الاختلافات بين مصاحف عثمان ابن عفان … بقلم: ميسون الشوابكة

بقلم/ ميسون الشوابكة

d985d98ad8b3d988d986-d8a7d984d8b4d988d8a7d8a8d983d8a9 الاختلافات بين مصاحف عثمان ابن عفان ... بقلم: ميسون الشوابكة

الدين الإسلامي الذي ولدت وترعرعت في كنفه، مبني على الوحدانية؛ الله واحد والنص القرآني واحد. أنزل القرآن عربيا ورَسْمُه لقنه الملاك جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم واختبره في حفظه مرة كل عام ثم أنه اختبره مرتان في العام الأخير له على هذه الأرض. هكذا تعلمت.

مسلسلات وأفلام الكرتون الإسلامية ومسلسلات وأفلام مثل فيلم الرسالة وغيرها، نصوص مسرحية في منهاج اللغة العربية تروي قصة الهجرة، وقصة آل ياسر و…إلخ. الأكثر تأثيراً من وجهة نظري لترسيخ هذه ”الحقيقة“ هو التوجيه من معلمي التربية الدينية في كل عام من مراحل التعليم إلى آخر المرحلة الثانوية. ففي كل مرحلة كانت هذه الجزئية لا بد أن تذكر كمقدمة دائمة لتثبيت فكرة أن هذا المصحف ثابت لم ولن يتغير عبر الزمن. فكرة مريحة، لا جدل.

عقود مرت منذ ذلك الوقت، عندما فوجئت بحقيقة القراءات السبعة وكانت أول عهدي بأن للقرآن أوجه مختلفة في اللفظ والتي ظننتها تسهيل في لفظ ”الرسم الموحد للقرآن“ كما عُلمت لكنها في الحقيقة كانت اختلاف في رسم الكلمات، زيادة حروف، اختلاف كلمة بالإضافة إلى اختلاف لفظها.

فوجئت لأن هذا ما  كنا نصف به التحريف في الإنجيل والتوراة. وهنا كان من المستحسن أو الأسلم، هو تفادي هذه المعرفة؛ فإن للتوغل بها رعب ووحدة أشبه بالتيه في صحراء متجمدة، ولأننا لا نستطيع الرجوع عن المعرفة سيكون شغلنا الشاغل كيف لنا الجمع بين جديد المعرفة والإيمان المزروع فينا منذ الولادة. وتكون ردة الفعل الأمثل، إن استطعت، ردم هذا الاتجاه من المعرفة والتركيز على “جميل الإسلام” المعتدل الذي تعودته.

وها انا أغوص في دراسة لمصاحفِ الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه (47 ق.هـ – 35 هـ / 576 – 656م) وأنا موقنة أنه درب معرفة آخر موجبٌ لسرعة الردم. فكيف ستتم مصالحة ما تعلمت منذ صغري عن رسم القران المُنَّزَل وما أقرأ الآن عن جمع المصحف ونسخه، فكيف لا تكون كل نسخة مطابقة للأخرى؟ بل إننا نجد في  هذه المصاحف الأولى التي كتبت بهدف توحيد المسلمين على قرآن واحد، اختلافات كثيرة تزداد حسب كم من المصاحف كانوا.

قيل كانوا أربعة مصاحف، خمسة، ستة، سبعة وقيل ثمانية؛ وأجمع المؤرخون على أربع مصاحف (المدينة، دمشق، الكوفة والبصرة) و مصحف مكة إن قالوا خمسة. سألحق لائحة للأربعة وأربعين اختلاف في هذه المصاحف. يجدر بالذكر أن المصاحف المنسوخة كلها مكتوبة على الورق الكاغد، إلا المصحف الذي خص به عثمان بن عفان نفسه (المصحف الإمام)  فقد قيل: إنه كتب على رق الغزال. هذه المعلومات مما كتبه مَن عاصر هذه المخطوطات من علماء الإسلام المشهود لهم مثل السجستاني، فهذه المصاحف لا وجود لها في عصرنا الحالي. 

أسباب هذه الاختلافات في الرسم، قد تعود لأن الكتبة مختلفين، ثلاث قرشيين وزيد بن ثابت الأنصاري  ( زيد بن ثابت، عبد الله بن الزبير، سعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام). أو لدرجة الإرهاق المذكورة صراحةً في كتب السلف إبان هذا المجهود الجبار الذي قد لا نستوعب عظمته من إنجاز لتعودنا المصاحف الورقية سهلة الحمل، أو النسخ الإلكترونية سهلة البحث.

AD_4nXddEW7NSGcS0C7_x-UQxGJkaPn5uAK0-pWSLBZIx1FNnzn2Gr2vRgt7aQU8D2al00wYybWmsgNnpaLKv-mg_j1oy9DSn2aT5bwI_qjxtevKjPzZVlUoBXzkTM1UHFinKGKsRmM-DYz5jzOmuOQ2ycUeAzM?key=DB909KNyEPBYyFxBqpdXHA الاختلافات بين مصاحف عثمان ابن عفان ... بقلم: ميسون الشوابكة

أظن أنه موجب هنا أيضا التنويه بأن اللغة العربية في هذا العهد لم تكن لغة مكتوبة بل لغة محكية “لهجة” وأننا يمكن تشبيه كتابتها اليوم بحديث عهدنا بالرسائل التلفونية قبل وجود الكيبورد العربي. كتبنا الكلام العربي بحروف انجليزية “عربيزي”. وهذا ما حصل عندما كتب القرآن الكريم استخدمت حروف اللغة السريانية النبطية (الخط المائل) ذات الخمسة عشر حرف المستخدمة من عرب البتراء شمال الجزيرة العربية للتعبير عن ما حفظ في الصدور من القرآن؛ والغريب أنه لم يستخدم الخط الثمودي ذو الحروف المتفرقة المحتوي على ٢٨ حرف المنتشر آنذاك في وسط الجزيرة العربية حيث مكة والمدينة. وقد تعود بعض الاختلافات لبدائية الكتابة وتشابه بعض الحروف السريانية في الرسم لغير متقنيها، فمن الكتاب الأربعة لم يوصف بأنه متقن للسريانية والعبرية بالإضافة للعربية، إلا زيد بن ثابت.

ولا ننسى أن الكتابات الأولى لم تكن منقوطة وهذا يظهر في الاختلاف بين مصحف الشام والمصاحف الأخرى (يونس 22 ىىسركم) في مصحف الشام قرأت ينشركم والمصاحف الأخرى قرأت يسيركم. خمس أسنان راء كاف ميم. كما أن الرحىم لا تعرف إن كانت الرحيم او الرجيم إلا بالتنقيط أو اجتهاداً من سياق النص. التنقيط إذا هو ما يجعل هناك اختلاف. والتنقيط أحدثه أبو الأسود الدؤلي (م٦٠٣-٦٨٨م /  ١٦قبل الهجرة- ٦٩ هجري) بأمر من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي (م٧١٨-٧٨٦م / ١٠٠هجري – ١٧٠ هجري).

التنقيط لم يكن موحداً أيضاً، القاف مثلا تكتب ف والفاء تكون النقطة تحتها وليست فوقها وهذا الاختلاف قائم الى يومنا هذا. شيوخ الدين يرجعون هذه الاختلافات لكون القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولا يقرّون بأن للعامل البشري في التدوين قصور موجب للتنقيح والتعديل.  ولازلنا لا نستقر على عدد القراءات إن كانوا سبعة، عشرة، أربعة عشر أو أربعون أو ما لا نهاية. فهناك أربعة عشر قراءة رسمية معتمدة في يومنا هذا. بينما ذكر أبو القاسم الهذلي (٤٠٣-٤٦٥هجري) أنه أخذ من ١٤٥٩ طريقة ليحدد خمسين قراءة مختلفة للقرآن.

أما في ما يخص اختلافات المصاحف الأولى فهذا جدول لأربع وأربعين اختلاف في خمس من المصاحف كما سجلها لنا كتاب المصاحف للسجستاني؛

اختلاف مصاحف الأمصار الخمسة:

 اسم السورة/الآيةمصحف المدينةمصحف مكةمصحف الكوفةمصحف البصرةمصحف الشام
1البقرة 116وقالوا اتخذوقالوا اتخذوقالوا اتخذوقالوا اتخذقالوا اتخذ
2البقرة 132وأوصىووصىووصىووصىوأوصى
3آل عمران 133سارعواوسارعواوسارعواوسارعواسارعوا
4آل عمران 184والزبر والكتٰبوالزبر والكتٰبوالزبر والكتٰبوالزبر والكتٰبوبالزبر وبالكتٰب
5النساء 66إلا قليلإلا قليلإلا قليلإلا قليلإلا قليلا
6المائدة 53يقول الذينيقول الذينويقول الذينويقول الذينيقول الذين
7المائدة 54من يرتددمن يرتدمن يرتدمن يرتدمن يرتدد
8الأنعام 32وللداروللداروللداروللدارولدار
9الأنعام 63لئن أنجيتنالئن أنجيتنالئن أنجٰنالئن أنجيتنالئن أنجيتنا
10الأنعام 137شركاؤهمشركاؤهمشركاؤهمشركاؤهمشركائهم
11الأعراف 3تذكرونتذكرونتذكرونتذكرونيتذكرون
12الأعراف 43وما كنا لنهتديوما كنا لنهتديوما كنا لنهتديوما كنا لنهتديما كنا لنهتدي
13الأعراف 75قال الملأقال الملأقال الملأقال الملأوقال الملأ
14الأعراف 141وإذ أنجينٰكموإذ أنجينٰكموإذ أنجينٰكموإذ أنجينٰكموإذ أنجاكم
15التوبة 100تجري تحتهاتجري من تحتهاتجري تحتهاتجري تحتهاتجري تحتها
16التوبة 107الذين اتخذواوالذين اتخذواوالذين اتخذواوالذين اتخذواالذين اتخذوا
17يونس 22يسيركميسيركميسيركميسيركمينشركم
18الإسراء 93قل سبحانقال سبحانقل سبحانقل سبحانقال سبحان
19الكهف 36خيراً منهماخيراً منهماخيراً منهاخيراً منهاخيراً منهما
20الكهف 95ما مكنيما مكننيما مكنيما مكنيما مكني
21الأنبياء 4قل ربيقل ربيقال ربيقل ربيقل ربي
22الأنبياء 30أولم ير الذينألم ير الذينأولم ير الذينأولم ير الذينأولم ير الذين
23المؤمنون 87سيقولون للهسيقولون للهسيقولون للهسيقولون اللهسيقولون لله
24المؤمنون 89سيقولون للهسيقولون للهسيقولون للهسيقولون اللهسيقولون لله
25المؤمنون 112قال كم لبثتمقال كم لبثتمقل كم لبثتمقال كم لبثتمقال كم لبثتم
26المؤمنون 114قال إن لبثتمقال إن لبثتمقل إن لبثتمقال إن لبثتمقال إن لبثتم
27الفرقان 25ونزل الملٰئكةوننزل الملٰئكةونزل الملٰئكةونزل الملٰئكةونزل الملٰئكة
28الشعراء 217فتوكلوتوكلوتوكلوتوكلفتوكل
29النمل 21ليأتينيليأتيننيليأتينيليأتينيليأتيني
30القصص 37وقال موسىقال موسىوقال موسىوقال موسىوقال موسى
31يس 35وما عملتهوما عملتهوما عملتوما عملتهوما عملته
32الزمر 64تأمرونيتأمرونيتأمرونيتأمرونيتأمرونني
33غافر 21أشد منهمأشد منهمأشد منهمأشد منهمأشد منكم
34غافر 26وأن يظهروأن يظهروأن يظهرأو أن يظهروأن يظهر
35الشورى 30بما كسبتفبما كسبتفبما كسبتفبما كسبتبما كسبت
36الزخرف 68يٰعبادييٰعباديٰعباديٰعباديٰعبادي
37الزخرف 71ما تشتهيهما تشتهيما تشتهيما تشتهيما تشتهيه
38الأحقاف 15حسٰناًحسٰناًإحسٰناًحسٰناًحسٰناً
39محمد 18أن تأتيهمأن تأتهمأن تأتهمأن تأتيهمأن تأتيهم
40الرحمن 12ذو العصفذو العصفذو العصفذو العصفذا العصف
41الرحمن 78ذي الجلٰلذي الجلٰلذي الجلٰلذي الجلٰلذو الجلٰل
42الحديد 10وكلاً وعد اللهوكلاً وعد اللهوكلاً وعد اللهوكلاً وعد اللهوكل وعد الله
43الحديد 24الغنيهو الغنيهو الغنيهو الغنيالغني
44الشمس 15فلا يخافولا يخافولا يخافولا يخاففلا يخاف

مصحف المدينة زاد ب 16 موقع وغير الواو ل ف في مكانين.

مصحف مكة زاد ب 18 موقع فقط

مصحف الكوفة زاد ب 13 موقع فقط.

مصحف  البصرة زاد ب 19 موقع فقط.

مصحف الشام زاد ب 19 موقع، وغير حرف عن حرف ب 8 مواقع. ولم يتفق أي من هذه المصاحف اتفاقا تاما.

بعد هذه الدراسة أرى أن القراءات كانت نتيجة حتمية للاختلافات في النسخ أكثر من كون القرآن أنزل على سبعة أحرف. أجدني متشوقة للتدقيق في هذه الاختلافات، لإيجاد الأقدم منها ومن أخذ عن الآخر؛ علني أصل يوماً إلى المخطوطة الأقرب لعهد الرسالة. أقدم مخطوطة وجدت لليوم هي مخطوطة صنعاء؛ ولاختلافها، يطعن فيها رجال الدين لما نشأنا عليه من إبطال العقل فيما يخص المقدسات؛ بالرغم مما يمثله إيجادها ودراستها من أهمية في تقريبها من النص القرآني المنزل. مستقبلا أرى أنني سأتتبع هذا الخيط من المعرفة إلى نهايته رغم الخسائر، وأرجو أن أجد كثيرين على هذا الطريق.

ميسون الشوابكة تعرض ورقتها عن الاختلافات بين مصاحف الأمصار

  

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

تعليق واحد

اترك رد

ندوات