكن اليه من الخطر والجوع والتشرد، والضعف والعجز والموت. قال تعالى (فليعبدوا رب هذا البيت % الذي اطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفاً) وأول المدنية كهف او مغارة او موطئ قدم يحتله الانسان ويجد فيه اسباب العافية والامن والامان فيدافع عنه وطناً في العراء قبل اللجوء الى الكهوف والمغارات، واول الحضارة هو الاحساس بالخوف من العجز والوحدة. كل هذه الاحساسات التي تنتاب الانسان في جميع الازمنة وفي كل مكان وفي جميع العصور هي فطرة وغزيرة وطبع دفعه للبحث عن حلول عملية لها.

محاضرة د. المحبشي

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات