مصحف القاهرة 1952.. تاريخ المصحف الحالي.. جمال عمر.. إعداد: سماء معاوية
تأتي هذه السلسلة من المقالات ضمن مشروع كتاب عن تاريخ المصحف الحالي للمفكر جمال عمر، كان البحث مجموع في صورة مرئية أو مجموعة فيديوهات على الإنترنت فعملتُ على تحريره وتحويله من صيغته الشفاهية إلى مكتوب، ليتنسى للقارئ الاطلاع عليه والاستفادة منه وإضافة لحقل الدراسات القرآنية باللغة العربية، نشرنا مقالتين، كانت الأولى بعنوان إشكالية تاريخ المصحف، و تناولت المقالة الثانية مصحف المدنية المنورة، وهذه هي المقالة الثالثة تتناول مصحف القاهرة 1952.……………………………….سماء معاوية
جمال عمر

كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية
تأسست كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قبل طبع المصحف بعقد من الزمان، وأنشئ قسم للقراءات بهذه الكلية على يد الشيخ عبد الفتاح عبد الغني القاضي (1907 – 1982)، حيث تعاقدت معه كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة عام 1974 وكان قد خرج على المعاش من الإشراف على معهد القراءات بجامعة الأزهر، فتعاقدت معه جامعة المدينة المنورة على أن يتولى إنشاء قسم القراءات بها. وبالفعل قام بهذا العمل حتى وفاته عام 1982.

الشيخ عبد الفتاح القاضي وتأسيس قسم القراءات بكلية القرآن الكريم
ولد الشيخ عبد الفتاح القاضي بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة بمصر وتخصص الشيخ القاضي في القراءات عام 1935 وأجيز فيها عام 1935، وتولى الإشراف على معهد القراءات حين أنشئ، ثم تولى رئاسته، وحين أنشئت لجنة حكومية رسمية للمصاحف لكي تراجع المصاحف في مصر عام 1950، كان فيها عضوًا مساعدًا لشيخ المقارئ المصرية محمد علي الضباع، وكان ضمن اللجنة التي تشكلت لمراجعة المصحف القديم لعمل طبعة جديدة منه باقتراح من دار الكتب المصرية، ليخرج المصحف عام 1952. وكان عضوًا ثم رئيسا للجنة اختيار القراء للقرآن باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري. ثم رأس القاضي لجنة مراجعة وتصحيح المصاحف عام 1961.
لما تعاقدت معه كلية القرآن الكريم، استدعى الشيخ القاضي خلال سنوات تشكيله للقسم متخصصين في القراءات من زملاء وتلاميذ سابقين معه في معهد القاهرة منذ منتصف السبعينات، وتتلمذ على يديه مجموعة من الطلبة السعوديين وأجازهم بالقراءات المختلفة، من بينهم رئيس لجنة مصحف مجمع الملك فهد الأول ونائبه. ليقوم رئيس اللجنة عبد الفتاح قارئ وتلاميذ الشيخ بجمع أعماله الكاملة في عدة مجلدات تشمل الكتب والمقالات، هذا بخلاف الدراسات والرسائل بالكلية التي توثق جهود عبد الفتاح القاضي.
فمن معهد القراءات بالأزهر الذي أشرف عليه الشيخ عبد الفتاح القاضي، ومن لجنة مراجعة المصاحف الرسمية بمصر، ومن قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالمدينة الذي أشرف عليه عبد الفتاح القاضي أيضًا، كانت مكونات وعناصر اللجنة العلمية التي راجعت وصححت مصحف مجمع الملك فهد بطبعته الأولى. وإن كان الشيخ القاضي قد توفي في العام الذي تم فيه تشكيل اللجنة وبدأ العمل في بناء المجمع، إلا أن فكره ورؤاه حول القراءات من خلال زملائه وتلاميذه شكلت في المصحف الذي بين أيدينا اليوم.

يعتبر الشيخ عبد الرافع رضوان واحد من الأساطين الذين أثروا بجهودهم في تشكيل المصحف الحالي، كان عبد الرافع رضوان عضوًا في اللجنة الأولى التي أجازت أول مصحف لمجمع الملك فهد وهو الوحيد الذي لم يزل حيًا وهو من تبقى من هذه اللجنة.
تعلم هو ومحمود سيبويه ومحمود جادو على يد الشيخ مصطفى العنوسي وتعلم الدرة على الشيخ أحمد الزيات ودرس في معهد القراءات من عام 1948 – 1956 ثم سافر للمملكة العربية السعودية عام 1975 وساهم بجهده في إنشاء قسم القراءات في كلية القرآن الكريم.

تخرج في كلية الطب جامعة عين شمس وسافر السعودية عام 1980 كطبيب ثم بدأ يدرس علوم القرآن حيث تعلم على الشيخ أحمد عيسى المعصراوي عام 1988 وهو من أهم من يعنى بمجال التحريرات داخل المملكة، وهو المتخصص في مجال التحريرات بالمجمع.

تخرج في كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية عام 1984، وقد تعلم حفص على الشيخ عبد الرحمن كساب عام 1983وقرأ على الشيخ أحمد فهمي عبد الصمد الدمياطي والشيخ عبد الرافع رضوان وهو من أهم رموز الإقراء في المملكة.
العلاقة بين مصحف القاهرة 1952ومصحف مجمع الملك فهد.
يعتبر مصحف مجمع الملك فهد امتدادًا لمصحف القاهرة 1952 مع إضافة بعض التغيرات الشكلية كفرق عدد الصفحات فتم طبع مصحف القاهرة في 827 صفحة، بينما مصحف مجمع الملك فهد تم طبعه في 604 صفحة. أي ما يقرب من عشرين صفحة لكل جزء من الأجزاء الثلاثين التي يُقسم إليها المصحف، وهذا يُسهل في عملية الحفظ. كما حرص مصحف المجمع على أن تنتهي كل صفحة بآية وتبدأ كل صفحة بآية. في مصحف القاهرة كان يذكر في بداية السورة رقم السورة في المصحف مع اسمها والمكي والمدني وعدد آيات السورة. في مصحف المجمع تم الاكتفاء بذكر اسم السورة فقط.


دار الكتب المصرية ومصحف القاهرة 1952
خرج مصحف القاهرة 1952 بمباردة من دار الكتب المصرية حيث تواصلت مع الأزهر لإعادة طبع المصحف، فتشكلت لجنة سنة 1950 وكانت أول لجنة رسمية تهتم بعملية إنتاج ومراجعة المصاحف، فحتى هذا التاريخ لم تكن عملية طباعة المصاحف وإنتاجها تتم إلا بجهود فردية وأهلية، طلبت دار الكتب المصرية أن يتم مراجعة نسخة مصحف القاهرة 1924 وإبداء الرأي فيها فتشكلت لجنة من كل من: الشيخ محمد علي الضباع وهو أستاذ في كلية اللغة العربية، بالإضافة للشيخ عبد الفتاح القاضي: مدير معهد القراءات، ومساعده عبد الحليم بسيوني، أضيف لهم اثنان من دار الكتب المصرية الشيخ أحمد عبد العليم البردوني وهو وكيل القسم الأدبي والشيخ إبراهيم أطفيش المصحح بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية.
ترأس الشيخ علي محمد الضباع (1889-1961) لجنة مراجعة المصحف. وقرأ الشيخ علي الضباع القراءات السبع على صهره الشيخ حسن يحيى الكتبي الذي تعلم على الشيخ المتولي، والشيخ المتولي هو اسم كبير في عالم القراءات أيام فترة محمد علي وإليه تعود معظم التحريرات. أيضًا من تلاميذ الشيخ المتولي القارئ الشامي المعروف عبد العزيز عيون السود الذي قرأ عليه أيمن سويد وأحمد عبد العزيز الزيات بالإضافة لإبراهيم شحاته السمنودي وأحمد حامد الريدي التيجي وهو مصري ارتحل وسافر الحجاز واستقر بها. ومن تلاميذ الشيخ الريدي والد الشيخ عبد الفتاح قارئ الذي رأس لجنة مجمع الملك فهد1.

لغوي ونحوي أزهري حصل على العالمية من الأزهر وهو أستاذ النحو وكان عضوًا في مجمع اللغة العربية سنة 1966.

العضو المهم في اللجنة هو إبراهيم أطفيش (1988-1965) وهو جزائري ارتحل من الجزائر إلى تونس ومنها إلى مصر وأصبح مصححًا في القسم الأدبي بدار الكتب المصرية وتوفي في مصر.
ينتسب إبراهيم أطفيش للمذهب الإباضي الذي ينسب لبعض فرق الخوارج وهو يختلف عن المذهب السني والشيعي لكن اللافت هنا هو أن ضم الشيخ أطفيش للجنة أتى في سياق محاولة جمع كلمة المسلمين بحيث يصبح مصحف القاهرة أشبه بمصحف توافقي من خلال تمثيل أكبر عدد من المذاهب، فمصحف القاهرة الذي يصدر برواية حفص عن عاصم يعود سند روايته إلى علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، التي هي قراءة أبي حنيفة النعمان وهو المذهب الذي تبنته الدولة العثمانية، فيجمع السنة والشيعة ويراجعه الشيخ أطفيش الذي ينتسب للمذهب الإباضي.
التعديلات التي أدخلتها اللجنة على مصحف القاهرة 1924.
شملت التعديلات التي أدخلتها اللجنة أربعة أنواع، منها الرسم والضبط والوقف وتراجم السور أي المعلومات التي توضع على كل سورة:
في كلمة (كلمت)2 تم التوافق على أن تعود مرة أخرى لتكتب بالتاء المبسوطة.
في كلمة (للطاغين)3 تم اعتمادها بدون الألف المدية وإضافة الألف الصغيرة عوضًا عنها.
في كلمة (قائم)4 تم اعتماد الهمزة تحت النبرة في محاولة للعودة للأصل.
تعتبر التعديلات هنا شكلية لكنها مؤثرة وتوكد أن ما يطرأ على المصحف من تغيير يتم باختيارات بشرية.
الوقف والوصل
غيرت لجنة 1952 أكثر من 800 موضع للوصل والوقف وهي أمور يتم التوافق عليها حسب ما يرى المُراجع المعنى وما يظهر عليه من كمال أو نقصان5.
ترجمات السور
اكتفت لجنة 1952 باسم السورة مع ذكر المكي والمدني، وعدد آياتها فقط، مع حذف الاستثناء من المكي والمدني، لأن هذا موضع خلاف.



طُبع هذا المصحف في إدارة أقسام الرسم والتصوير والطباعة بمصلحة المساحة لأن هيئة المساحة المصرية كانت تعنى بتصوير الخرائط فهذا المصحف يكتب باليد ويصور فلا بد أن تنسخ هذه الأجزاء في مصلحة المساحة ثم تؤخد لترتيبها وتجليدها في مطبعة دار الكتب المصرية، طبع المصحف سنة 1952 وهي الطبعة التي بنيت عليها كل الطبعات التي ظهرت بعد ذلك، في المقال التالي أستعرض معكم لجنة مصحف القاهرة 1924، وهو المصحف الأساس الذي بني عليه المصحف الحالي.
هوامش
- لما ارتحل الشيخ عبد الفتاح القاضي للسعودية وكان يتعلم على يديه الشيخ عبد الفتاح قارئ، فسأله القاضي إن كان قد التقى بالشيخ الضباع في حياته، فرد عليه الشيخ قارئ بالنفي، ليخبره القاضي بأن طريقة نطقه للحروف تشبه طريقة نطق الضباع رغم وفاة الأخير وقارئ رضيع، فأخبره قارئ بأنه تعلم على والده الذي تعلم على الشيخ الريدي التيجي الذي تعلم على يد الضباع، فانتقلت طريقة نطق الحروف للشيخ عبد الفتاح قارئ من والد قارئ عن الريدي التيجي عن الضباع.
↩︎ - وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)/الأعراف ↩︎
- لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22)/ النبأ ↩︎
- أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ۗ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد
[ سورة الرعد: 33] ↩︎ - كان الشيخ عبد الفتاح القاضي يرى أن تقسيم المصحف لأجزاء وأحزاب وأرباع ينبغي أن يكون وفقًا لاكتمال المعنى فطرح على شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج المسألة وأهمية فتح باب تغيير هذه التقسيمات، فرفض. ولما تولى الشيخ شلتوت المشيخة عرض عليه هو الآخر، فآثر الشيخ شلتوت أيضًا إبقاءه على ما كان عليه دون إضافة أو تغيير. ↩︎
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
4 comments