مائة عام على “الإسلام وأصول الحكم” في أكاديمية تفكير
بقلم: عمرو عبد الرحمن

تحتفل أكاديمية تفكير بمرور مائة عام على نشر كتاب “الإسلام وأصول الحكم” لكاتبه الشيخ الأزهري علي عبدالرازق، عبر تنظيم موسم من الندوات والمحاضرات للحديث عن الكتاب وما يثيره من نقاشات حول مفهوم الخلافة والسلطة في الإسلام.
صدر الكتاب في ظرف تاريخي بالغ الدقة، فقد تم إسدال الستار على مؤسسة الخلافة في تركيا، ووجد كثير من الناس أنفسهم عراةً في مواجهة مخاطر التغريب المُحدقة بهم من كل اتجاه.
كانت الخلافة في نظرهم القشة الأخيرة التي يمكنهم التعلق بها من أجل التصدي للحداثة الأوروبية وتغريب المجتمعات الإسلامية، رغم أن التاريخ يشهد بأن مؤسسة الخلافة تلك كانت صورية ضعيفة في أغلب فترات التاريخ، عاجزة عن التصدي لجيوش الاحتلال خاصةً في مصر حيث تم إصدار الكتاب.
يسوق علي عبدالرازق الأدلة للتأسيس لفكرته، أن الخلافة ليست مؤسسة دينية بل سياسية، وأنها لم تتأسس على إجماع المسلمين بل على مبدأ القوة لإخضاع المخالفين، وأن السكوت لا يعد حجة للإجماع بل حجة لانتصار القوة والعنف.
يبدأ الكاتب من عصر النبوة بالتأكيد على أن محمًدا لم يكن ملكًا بل نبيًا رسولًا. وأن تأسيس الدولة كان بناء على مقتضيات الواقع والسياسة. وبناءًا عليه لم يكن نظام الحكم بعده نظامًا أنشأه الدين ليتم اعتباره جزءًا لا ينفصل عنه، بل كان نظامًا سياسيًا قابلًا للتجديد والتغيير حسب مقتضيات الواقع.
وفي ذلك يلفت عبدالرازق النظر إلى غياب علوم السياسة عن مجموع العلوم التي اهتم بها المسلمون. وسبب ذلك هو أن السلطة كانت تؤخَذ بالقوة، فكيف كان يمكن للحكام أن يدعموا ظهور علم السياسة وهو المعني بأصول تداول السلطة ونقد أصحابها؟
كان الأسهل هو أن تكون كل معارضة هي معارضة دينية لا سياسية، وبالتالي يكون يسيرًا على الحاكم وأدها بداعي حماية الدين، خصوصًا في ظل تحالف مستمر بين السلطة السياسية والسلطة الدينية أشار له المستشار عبدالجواد ياسين في كتابه “السلطة في الإسلام” بتأسيسه لمفهوم “إسلام التاريخ” الذي قام بالتأصيل لنظرية الخلافة في مواجهة نظرية الإمامة عند الشيعة. النظرية التي أصبحت مؤبدة عاجزة عن التعاطي مع مستجدات الواقع السياسي للمسلمين.
في النهاية تمت محاكمة علي عبدالرازق وفصله من منصبه كقاضٍ شرعي وإخراجه من مؤسسة الأزهر في محاكمة صورية أدارها الملك فؤاد بنفسه حيث كان يسعى لملء فراغ الخليفة، ولم يكن راغبًا في التخلي عن سيطرته التي تمنحها له السلطة الدينية.
صدر الكتاب لأول مرة عام ١٩٢٥، ثم صدرت بعدها أكثر من ثلاثين طبعة للكتاب، قدّم لها العديد من الباحثين أمثال محمد عمارة ونصر حامد أبوزيد و وجابر عصفور. طبعات لم تخل من بعض التجاوزات في حق النص. تجاوزات تناولها د. حسام أحمد عبدالظاهر الباحث في التراث في دراسته “الإسلام وأصول الحكم بين المطبوع والمخطوط”.
وأثار من المعارك السياسية والنقدية بين مدافع عن رؤية الكاتب وناقدًا لها، معارك وصلت إلى التشكيك في كتابة علي عبدالرازق للكتاب من الأساس، ونسبته إلى أحد المستشرقين الأجانب وهو اتجاه تزعمه الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية في كتابه “حقيقة الإسلام وأصول الحكم”.
ولا شك أن ذلك يدل على أهمية الموضوع وتماسك الطرح، ولكن في ظني أن السبب الرئيسي لاستمرار حضور “الإسلام وأصول الحكم” بيننا هو أننا لا نتحدث كفاية عن قضايا التاريخ العالقة، فاهتم المسلمون بالفقه والعقيدة والحديث، بينما كان التاريخ مجرد حكاية تُروى لتدعم سردية سلطة الأمر الواقع دون نقد أو دراسة لتلك السردية. في حين أن السياسة منطقة محظورة عبر ذلك التاريخ.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد