من أجل محمود في غزة..مصحف القاهرة 1924..جمال عمر.. إعداد: سماء معاوية
من أجل محمود في غزة، كان هذا عنوان محاضرة سجلها جمال عمر أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2021، كانت المحاضرة إهداء له لحرصه على الحضور وتقديرًا له، وتأكيدًا على استمرار الحياة ولو بين فلق الحجر، واليوم نعيد عرضها مكتوبة بعد أربعة أعوام من العدوان الإسرائيلي، ولاتزال غزة تقاوم عدوان غاشم، وتهجير قسري، وإبادة مستمرة.
تأتي هذه السلسلة من المقالات ضمن مشروع كتاب عن تاريخ المصحف الحالي للمفكر جمال عمر، كان البحث مجموع في صورة مرئية أو مجموعة فيديوهات على الإنترنت فعملتُ على تحريره وتحويله من صيغته الشفاهية إلى مكتوب، ليتنسى للقارئ الاطلاع عليه والاستفادة منه وإضافة لحقل الدراسات القرآنية باللغة العربية، نشرنا ثلاث مقالات، كان الأول بعنوان إشكالية تاريخ المصحف، وتناول المقال الثاني مصحف المدنية المنورة، والثالث مصحف القاهرة 1952 في مقال اليوم نستعرض تشكيل مصحف القاهرة 1924.……………………………….سماء معاوية
جمال عمر

مصحف الملك فؤاد/ القاهرة 1924
أشرنا تفصيلًا لمصحف المدينة وكيف اعتمد في تشكيله على مصحف القاهرة 1952، ثم تناولنا لجنة مصحف القاهرة 1952 وكيف اعتبر تطورًا لمصحف القاهرة 1924 واليوم نتناول تفصيلًا مصحف القاهرة 1924.
يطلق عليه مصحف القاهرة 1924 ويطلق عليه مصحف المساحة حيث تم تنسيقه والعمل على جمعه في مطابع هيئة المساحة، أو مصحف الملك فؤاد نسبة للملك فؤاد الذي صدر في عهده، أو المصحف الأميري لأنه صدر عن لجنة رسمية. ويعتبر مصحف القاهرة جمع جديد للقرآن بالطريقة الحديثة في القرن العشرين، سأشير في هذا المقال إلى اللجنة التي عملت على عمل المصحف والقواعد التي بنت على أساسها الاختيار، كيف سادت هذه الاختيارات وهمشت غيرها من اختيارات.

دور نظارة المعارف في طباعة مصحف القاهرة 1924
لما انتشرت المطابع الأهلية أصبحت عملية طبع المصحف ضرورة ملحة، فقد كان يتم تداول المصحف عبر التاريخ عن طريق النسخ، حتى أتى دور نظارة المعارف باقتراح طبع مصحف ليوزع على طلبة المدارس فاجتمعت لجنة برئاسة حفني ناصف بك (1955 – 1919)، كبير مفتشي اللغة العربية بنظارة المعارف، والشيخ محمد خلف الحسيني الحداد (1965 – 1939)، شيخ مشايخ المقارئ المصرية، والشيخ أحمد علي عمر الإسكندري (1875 – 1938)، والشيخ مصطفى عناني، وهم خريجي دار علوم ومدرسين بمدرسة المعلمين الناصرية العليا ومن معدي كتب المناهج بنظارة المعارف، والخطاط نصر العادلي رئيس المصححين بالمطبعة الأميرية، ليُكتب المصحف على الرسم العثماني بسلسلة سنده.
بدأ عمل هذه اللجنة سنة 1914 وانتهت عام 1918 وتوفي حفني ناصف بعدها بعام ومع إلغاء الخلافة وسعي العرب للقيام بدور الخليفة فعقدت مؤتمرات في مصر والحجاز وسعى الملك فؤاد هذا المسعى أيضًا فكانت محاولة طبع المصحف ملائمة لهذا السياق.
لجنة مصحف القاهرة 1924



تشكلت هذه اللجنة عام 1914 برئاسة حفني ناصف بك، وكان أكبرهم سنًا، وما له من تأثير على اللغة العربية الحديثة وقواعدها وكيفية تحويلها للغة تناسب المطبعة، ومن الشيخ محمد علي خلف الحسيني الحداد(1865– 1939) الذي كان شيخ المقارئ المصرية في هذا الوقت وهو الذي خط المصحف بخطه1. وعاونهم الشيخ مصطفى عناني وأحمد الإسكندري وهما مدرسان في مدرسة المعلمين الناصرية العليا حيث كان ثلاثتهم يتعاونون في كتابة كتب المناهج الدراسية لنظارة المعارف، سواء في اللغة العربية وقواعدها أو عن تاريخ الأدب العربي. هذه المجموعة اشتركت مع الأستاذ نصر العدلي رئيس المصححين بالمطابع الأميرية في عملية طباعة مصحف القاهرة 1924.

ولد حفني ناصف بك (1955–1919) بقرية بكرة الحج التابعه لشبين القناطر في ذلك الوقت وهو أكبر من الحداد بعشر سنوات، حاول الدراسة في الأزهر من سنة 1869 حتى عام 1879 لكن لم يحصل على شهادة العالمية فالتحق بمدرسة دار العلوم، التي كانت تحاول الحكومة من خلالها تخريج جيل من المعلمين للتدريس في المدارس الأميرية بحيث تجمع بين الأصالة والمعاصرة وتبتعد عن التعليم التقليدي ممثلًا في الأزهر.
لما التحق بدار العلوم كان محمد عبده يدرِّس فيها، فعينه محررًا بجريدة الوقائع المصرية التي كان محمد عبده يتولى تحريرها وكان حفني ناصف لا يزال طالبًا في دار العلوم، كان اهتمام حفني ناصف باللغة العربية والأدب العربي فكان يدرس التعبير واللغة العربية في مدرسة الحقوق الخديوية ثم اشتغل في القضاء حتى وصل لمنصب رئيس محكمة طنطا الكلية في ذلك الوقت.
تولى رئاسة الجامعة الأهلية بعد استقالة سعد زغلول ودرس فيها الأدب العربي، وعمل بنظارة المعارف واشتغل مفتشًا للغة العربية. ثم خرج على المعاش سنة 1914 ومع الكساد الاقتصادي الذي حصل أثناء الحرب العالمية ومحاولة الحكومة تقليل المصاريف الحكومية فخرج حفني ناصف وقد بلغ الستين، ولكن ظل يعمل على موضوع المصحف، فقد كان مع الشيخ أحمد السكندري، ومصطفى عناني ثلاثتهم يسكنون حلوان وكانوا يجتمعون للعمل على المصحف حتى تم الانتهاء منه عام 1918.
كان طه حسين من تلاميذ حفني ناصف وكتب فيه مقالًا يحكي عن صفاته، فيقول طه حسين عن أستاذه حفني ناصف: “كان ذكي القلب، خصب الذهن، نافذ البصيرة حاضر البديهة، سريع الخاطر، ذرب اللسان، وكان أسمع الناس طبعًا، وأرجحهم حلمًا، وأعذبهم روحًا، وأرقهم شمائل”.
جمع عصام الدين ابن حفني ناصف ديوان والده سنة 1875 وكتب مقدمة الديوان طه حسين بعد وفاته وفاءًا له.

ولد الشيخ محمد خلف الحسيني الحداد (1865–1939) بقرية بني حسين في أسيوط وحصل على العالمية عام 1898، تعلم القراءات على عمه حسن خلف الحسيني الحداد حيث كان يعلِّم القراءات في مسجد خوند بركة، تعلم عمه حسن القراءات على الشيخ المتولي. ومن تلاميذ الشيخ الحداد محمد علي الضباع الذي كان يرأس لجنة مصحف 1952 وابنه أبو بكر.
كان الحداد مالكي المذهب وتولى مشيخة المالكية ثم تولى مشيخة الإقراء 1905، وتولى الحداد مقرأة مسجد السيدة زينب. حيث كانت المساجد الكبرى في مصر مثل الأزهر والسيدة زينب والسيدة نفيسة والشافعي تابعة للأوقاف ويتم اختيار شيخ من المقارئ ليصبح شيخ المقارئ في هذه المساجد، وهي عملية لها تاريخ طويل في مصر.

تكونت اللجنة من عضوين آخرين هما الشيخ أحمد الإسكندري (1875–1938) والشيخ مصطفى عناني، كانا مدرسين في مدرسة المعلمين الناصرية وكانا يعملان في نظارة المعارف على إنتاج كتب في اللغة العربية تابعة لنظارة المعارف مثل الوسيط في تاريخ الأدب العربي واشتركا مع حفني ناصف لعمل كتاب في قواعد اللغة العربية.
انضم لهذه اللجنة الأستاذ عدلي الذي يعمل مصححًا في المطابع الأميرية في إنتاج مصحف القاهرة 1924.
هناك مجموعة أخرى من الفنيين الذين عملوا على طبع المصحف في المطابع الأميرية؛ لكن أسماءهم غير معروفة وكثير منهم كانوا أجانب لاستحداث مسألة الطباعة في البلاد.
أورد عصام الدين حفني ناصف في مقال له في المقتطف في ديسمبر 1930 يشكو فيه الأوضاع التي حصلت والإهمال الذي لحق أباه من الوزارة2 وكيف رفض حفني ناصف مغريات كثيرة، ورغم ذلك كان حريصًا علي إتمام مشروع المصحف.
يشير عصام الدين لبداية التفكير في مسألة طبع المصحف، وأن الخديوي عباس حلمي كان يحاول القراءة في المصحف لكنه لم يستطع، فعرض على حفني ناصف عمل مصحف، على أن يُكتب بطريقة الكتابة القياسية العربية، وأيده البعض ليسهل على الناس القراءة والاطلاع المباشر، أما حفني ناصف فكان ضد هذه الدعوات3.



بعض الروايات تشير إلى أن حفني ناصف كتب كتاب من حوالي أربعمائة صفحة عن المصحف لكنه لم ينشر ولم نجد له أي أثر في أي مكان.
حفني ناصف واختيار العودة للأصل
في مقالة وردت بمجلة المقتطف في يوليو 1933 نُشرت فيها مقدمة الكتاب، وفيها يسرد حفني ناصف طريقة جمع المصحف قديمًا أيام أبو بكر وعمر والقواعد التي اعتمد عليها، ثم يبرر في الختام أهمية ضرورة بقاء كتابة المصحف على طريقة الرسم العثماني، فيقول: من هذا يعلم أن المحافظة على رسوم طريقة المصاحف العثماني هو أمر واجب لمعرفة القراءة المقبولة والمردودة والرسوم هنا طريقة الكتابة لأنه مكتوب بطريقة مخصوصة – وان هذه الرسوم صارت أصلا من أصول القراءة ودعامة من دعائم الدين الإسلامي وفي هذه المحافظة أيضًا احتياط شديد لبقاء القرآن على أصله لفظًا وكتابة فلا يفتح فيه باب الاستحسان لأنه إذا فتح الاستحسان في الرسم لو قلنا كلمة كتاب بدل الألف الصغيرة نحط ألف عادية هنا لو غيرنا في الرسم فقد لا يلبث أن يفتح في اللفظ ويتطرق إليه التغيير والتبديل فسدوا هذا الباب بإبقاء كل شيء على أصله حتى ما هو مخالف لمألوف الرسم المعتاد.
وهو نوع من القلق والخوف من أن يتم تغيير القرآن وتحريفه، فجهود اللجنة كانت تحفظية فعملوا بالأحوط بترك الكتابة على الطريقة القديمة، وأرفقت اللجنة تقريرًا فيه تفصيل لاختياراتها، أعرضه معكم المقال القادم، لنتبين معًا هذه الاختيارات التي قامت بها اللجنة ونتعلم طريقة للبحث والنبش والحفر والتفكير وراء ما نشاهده الآن.
هوامش المقال
- لايزال هناك غموض حول طريقة الكتابة وصهر الأحرف لتناسب عملية الطبع في هذا الوقت ↩︎
- يشير عصام بمرارة للإهمال الذي لحق والده من الوزارة وعدم التقدير المادي، فكل المبلغ الذي حصل عليه حفني ناصف كمقابل للعمل على مشروع المصحف كان 100 جنيه أي بما يعادل 130 قرش كل شهر خلال ست سنوات عمل على مشروع مصحف الملك فؤاد 1924. ↩︎
- نشرت مجلة الهلال عددًا عن القرآن في بداية سنة 1870 وطرح الموضوع مرة أخرى في الثلاثينات والخمسينات من القرن العشرين. ↩︎
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
2 comments