دكتوراة في الدنمارك عن تضافر الشكل الأدبي والانتماء في السرديات العربية عن فلسطين .. بقلم: أكمل صفوت
سلمت على أسماء وعيلتها وبدأت أتحرك للبيت بس وأنا نازل عالسلم كان واصلني صوت الشباب، كإنه وعد، وهو بيغني، “الأرض بتتكلم عربي”…
بقلم: أكمل صفوت
طبيب استشاري علاج الأورام بمستشفى جامعة أرهوس بالدانمرك ومن المهتمين بالفكر الديني والإسلام السياسي وهموم المصريين في المهجر.

كأنهم لؤلؤا منثورا
يوم الأربعاء ١١ يونية حضرت مناقشة رسالة دكتوراة لصديقة مصرية عزيزة في قسم الأدب المقارن لكلية الآداب والفنون، جامعة آرهوس في الدنمارك.
عنوان الرسالة: صيادو الذاكرة: تحديد ملامح ملحمة العائلة الفلسطينية كنوع أدبي وطني.

صاحبة الرسالة د. أسماء فراج أهدت العمل لمحمد الدرة اللى كان استشهاده المذاع والمصور علامة فاصلة فى انحيازها الإنساني وإدراكها الفكري.
أي بحث أكاديمي علمي لازم يبدأ من سؤال. وسؤال البحث كان “ازاي تضافر الشكل الأدبي والانتماء الوطني والذاكرة الجمعية في السرديات العربية عن فلسطين؟”.
الباحثة قامت بعملية مسح للكثير من الأدب العربي المكتوب عن فلسطين فكان أول الخيط أنها لاحظت أن أغلبهم -رغم اختلافاتهم الجندرية والعمرية والقومية- اختاروا إنهم يصيغوا سرديتهم على شكل “ملحمة عائلية” ممتدة عبر أجيال.
بس الباحثة لاحظت كمان إن روايات العائلة الفلسطينية اللي كتبها الكتاب دول مختلفة عن النمط الأدبي المعروف باسم “رواية العائلة” واللي له خصائص محددة ومعروفة، وكمان مختلفة عن “الرواية التاريخية” اللي برضه خصائصها معروفة، فكان السؤال البحثي الجديد: هل نقدر نعتبر ملحمة العائلة الفلسطينية نمط أدبى جديد؟ وايه هي صفاته الأدبية ووظيفته السياسية وإزاى تجسدت الصفات دي والوظيفة دي في النصوص؟
درست أسماء مواطن التشابه والاختلاف وقارنت بين اللي كتبه الكتاب العرب عن فلسطين في “ملاحمهم العائلية” واللي اتكتب من روايات عائلية وتاريخية في الأدب الإنجليزي والأمريكي وكمان قارنت مع الملحمة العائلية الأيسلندية اللي اتكتبت فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين علشان توصف الصراعات السياسية والتغيرات الاجتماعية في أيسلندا في العصور الوسطى.
ركزت أسماء على أعمال، إبراهيم نصر الله، ورضوى عاشور، وسوزان أبو الهوى وهالة عليان وغيرهم.
وصلت أسماء لنتيجة مؤداها أن ملحمة العائلة الفلسطينية نمط أدبي قائم بذاته وأكدت على كونه أدب سياسي واعي بإنه منغمس في معركة حوالين “السردية”. اللى بيميز النوع ده كونه متمحور حول عدة أجيال لعائلة فلسطينية وبينطلق ابتداء من أماكن وقرى بعينها داخل حدود فلسطين التاريخية وبعدين بيتحرك تاريخيا داخل “روزنامة” من تواريخ بعينها وأماكن محددة فى الصراع العربي الإسرائيلي. الاختيار الواعي من المؤلفين للتواريخ والأماكن دي سمتها الباحثة “علامات إرشادية” وظيفتها (السياسية) هى مقاومة المحو الكولونيالى وإدخال القارئ للذاكرة الجمعية الفلسطينية وإعادة امتلاك الذاكرة ومن ثم الهوية الفلسطينية. تتميز الملحمة الفلسطينية عن غيرها من الملاحم بكونها تتجسد على مساحة جغرافية واسعة رغم كونها مرتبطة بحبل لا ينفصم مع أرض النشأة. وبتتميز كمان بأنها مابتتحركش بشكل خطي زمني في التاريخ لكن بتتنقل بحرية بين محطات كتير في الماضي وبين الحاضر.
أسماء اتكلمت كمان عن الخصائص الجمالية والفنية اللي بتميز ملحمة العائلة الفلسطينية من زاوية التعبير عن تعقيد العلاقة بين الذات والهوية والوطن عبر الأجيال وإزاي الخصائص الجمالية دي بتساعد في لضم الذكريات المتفتتة والمتبعترة وبتحافظ عليها، في إشارة لعنوان الرسالة “صيادو الذاكرة” واللي مش بيشير للصيادين اللي شايلين بنادق أو رماح لكن لصيادين اللؤلؤ اللي بيجمعوا الكنوز المدفونة وبيخرجوا الجمال من الأعماق الضلمة.




رسالة الدكتوراة دسمة ومليانة بتفاصيل ماقدرش أدّعي إني فهمت كل جوانبها الأكاديمية من خلال المناقشة اللي استمرت ٣ ساعات لكن أتمنى إني أقراها في الكتاب اللي الجامعة -بعد ما هنأت أسماء على شغلها والدرجة العلمية- أوصت بنشره من الرسالة.
قاعة المناقشة كانت مليانة بالكوفيات الفلسطينية على أكتاف الدانمركيين والفلسطينيين اللي حضروا. بعد المناقشة كان فيه حفل استقبال في قسم الأدب المقارن في الجامعة فيه بوفيه عامر ماشوفتش زيه في حفل استقبال في الجامعة قبل كده، ورق عنب وطعمية وكوبيبة ومسخن وحمص وسلطة خضراء. زملاء أسماء وزميلاتها جابولها هدية عبارة عن كاسكيت مكتوب عليها “فلسطين” دفعوا فيها مبلغ كبير على سبيل التبرع لغزة. أما نهاية الحفلة فكانت من “أبو عمر” اللي جاب معاه العود وبدأ وصلته ب “الناجح يرفع إيده” وبعدها “يا فلسطينية والبندقاني رماكو”، اضطر بعدها ياخد راحة علشان الناس تتمالك مشاعرها اللي اتحركت من التأثر والانفعال. سلمت على أسماء وعيلتها وبدأت أتحرك للبيت بس وأنا نازل عالسلم كان واصلني صوت الشباب، كإنه وعد، وهو بيغني، “الأرض بتتكلم عربي”…
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد