روائح في دير سمعان الخراز .. بقلم: إيمان إسماعيل

قررت زيارة واحد من أهم وأشهر أديرة مصر، دير سمعان الخراز، الذي يعد تحفة فنية ذات طراز فريد، وضعت موقع الدير على الهاتف وسلكت الطريق الذي اكتشفت أنني أمر به دائما عندما أذهب لمنطقة وسط البلد، لكن العجيب خلو الطريق من أي علامة أو لافته تشير لدير هام ومزار سياحي كهذا!
يقع دير سمعان الخراز بمنطقة المقطم، ويتكون من ست كنائس متابينة الحجم والسعة أما ما يجمعها أنها منحوتة في قلب جبال المقطم، والست كنائس هي كنيسة الأنبا شنودة وكنيسة الأنبا إبرام بن زرع وكنيسة الملاك ماري وحنا وكنيسة الأنبا أنطونيوس وكثدرائية العذراء والقديس سمعان ابراهيم والأخيرة وهي أكبرهم هي كنيسة الأنبا سمعان الخراز وتتسع ل20 ألف شخص وبها منحوتات وصور يبلغ عددها 67

تقول حكاية سمعان الخراز أنه قديس عاش بمصر في القرن العاشر الميلادي، وتنسب له أسطورة معجزة نقل أو تحريك جبل المقطم، ويتردد عنه حكاية أنه إقتلع عينه بمخراز عندما وقعت على ساق إمرأة فإشتهاها، وغيرها من الأساطير التي نسيت للرجل، وفي عام 1974 قرر خادمان من خدام الكنيسة إحياء ذكرى الرجل بإنشاء دير يمجد ذكراه واختارا المقطم وأختارا صخور جباله لإنشائها وصنع تحفة فنية عالمية.
وصلت لجزء في الطريق أعرفه جيداً، أهم ما يميزه هو رائحة كريهة تجعلني أغلق نوافذ السيارة، ولكن الغريب أن ال جي بي إس يشير يميناً، وكأنني اتجه مباشرة نحو قلب الرائحة، إنعطفت وإذا بي داخل “مقلب زبالة”، حرفياُ وجدت أنني أسير وسط مباني يفترض أنها بيوت يسكنها من يعملون في جمع وإعادة تدوير القمامة، الطريق يفترض أن يستغرق 10 دقائق، ولكن بسبب زحام وأكياس القمامة الملقاة على جانبي الطريق استغرقت أضعاف المدة، غير أن الطريق مهدم وضيق لا يتسع لأكثر من سيارتين في الإتجاهين وفي بعض أجزاءه يتسع لسيارة واحدة وهو ما يخلق أزمة زائدة عند تلاقي سيارتين

وصلت أخيرا لمدخل الدير الذي تحيط جانيه أكوام من القمامة، أوقفني رجال الأمن، وأحتفظوا بالرخص وقلت لنفسي لابد أنني أخطت الطريق، بالتأكيد هناك مدخل آخر وطريق أفضل لهذا المعلم السياحي الهام، سألت رجل الأمن وأكد لي أنه الطريق الوحيد للدير! كيف؟ أكملت طريقي لجراج الدير الذي دخلته مجانا وهي لفتة طيبة، الدير مكان هادئ لا يسمع فيه إلا ثوت السكون والسلام ولكن للأسف لا يشم فيه إلا رائحة القمامة، فمع أنني كنت هناك في تمام الثانية ظهرا ودرجة الحرارة لا تطاق، لكن بالدير نسمة هواء عليلة بدلت الحر وبؤسه لجو ربيعي رائق، لا يعيبه إلا رائحة القمامة التي تملأ كل مبني من الدير

نزلت لقلب اكبر الكنائس في محاولة للهرب، لكن لا فائدة، جلست على مقعد من المقاعد المنحوتة والمغطاة بالخشب وأغمضت عيني في محاولة للإستمتاع بالسلام الذي يملأ المكان، لم استطع التحمل وقررت الخروج وزيارة بقية الكنائس بسرعة ومغادرة المكان، لكن في الحقيقة حديثي مع العاملين بالدير والخدام جعل بقائي يطول قليلاً، اعتقد أنهم أدركوا سريعا أنني مسلمة بسبب جهلي بأبسط الكلمات التي يقولونها، كان حديثهم ودود ولطفهم معي غمرني بسعادة وادت من سلام المكان، وأسعدني أكثر معاملتهم المحترمة مع الأجانب والسياح الذين يزورون المكان، ولا أنكر أنني شعرت بالحرج بسبب وجود الرائحة الكريهة التي جعلت بعض السياح يغلق أنفه طوال الزيارة، واستشعار الخدام الحرج بسبب ذلك ومحاولة تلطيف الموقف وتأكيد أنه ما باليد حيلة.

في طريق العودة رأيت أطفال يلعبون وعجائز يجلسون بين أكوام القمامة، وشباب يعملون بدون أي وسائل حماية،، في الواقع إن هذه المدة البسيطة أشعرتني بأن الرائحة قد علقت بأنفي ، وملابسي وثيابي، لا أعرف كيف يعيش هولاء في هذا الوضع غير الآدمي؟
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد