5 البحث عن الدائم الثابت… بقلم: د. قاسم المحبشي

قاسم المحبشي

بقلم: د. قاسم المحبشي

أستاذ فلسفة التاريخ (اليمن)

d8af.-d982d8a7d8b3d985-d8a7d984d985d8add8a8d8b4d98a 5 البحث عن الدائم الثابت... بقلم: د. قاسم المحبشي

ان البحث عن القوي الدائم الثابت الازلي، البحث عن المعنى حيث لا معنى، البحث عن النظام فيما وراء الفوضى، البحث عن الواحد فيما وراء الكثير، البحث عن الابدي خلف الزمني، البحث عن الخلود فيما وراء الموت والفناء، البحث عن الحاضر فيما وراء الزائل هي من أقوى الدوافع في ذات الانسان، بل ان الظروف الفسيولوجية والحاجة الى الحفاظ على الذات ليست هي الجانب الوحيد في طبيعة الانسان، بل هناك جانب آخر ضاغط بالمثل وهو جانب ليس قائماً في العمليات الجسمانية بل هو قائم في صميم الحالة الانسانية وممارسة الحياة الا وهو الحاجة الى التعلق بالعالم خارج النفس الفردية الحاجة الى تجنب الوحدة، “ان الشعور بالوحدة والعزلة تماما يفضي الى الموت.
حتى روبنسون كروزو المنفرد كان يصحبه “فرايداي” بدونه كان من المحتمل أن يموت” ان إحساس الانسان بتفاهته وضآلته مقارنة مع بالكون والاخرين يشعره بحاجة الى التوحد بالكون والمجتمع، وما لم يحدث التعلق، ما لم يكن لحياته معنى ما واتجاه ما، فانه يشعر بانه شبيه بهبوة التراب وتقهره تفاهته الفردية وضعفه وعجزه ومحدوديته،
لقد دفع الانسان خوفه الشديد من التغير والزمان الى البحث عن الله الواحد الاحد القوي الثابت، قال تعالى: «فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين﴿76﴾ فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من الضالين﴿77﴾ فلما رأى الشمس بازعة قال هذا ربي هذا اكبر، فلما أفلت قال يا قوم اني برئ مما تشركون﴿78﴾ اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض، حنيفا وما أنا من المشركين».
يقول كولن ويلسون: «والحق ان الدين نفسه استجابة للغز الزمان الاساسي. افتقار الإنسان إلى الأمن حين يحيا في الحاضر. واعياً بابعاد الماضي والحاضر التي تسحقه في كون لا يمتلك سلطاناً مباشراً عليه والمحاط بخطر الموت والفناء الظاهري. “والحل الذي تقدمه معظم الاديان هو تأكيد على نمط للوجود يتحقق بالخلود والتعالي والابدية، بغير بداية ولا نهاية مبرءاً من الاخطاء ومنزهاً من التغير فالدين يعمد الى ادماج الحاضر الأرضي والطبيعي والإنساني في الماضي والمستقبل”.

وقد كان الخوف أساس الطوطمة، فتطور حتى أصبح حبا فشعائر وعادة للأسلاف وقد كانت العبقرية اليونانية في تفسيرها للتاريخ والزمان تنطلق من التجربة الإنسانية في التغيرات الجسدية.. من الميلاد والطفولة إلى النضج و الانهيار الحتمي للقدرات الجسمية والعضلية في الهرم.فالزمن عندهم هو التغيير، ما كنا عليه وما نحن عليه الان سوف ينتهي، سواء كان جيداً او سيئاً او وسطاً بينهما.
وتعد ملحمة جلجامش الرافدية، أهم وأكمل عمل إبداعي أسطوري شعري، كتبت سطوره منذ العهد السومري في المرحلة الواقعة بين (2750و2350) قبل الميلاد عن الملك جلجامش الذي عاش في مدينة أوروك «الوركاء» الواقعة في وادي الرافدين على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وقد تشكلت حول شخصه باقة من الحكايات الأسطورية والبطولية، التي تسرد أخبار أعماله الخارقة، وسعيه المستميت إلى معرفة سر الحياة الخالدة.
إلى أين أنت ذاهب يا جلجامش؟
إن الحياة التي تبتغيها سوف لا تجدها
عندما خلقت الآلهة البشر، فرضت عليهم
الموت واحتفظت لنفسها بالخلود
وهكذا سواء آخذنا بالوحي الإلهي والتنزيل الحكيم أو التفسير الاختباري العلمي؛ يظل الإنسان هو المعني بالعقل والتعقل والتفكير والتأمل فهو من علمه الله الأسماء كلها وجعله خليفته في الأرض.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات