علي عبد الرازق وسؤال السلطة … بقلم: أحمد خفاجي

d8a3d8add985d8af-d8aed981d8a7d8acd98a علي عبد الرازق وسؤال السلطة ... بقلم: أحمد خفاجي

ولدت في قرية تعود نشأتها تقريبا إلى أواخر زمن المماليك، مساحة القرية لا تتجاوز 500 فدان، تستمد ماءها من ترعة الباجورية. أول عمدة وعيت عليه كان واحدًا من أهل القرية وفلاحيها، رجل بسيط ومتواضع وبارع في حل الأزمات بكلمته التي تداولتها الأجيال “معلش خليها عندي”.

سمعت بعد ذلك ما يشبه الأساطير عن العمدة الأسبق يوسف تركي، يبدو أنه كان يحكم القرية قبيل ثورة 23 يوليو 1952م. كان “تركي” تجسيدًا واقعيًا لصورة العمدة المتجبر، الذي يظهر في أفلام الستينات وما بعدها، يحوز وأفراد عائلته أكثر من ثلثي أراضي القرية، قيل إنه من سلالة رجل تركي جاء القرية قديما يدعى أبو الدهب.

نشأ وعيي السياسي لحظة مشاهدتي للعرض العسكري الذي انتهى باغتيال السادات سنة 1981م، كنت في الثانية عشرة من عمري، وحين هرعت لإخبار والدي بما شاهدته، سمعت رجلا كان يمر بالصدفة وهو يعلق قائلا: “عملوها؟” ولم أفهم وقتها ماذا يعني؟ أو من يقصد؟

صار منصب العمدة في مرحلة لاحقة بالانتخاب، قبل أن يعود لأصله لاختيار وزارة الداخلية.

تداعت تلك الذكريات كلها إلى ذهني، حين قرأت أن عائلة علي عبد الرازق كانت تمتلك 7 آلاف فدان في المنيا، يعني ما يعادل 14 ضعف مساحة قريتنا.

يذكر عبد الرازق أن عائلته كانت تتوارث مهنة “القضاء” في البهنسا ثم أبو جرج بمركز مزار، لكن يبدو أن إقامتهم الدائمة كانت في قصر آل عبد الرازق القريب من قصر عابدين بالقاهرة.

ينتمي آل عبد الرازق إذن إلى طبقة كبار الملاك في مصر، مما دفع الأبناء إلى تحصين الثروة بالمعارف الحديثة.

ولد عبد الرازق في نفس عام مولد محمد حسين هيكل 1888م، هذه الفترة التي يمكن وصفها بمرحلة تحول الفقيه إلى “مثقف”، وصاحب الأطيان إلى “سياسي”، ومن هنا -ربما- نشأ العداء بين شرائح من هذه الطبقة وبين الحكم الأوتوقراطي للسلطان فؤاد.

يشير علي في مقدمته لأوراق أخيه مصطفى عبدالرازق، إلى أنه كان يفضل أن يتعامل مع الإنجليز أكثر من أن يتعامل مع فؤاد وحاشيته، فعلى الأقل رجال سلطة الاحتلال يمكن التفاوض معهم بقدر من العقلانية، أما الملك وحاشيته فلا يشغلهم سوى توسيع سلطاتهم.

كانت السياسة البريطانية -على الأقل في الظاهر- تتجنب التدخل في الشئون الدينية للبلاد، أو هكذا قيل، أما فؤاد وحاشيته فهم لا يتورعون عن توظيف الدين ورجاله وهيئاته من أجل ترسيخ نفوذهم وبسط سيطرتهم.

هل نحن إذن بإزاء طبقة -أو شريحة من طبقة- اجتماعية دفعها طموحها إلى أن تسعى، بدافع الثروة من جهة، والتحصيل المعرفي من جهة أخرى، إلى أن تناضل بما أتيح لها من أدوات الحزب والصحافة والكتابة، لتنتزع قدرًا مما تراه حقا لها في إدارة شئون بلاد”ها” وسن القوانين ونيل المناصب؟

وهل جاء كتاب علي عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم” في هذا الإطار، كمحاولة لتقليم أظافر أوتوقراطية فؤاد المقنعة بالدين ورجاله وهيئاته؟

وهل يفسر هذا ما نلمحه من نبرة العدائية وحرارة الغضب التي اتسمت بها لغة عبدالرازق في كتابه؟
حتى وإن كتب في رده على هذه التهمة واصفًا فؤاد بأنه الملك الذي نشر “العلم” و”العدل”؟

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات