الطفلة التي أرادت أن تفسّر القرآن … بقلم: د. زينب توجاني
بقلم: د. زينب توجاني

قرأت من جديد، وكتبت من جديد، وفهمت أنني ربما لن أكون مفسّرة، لكنني سأكون باحثة.
في سنة 1997، كنتُ مجرد طفلة تُمسك القلم بخجل، وتفتح المصحف برهبة، وتحاول أن تفهم وحدها.
لم أكن أعرف شيئًا عن فاطمة المرنيسي، ولا عن أمينة ودود ولا غيرهما..
كنت قد قرأت للتو نوال السعداوي، علمتني أن أفكر بنفسي ولا ادع أيا كان يفكر عني، قررت أن أفكر وحدي وأتساءل، وأكتب في دفاتر صغيرة، أخبّئها في أدراج لا يفتحها سواي.
لقد قرأت في ذلك الوقت في ظلال القرآن ومقدمته التي يقول فيها سيد قطب انه يريد ان يفسر القرآن بنفسه، وقلت في نفسي ليس أفضل مني حتى أنا أريد أن أفسّر القرآن بنفسي. أن أقنع أبي بما كنت أراه حقًا لي وكان يراه مخالفا للتعاليم الدينية، وأن أُطمئن قلبي.
في بيتنا مكتبة عامرة بالتفاسير، من الطبري إلى الجلالين، من ابن كثير إلى السيد سابق، لكنني شعرتُ أنني بحاجة إلى صوتٍ آخر. صوتي أنا. نظرتي أنا.
كان مخبئي هو طاولتي في قسم الدوريات في المكتبة العمومية، كنت أجلس مقابل النافذة حيث أنظر من خلالها لشجرة صنوبر وارفة قديمة جدا، كنت أختبأ حتى لا يجدني اي كان ويقاطع عملي. بدأتُ بالبسملة، وكتبت عن الرحمن الرحيم. استعنت بالمنجد في اللغة، وبكل ما كان متاحا أمامي في المكتبة التي أعرفها كما اعرف نفسي، اعرف كل كتبها كما أعرف رفوف مكتبتي المنزلية.. لم يكن الأمر سهلا كنت اتوضأ ومع ذلك كنت أشعر بالرهبة ..
ثم توقّفت.
توقّفت لا خوفا من العقاب الالهي .. لأن الطريق بدا عسيرًا، ولأني لم أملك الشجاعة الكافية لأصرخ حولي:
“أنا أيضًا أريد أن أفسّر.”
اكتفيت بكتابة الشعر والمقالات حتى اني نلت جوائز وطنية وجهوية ورشحت لجائزة رئاسية (حرمت منها مرتين لاسباب دونتها بدقة في مذكراتي لتبقى شهادتي بعدي) ولم اتجاوز ستة عشر ربيعا…
مرت السنوات.
دخلت الجامعة، وتعلمت مناهج البحث. نضجتُ كبرتُ فهمتُ قرأت أن فكرتي البسيطة سبقني إليها نساء عديدات كتبن وفسرن وعبرن ونشرنَ مجلدات في ذلك..
قرأت من جديد، وكتبت من جديد، وفهمت أنني ربما لن أكون مفسّرة، لكنني سأكون باحثة.
وسرت في الطريق الطويل بصبر، في ألم وفي متعة وفي إصرار. نلت شهادة الدكتوراه في موضوع صار الآن واضحا لكم لم وكيف اخترته يرتبط بتفسير القرآن، وعُدت أدرّس في الجامعة التي حلمت بها، عدت إلى حضن أمي.. كلية الآداب بمنوبة حبيبة قلبي.
وها أنا أكتب، وأفكر، وأحلم، من ذاالذي يستطيع أن يوقف طريقي؟
طريقي الذي خلصته من الشوك وعبدته في الحلم وفي الحب وفي العزيمة..
نعم، ما زلت أحلم.
ما زالت تلك الطفلة التي كتبت بخطٍ صغيرٍ على ورقة صفراء.

لم أضيع ورقاتي واحتفظت بها رغم انتقالي من بيت لآخر، سقط من حياتي أشخاص عديدون لكن لم تسقط الطفلة التي تكتب وترسم وتريد إعادة تفسير القرآن الكريم، لم أنسَ ولن انسى …
أكتب هذا، لا لأتفاخر، بل لأقول لكل من يشبهني وهم على عتبات الامتحانات الوطنية والمدرسية والجامعية:
ابدأوا من حيث أنتم، واكتبوا أحلامكم بخط اليد، وعودوا إليها بعد عقود.
سترون أن الحياة تمشي، والشوك يلينُ بعزيمتكم و الحلم النابت من وسط الرماد يحيا ويكبر ولا يموت.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد