في مطاردة القطار الأخير.. ذهاب ليلي للقاهرة .. بقلم: جمال عمر
عن رحلته الأخيرة إلى مصر، يلتقط جمال عمر بعض اللقطات والمشاهد. وهذا هو الجزء الرابع من المشهد الثامن: “ذهاب ليلي للقاهرة”.
بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير

– 4 –
في مطاردة القطار الأخير
انقطع عنا من يقدمون الخدمة في جروبي تقريبا حينما جلسنا بالداخل، وكان د. عيسى قد قام للذهاب للحمام، وعاد بعد برهة يحمل علبة من حبات “الكوكي”، البسكويت المشهور بها محل جروبي، وفتحها لكي نتناول منها.
كنت أنظر لدكتور هيكل بين حين وآخر عن الموعد المناسب لرحيلنا حتى نأخذ آخر قطار سيخرج من محطة القاهرة، كان مستمتع بالحديث، وكأنه متشوق للقاءات مع أناس متقارب معهم في الأفكار، للخنقة التي يشعر بها في قريته أو في الجامعة أو في الفضاء العام، لكن عند لحظة معينة أصريت أن نتحرك أنا وهو إن أردنا أن نأخذ القطار، بعد تأجيلات منه، على طريقتنا الأشعرية أن نتوكل على الله وسوف يجعل لنا مخرج. وأنا أصر أن القطار لن ينتظر أحد.
بعد مناهدة قام من مكانه لنسعى للحاق بالقطار، خرجنا من شارع عدلي، كان الوقت المتبقي لن يسمح لنا، فقال د. هيكل: “احنا ناخد المترو لمحطة شبرا ونقابل القطار هناك”.
بالفعل عدنا في اتجاه ميدان العتبة باستخدام “جي بي اس” التليفون، والميدان به إنشاءات، لكن مررنا من على جهاز كشف المعادن بدون كشف فقد توقفوا، ونزلنا على رصيف المترو، وبالفعل أتى وكنا نتحادث، والمترو يمر من محطة لأخرى، وصلنا إلى المحطة قبل الأخيرة محطة كلية زراعة عين شمس الموجودة بشبرا، فاقترحت على د. عبد الباسط أن ننزل فيها فهي بجوار موقف لسيارات الميكروباص التي تذهب لبنها، لأن الوقت قد لا يساعدنا في اللحاق بالقطار، وهو كان رأيه أن القطارات دائما تتأخر عن مواعيدها في الحركة بالبلاد، فكملنا في قطار المترو.
دقائق وكنا على رصيف محطة مترو شبرا الخيمة، وكان قطار القاهرة الأخير المتجه للإسكندرية على رصيفه بمحطة قطارات شبرا الخيمة، سعينا للسير مسرعين في وسط ركاب المترو الذين يملأون السلالم المتحركة، فوجدت أننا نمشي في ممر طويل على جانبيه فرشات بائعين لموا فرشتهم لكن تظل مكانها، أخذ السير منا ما يزيد عن خمس دقائق، حتى وصلنا وكان القطار قد رحل، وكان العامل يقوم بعملية التنظيف في المحطة وكأنه يغلق بيت من البيوت في الليل، فتقريبا لن يقف قطار في هذه المحطة خلال الساعات الخمس ونصف القادمة.
خرجنا من محطة قطارات شبرا على طريق القاهرة إسكندرية الزراعي لعلنا نجد عربة ميكروباص تكون واقفة بجوار المحطة لتحميل ركاب لبنها، فلم نجد. سوى ميكروباص واحد لكنه متجه لمدينة قويسنا التالية لبنها، بأجرة مضاعفة، فقررنا أن نركب فيها أنا ود. هيكل على أن ينزلنا السائق على الطريق السريع خارج بنها ومن هناك نبحث عن مواصلة تدخلنا إلى داخل بنها.
بدأت السيارة تتحرك بعد أن اكتمل عددها بعد ثلث ساعة براكب آخر هينزل في مركز طوخ قبل بنها، وكالعادة انخرطت أنا ود. هيكل في حديث تعليقا على اللقاء والحوار الذي تم الليلة، ولاحظت أن السيارة قد مرت وعبرت مدخل بنها الذي كان من المفروض أن ننزل فيه، وأن السائق تقريبا نسي أننا بين الركاب. د. هيكل لأنه في الغالب يستخدم القطار، وأيضا لأن الدنيا ليل، لم يدرك.
فتوقفت بنا عربة الميكروباص قبل عبورها فرع النيل المار ببنها في طريق دمياط، نزلنا ووجدنا درجات سلم مصطنعة حادة للنزول من الطريق السريع لطريق يمر من تحتها، أخذت بيد د. هيكل ونزلنا ببطء شديد، حتى كنا في طريق داخلي، لم أعرف بالضبط أين نحن من مدينة بنها، لكن بعد قليل من السير أدركت أننا في أقصى شمال بنها “الجديدة” وبعد دقائق كنا في نهاية كورنيش نيل بنها في المنطقة التي يُطلق عليها “منطقة الفيلل”، وحيث بها المسجد الذي يخطب فيه د. هيكل خطبة الجمعة كل أسبوع.
كانت لفحة نسمة الشتاء مع مياه النيل ظريفة، تمشينا أنا ود. هيكل نتسامر ومررنا من أمام مبنى فيلا السيد المحافظ، ومسجد ناصر الكبير الذي افتتحه السيد كمال الدين حسين وزير التعليم المحافظ في دولة يوليو وهو من بنها أيضا والمعهد الديني الأزهري خلفه، ومقر يقدم فيه د. هيكل محاضرات لأئمة مساجد وزارة الأوقاف أحيانا، ثم مكتبة جمعية الرعاية المتكاملة التي كانت ترعاها السيدة حرم رئيس الجمهورية الأسبق وقد تم اقتطاع مساحتها من حديقة كانت في المكان، لنعبر من أمام مبنى محافظة القليوبية وكان قد مر على انتصاف ليل بنها ثلاثة أرباع الساعة، لنفترق أنا ود. هيكل أمام قصر ثقافة بنها في المساحة التي استبدلوا بها إشارة المرور أمام كوبري بنها المعدني الشهير بالأغنية.
ركب هو سيارة سوزوكي تأخذه للجانب الجنوبي من كورنيش بنها حيث سيارته، وأنا وجدت واحد يجلس في مدخل كوبري بنها المعدني القديم، بموتوسيكل يدخن سيجارته متلفحاً، سألته إن كان يوصلني، فرمى السيجارة رغم أنها كانت ما زالت في أولها وركب على الموتوسيكل، وركبت وراءه، وانطلق بنا في الاتجاه المخالف على كوبري بنها حتى نستطيع الاتجاه إلى اليسار في نهاية الكوبري ولا نحتاج إلى السير مدة ثم العودة.
لقراءة الجزء الثالث من المشهد، اضغط على الرابط التالي:
حديث جروبي .. بقلم: جمال عمر
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد