جماعة المحمدية في أندونيسيا وحركة إصلاح محمد عبده… بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي الأزهري

محمد يوسمي الأندونيسي

طالب بقسم الشريعة بجامعة الأزهر

d985d8add985d8af-d98ad988d8b3d985d98a-d8a7d984d8a3d986d8afd988d986d98ad8b3d98a جماعة المحمدية في أندونيسيا وحركة إصلاح محمد عبده... بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي الأزهري

هذا المقال هو نوع من الاستعراض الخفيف للدورة التي شاركت بها في نشاط “كرسي قنواتي”، وهي دورة صيفية أقامها معهد الدراسات الشرقية للأبآء الدومينيكان بالقاهرة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. عُقد البرنامج في الفترة من 10 إلى 31 مايو 2024 تحت عنوان “العلوم الدينية والعلوم الإنسانية”، وقد أعددتُ هذا المقال بعد حضور 30 ساعة تعليمية لمدة شهر مع أربعة محاضرين مختلفين.

في اللقاء الأول، كنت متحمسًا جدًا للمشاركة في هذا النشاط باعتبار أن الموضوع المطروح مرتبط جدًا بوجود المنظمة الإسلامية الحداثية بأندونيسيا المعروفة باسم “المحمدية”. وبصفتي أحد كوادر هذه المنظمة، فإنني بالتأكيد على دراية بتسميتها كحركة إصلاحية حداثية، وكان ذلك جوهر المادة التي قدمها المحاضر الأول.

الجزء الأول من محاضرة د. محمد الحداد بمعهد الدومنيكان

والواقع أن الحركة الإصلاحية/الحداثية كانت ظاهرة جديدة ظهرت في عدة مناطق إسلامية في أوائل القرن العشرين، مثل حركة محمد عبده (1849 – 1905) وتلامذته في مصر، أو السيد أحمد خان (1817 – 1889) في الهند، ولا ننسى حركة أحمد دحلان (1868 – 1923) وهو مؤسس الجمعية المحمدية في إندونيسيا. ومن المؤكد أن الأمر لم يحدث هكذا فقط، فمن وجهة نظر الحداد -المحاضر الأول- هناك أمور كثيرة وراء ذلك حتى ظهرت الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي.

d8a3d8add985d8af-d8afd8add984d8a7d986-d985d8a4d8b3d8b3d8a9-d8a7d984d985d8add985d8afd98ad8a9-d981d98a-d8a7d986d8afd988d986d98ad8b3d98ad8a7 جماعة المحمدية في أندونيسيا وحركة إصلاح محمد عبده... بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي الأزهري
أحمد دحلان (1868 – 1923) وهو مؤسس الجماعة المحمدية في إندونيسيا.

هذه الحالة هي ما يحاول أن يقرأه المفكر التونسي محمد الحداد، وهو مفكر تونسي يهتم بالحركات الدينية، خاصة في الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام. حصل الحدّاد على جائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة – عام 2013 عن مؤلفاته باللغة العربية والفرنسية في موضوعات أدبية وإنسانية واجتماعية.

كما أن له العديد من المؤلفات التي صدر منها بمؤسسة مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، أحدها كتاب “محمد عبده؛ قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني”، وله كتابات أخرى على شكل مقالات بمجلات يمكن قراءتها من خلال الموقع الإلكتروني https://www.mominoun.com/.

بالنظر إلى خلفيته وتركيزه في البحث، أعتقد أنه يمكن اعتباره مؤهلًا لمناقشة تاريخ الحركات الإصلاحية خاصة في الإسلام. ووجود كتاب خاص يناقش محمد عبده يكفي كدليل على أنه بالفعل معني بهذا المجال ومتخصص إلى جانب عدة مقالات بمجلات يمكن قراءتها من خلال الصفحة التي أشرت إليها.

قُسِّم البرنامج إلى ثلاث جلسات، جلستين رئيسيتين ومناقشة ختامية. في الجلسة الأولى، شرح الحداد تاريخ نشأة العلوم الإنسانية وعلاقتها بالحركات الدينية. وقال إن هذا العلم ظهر منذ الثورات التي شهدتها أوروبا، سواء الثورات السياسية أو الدينية، وأوضح كيف أن الثورة السياسية في فرنسا جعلت العلوم الإنسانية تنال اهتمامًا أكبر، فالموضوعات الثلاثة الكبرى في الثورة الفرنسية وهي الحرية والمساواة والأخوة أصبحت روح أوروبا عموماً في أفكارها وأعمالها.

كانت هناك ثورة دينية بدأها مارتن لوثر، الذي انتقد الممارسات الدينية التي كانت منحرفة ومركزة للغاية في سلطة دينية معادية للنقد. وقد بدأ لوثر هذه الحركة بشعاراته الخمسة وهي الإيمان وحده، والمسيح وحده، والكتاب المقدس وحده، والنعمة وحدها، و مجد الله وحده. وقد حاول أن ينتقد أصل المشكلة، أي القوة السلطوية للشخصيات الدينية المناهضة للنقد الديني إلى أن أعاد صياغة فهم ديني سليم ومنفتح.

تحدث الحداد في هذه الجلسة عن أمورتتعلق بالأوضاع الاجتماعية الأوربية التي أصبحت مصدر إلهام للحركة الإصلاحية في الدين خاصة الإسلام.

لم أجد نقطة التقاء كاملة في هذه الجلسة بين آراء الحداد مع الجمعية المحمدية، ولكني وجدت في الجلسة الثانية نقطة التقاء أوضح، وخاصة في تصنيف الحركات الإسلامية التي ذكرها. 

الجزء الثاني من المحاضرة د. محمد الحداد

أوضح الحداد أن التفكير في الدين يحتوي دائمًا على ثلاث خصاص هي:

1) الأصولية/ Fundamentalism 2)

2)التقليدية/ Traditionalism 3)

3)الإصلاحية/ reformism.

هذه الخصائص الثلاث هي تصنيفات مبنية على الملاحظات الاجتماعية، وهذه الحالة لا تحدث فقط في الفكر الإسلامي. فحسب، بل تشيع في الفكر الديني الآخر، كالمسيحية واليهودية والبوذية والكونفوشيوسية و غيره.

يشرح حيدر ناشر – مؤسس الجماعة المحمدية – في كتابه “فهم الأيديولوجية المحمدية” شيئًا مشابهًا لما قاله الحداد. في الواقع، يصنف حيدر ناشر العديد من الجمعيات الإسلامية في إندونيسيا بهذا التصنيف بشكل مباشر، مثل جماعة “نهضة العلماء” على أنها تقليدية، أو حزب التحرير الإندونيسي الذي يصنفه على أنه الأصولية، لأن هذه الجمعية تطمح إلى إحياء الطريقة السياسية لعصر النبي بالتفسير النصي.

من الأمثلة التي قدمها محمد الحداد عن الحركة الإصلاحية وجود محمد عبده وجمال الدين الأفغاني. وأعتقد أن المحمدية، كجماعة تأثرت كثيرًا بمحمد عبده، هي أيضًا جزء من هذه الحركة. وبالمثل، ما كتبه حيدر ناشر في كتابه، أن المحمدية حركة تتسم بالحداثة الإصلاحية في سياق إندونيسيا.

d985d8add985d8af-d98ad988d8b3d98ad985d98ad98a-d8a7d984d8a3d986d8afd988d986d98ad8b3d98a-d988-d985d8add985d8af-d8a7d984d8add8afd8a7d8af جماعة المحمدية في أندونيسيا وحركة إصلاح محمد عبده... بقلم: محمد يوسمي الأندونيسي الأزهري

وهذا أمرٌ مهم يجب أن ندركه ككوادر للمحمدية، لأننا غالباً ما نبدو مرتبكين نوعًا ما في تصنيف سند الحركات الإسلامية. ويكفي أن ندرج محمد عبده كشخص له منهج الحركة الإصلاحية الحداثية الإصلاحية لنبين أن للمحمدية جذورًا واضحة في حركة محمد عبده الإصلاحية. في هذه الحالة يمكن القول بأن ما تعتقده المحمدية كحركة إصلاحية حداثية له ما يعززه مع ما قاله الحداد، من أن أسلوب الحركة التي جاء بها محمد عبده ومن سار على نهجه كأحمد دحلان – مؤسس الجمعية المحمدية – كانت حركة إصلاحية حداثية.

قال الحداد إن مصطلح الإصلاحية لم نجده في الدراسات التراثية، ولم يوجد هذا المصطلح إلا بعد اندلاع الثورات في أوروبا في فهم الدين. أما إذا بحثنا عن مصطلح الإصلاحية الإسلامية في مصادره، أي القرآن والسنة، فهو أمر عقيم؛ لأن الإصلاحية حركة تحدث في المجال الاجتماعي، وهذا يعني أن موقع النصوص الشرعية هو بمثابة قيمة أخلاقية لهذه الحركة. ويبقى مصدر إلهام هذه الحركة هو الظروف الاجتماعية للمسلمين في ذلك الوقت التي كانت هشة للغاية.

الجزء الثالث من المحاضرة د. محمد الحداد

إن المصلح حسب الحداد هو الشخص القادر على استخدام العلوم الاجتماعية والإنسانية كأحد الاعتبارات في نقل أفكاره. وهذا يدل على أن المصلح يجب أن يكون مهتما بالحياة والمشاكل التي يواجهها البشر، وليس فقط متمكناً من العلوم الإسلامية كالفقه وعلم الكلام والتصوف فقط. المصلح حسب الحداد هو الشخص القادر على استخدام القيم الدينية كحل للتغلب على الفوضى الاجتماعية أو التدهور الاجتماعي.

وأرى أن هذه أيضًا من سمات المحمدية التي تقوم بالتمكين الاجتماعي. فالدين لا يتوقف عند مسألة العبادات وحدها، بل يصل إلى القيم الأخلاقية الموجودة في حياة الإنسان بهدف تنوير الناس والارتقاء بهم. إذن في هذه الحالة، فإن خصائص كونها إصلاحية تمتلكها جمعية مثل المحمدية التي لا تهمل في أعمالها الاعتبارات الاجتماعية.

بعد حضوري التدريب اليوم الأول أصبحت أكثر وعياً واقتناعاً بأن تصنيف الحركات الثلاث الذي كتبه حيدر ناشر مناسب ومتوافق مع ما فكَّر فيه محمد الحداد. من خلال اتخاذ محمد عبده كمثال لتمثيل الحركة الإصلاحية والمحمدية كجماعة تأثرت بشكل كبير بأفكار عبده، أعتقد أن هذا هو نقطة التلاقي بين ما فكر به محمد الحداد وكذلك حيدر ناشر بصفته الرئيس الحالي لجماعة المحمدية.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات