التعبير عن التجربة الصوفية والتنمية البشرية…. بقلم: علي غرس الله

بقلم: علي غرس الله

مهندس مهتم بالفكر الإسلامي

تونس

d8b9d984d98a-d8bad8b1d8b3-d8a7d984d984d987-edited التعبير عن التجربة الصوفية والتنمية البشرية.... بقلم: علي غرس الله

مثال من أمثلة عن محاولة تقريب ما يحصل للصوفي من تجربة فردية من خلال العبارات والكلمات : 

هنا لابد من التمييز بين نوعين من الصوفية الإسلامية، الأول هو الصوفية العِرفانية من أهم روادها إبن عربي والحلاج والسهروردي واخوان الصفا وخلان الوفا وهي قائمة على التجربة الفردانية، وهناك الصوفية الشعبوية أو صوفية الفلكلور، أي من يهتم بالتّبرك والكرامات وسيدي يغطي وجهه حتى لا يفتن الناس بأنواره وسيدي يمشي على البحر وسيدي فلان يطير في السماء وسيدي العلاني يصلي العصر في القيروان والمغرب في مكة، ويختصرون التصوف في أنه قراءة القرآن وتأدية العبادات كالصلاة والأذكار والأوراد والمأثورات من الأدعية، كلها أقاويل العامة وبسطاء الفكر وهي تفرغ التجربة الصوفية من مضمونها الحقيقي العرفاني،

أول ما يبتدأ به الصوفي هو التّخلي عن الكراهية والغضب و الحسد و ظلم الناس فعند القوم أن أقبح القبيح صوفي شحيح والتحلي بالإرادة أي ترك ما جرت عليه العادة وتحقيقها بنهوض القلب في طلب الحق سبحانه وتعالى، وأيضا التحلي بالحب الروحي الذي هو أساس جوهري في طريق الصوفية، وقد ذكر زكي مبارك أنه لم ير كلمة شغلت الصوفية كما شغلتهم كلمة الحب، فالتصوف لا يصلح إلا بفضل الحب، فالحب هو الأول والأخير في حياة أولئك الناس، وأغلب الظن أنهم يبدأون حياتهم بالحب الحسي ثم يترقون إلى الحب الروحي، والحب شرط ضروري من شروط الإيمان حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام “لا يؤمن احدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما” فبواسطة المحبة تبلغ المعرفة المباشرة لله وهي المعرفة الروحية التي هي قمة الطريق الصوفي وهي التي توصل الإنسان الى الحب الإلهي الحقيقي، الذي هو مصدر لحب البشر وكل المخلوقات وحب كل الفضائل الإنسانية التي يهدف إليها الصوفي، فالمعرفة والحب هما هدفا الصوفي النهائي.

حسب  الصوفيين لا توجد دنيا واحدة كل شخص هو دنيا في حد ذاته، فهو يكيّف كل شيء موجود حسب فهمه هو وفكره الخاص، فالناس وإن كان عالمهم واحدا إلا أن في كل نفس من نفوسهم عالما كاملا وفي كل عالم من تلك العوالم الكثيرة إله، فنشوء أسئلة حول طبيعة الوجود والغاية من الحياة وغيرها تراود تفكير معظم البشر ولا يمكن ايجاد اجوبة شافية في مستوى العالم المادي، لا يمكن ايجادها سوى داخلك، في هذه المرحلة العالم المادي يعتبر مصدر تشويش وإضطراب لذلك لابد من الإختلاء والإنعزال على الأقل في هذه الفترة، ومجرد أن تتعلم الدروس وترى الحكمة الحقيقية حينها توجد إمكانية أن تعود للعالم بهدف مساعدة الآخرين على إستكشاف إمكانياتهم أيضا،  فهنالك الكثير من القنوات والإذاعات التي تقدر بالآلاف يتم بثها في وقت واحد، وجهازك يستقبلها على حسب استعداد الموجة المضبوطة والمجهّز لاستقبالها، وأجسامنا مثل جهاز الإستقبال بالضبط، والكون من حولنا له أبعاد كثيرة جدا، فعالمنا الذي نعيش فيه على هذه الأرض هو عالم له تردد وموجة، وكل بعد له تردد ومحتوى كامل، محتوى مرئي ومسموع ايضا، ومهارتك هي أن تستطيع ضبط ترددك لإستقبال الموجة المطلوبة وقتها تتصل بهذا البعد، وتدخل في هذا العالم فورا تتواصل معه ويتواصلون معك وتتعلم منهم هكذا هو مدخلهم نحو العلوم اللدنية حسب رأيهم.  

تأثير الفلسفات الصوفية على الفلسفات والعلوم المعاصرة : 

من أهم وسائل رياضة النفس عند أهل الصوفية هي قطع العادات وترك المألوفات بكلام التنمية البشرية المعاصرة ان تخرج من منطقة الراحة Leave the comfort zone وتتحدى نقاط ضعفك، كما يقولون أيضا أن الإنسان مرآة لتجلي الكون، أي كل مذمة ومسبة وقعت عليك من شخص ينبغي لك أن تعرف على الحقيقة بأنك موصوف بها ومستحق لإطلاق ذلك، فإذا قيل لك كلب أو خنزير أو أمثال لذلك فأيقن أن فيك حصة من صفات الكلب او الخنزير او امثال ذلك، وذلك لأن الإنسان نسخة جامعة وكما أن فيه صفات ملكية (فضائل) كذلك هو الحال فيه صفات السبعية والبهيمية، ثم إن المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، كما في قصيدة ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء (اي المريدين) “ولا ترى “يدارت Gدارت” يقدّم فيها مفاهيمه الخاصة للقرآن الكريم يحاول فيها فضّ التوتر عبر تطبيق آخر مستجدات التنمية البشرية التي يحاول هو بذاته إخفاء علاقته بها بل ويهاجمها أحيانا، وعبر تأملات خاصة به هو لا علاقة لها بماهو موجود في التراث الإسلامي الفقهي،

وهو يشابه بهذا المنهج الذي يريد مقاطعة التراث وتقديم خطاب تجديدي منهج الدكتور محمد شحرور، فمحاضرات أمين صبري عبر اليوتيوب هي محاولة تجديدية حسب إعتقاده فله محاضراالعيب إلا فيك معتقدا عيبا بدا بينا لكنه إستترا” كما هو بيت الشعر الصوفي الشهير”وتحسب أنك جرم صغير وفيك إنطوى العالم الأكبر” وفي منطق التنمية البشرية الحديثة أن الانسان أيضا هو الكون الأصغر والإنسان هو إنعكاس لأفكاره إن كانت إيجابية أو سلبية كما هو الحال وفق قانون الجذب، فكلام أهل الصوفية من المسلمين قيل منذ أكثر من ألف سنة والتنمية البشرية الحديثة وعلوم الروحانيات العصرية هي وليدة هذه الفلسفات التي هي بدورها سليلة فلسفات وأفكار ومذاهب قديمة من الشرق الأدنى والشرق الأقصى.

فمثلا طريق المحاسبة عند أهل الصوفية يكون بحفظ الأنفاس وضبط الحواس ورعاية الأوقات وإيثار المهمات، وهذا يشبه تأمل مراقبة الأنفاس وهي إحدى تقنيات التأمل الموجودة في فلسفة اليوغا الهندية وهي من الطرق العصرية للتأمل بالتركيز على الأنفاس تعتمدها علوم تطوير الذات المعاصرة، ويوجد طريق الجوع والصمت والسهر والعزلة وهي من أهم الطرق الصوفية التي يعتمدها المريد أصولها قديمة جدا وهي إحدى الطرق التي كان يقوم بها الغنوصيون حتى قبل وجود الأديان، وهي تعد من التقنيات المهمة الموجودة في الهندوسية والبوذية يتّبعها السّالك حتى يسكن أفكاره ويصل إلى حالة من الصّفاء ثم  الحضور، ومن أهم ما تؤكد عليه التنمية البشرية في العصر الحديث أن يكون الإنسان حاضرا في لحظة الآن وقد أكد على هذا المفهوم اكهارت تول Eckhart Tolle كتابه قوة الآن. فالصوفية منذ ما قبل الأديان (الغنوصية) ومرورها عبر العصور لها أثر عظيم في التأثير على بروز ما يسمى بالتنمية البشرية بمختلف فروعها المختلفة حول إدارة الوقت و تطوير الذات وإدارة العلاقات والأكل الصحي والصحة النفسية، وغيرها من فنون هذه العلوم التي تهتم بالتركيز على حياة الإنسان في حدّ ذاتها وما تواجهة من مشاكل وصعوبات وإيجاد الحلول المناسبة لها.

وأحد أهم أوائل المتحدثين عنه في العالم العربي الدكتور إبراهيم الفقي وهو بدوره وظف بعض الآيات والآحاديث في الدعاية للتنمية البشرية، ونرى مثل هذا النهج كثيرا عند مدربي التنمية البشرية المشهورين في العالم العربي كالدكتور أحمد عمارة، وكان الدكتور إبراهيم الفقي يظهر كثيرا في قناة الرحمة التي هي قناة سلفية (محاولة المزاوجة بين التراث وما يدعوا له من افكار).

فالدكتور إبراهيم الفقي له كتب مشهورة وهو من رواد التنمية البشرية في العالم العربي وله مؤسسة قائمة بذاتها إلى اليوم، وكان من الشخصيات التي أثرت في تكوين الشاب أمين صبري المعروف عنه أنه أصغر مؤلف في مصر ويقول عن نفسه أنه مؤسس علم الديناتولوجي ومؤلف كتاب الطالب العبقري، الذي يعرفه على أنه موسوعة منهجية تطبيقية لكل طالب علم من التلميذ الى الطالب ثم المدرس، الذي قدمه له الدكتور إبراهيم الفقي بنفسه. 

d8a7d8a8d8b1d8a7d987d98ad985-d8a7d984d981d982d98a-d8aad986d985d98ad8a9-d8a8d8b4d8b1d98ad8a9 التعبير عن التجربة الصوفية والتنمية البشرية.... بقلم: علي غرس الله
ابراهيم الفقي

أمين صبري له مؤسسة جت حول علم الأسماء الحسنى، ويقسمها إلى خمسة أقسام منها الرزق والتشافي وللأمان ويقسمها الى أسماء حسنى أصلية وأسماء خاطئة ومزورة ، والصوفية هم أكثر من تناول موضوع الأسماء الحسنى بل يعتمدونها بشكل عملي في سيرهم إلى الله وقطع المنازل والترقي في المقامات،  وفي تناوله لموضوع العلاقة الجنسية فسره أنه لا بد للمرأة والرجل أن يصلا للذروة الجنسية مع بعضهما دون زعزعة ثقتهما ببعض حتى يتّقيا ولا يصابا بالأمراض ويستقبلان أشياء مضرة كالفيروسات وغيرها، عند تناوله الآية “نساءكم حرث لكم فاتو حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا الله واعلموا انكم ملاقون” قال أن الرجل شهوته الجنسية مركزة في الأعصاب المسؤولة عن الجنس التي هي في مكان واحد وهو القضيب لذلك هو سريع الحركة (حركي) تكفيه 3 أو 5 دقائق ليتم العلاقة، أما المرأة فالشهوة الجنسية لديها موزعة على كامل الجسم، لذلك فعندما يعطي الرجل لكل مكان في جسد زوجته حقه ويعطيها إرسال وطاقة في الأماكن المختلفة في جسدها هذا يعتبر “تقديم”  (قدّموا لأنفسكم) ويعتبر تقليب للحرث لأنها هي المستقبل (تمثل السكون) تحتاج ل20 إلى 30 دقيقة لبلوغ ذروتها الجنسية، حيث يقول أنه يلزم أن يكون لك طاقة تناقضك حتى تفهم كيف ستلاقي الله حين يتناول هذه الآية “وقدّموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه”، ويقول في موضع آخر أن الكون منقسم على إثنان المرأة والرجل بتلاقيهما يأخذ كل شخص من الآخر فيفهما أنفسهما، هذا التفسير مشابه لما تقوله فلسفة التانترا وفلسفة الطاو حول الطاقة الأنثوية (اليِن) والطاقة الذكورية (اليانغ) والكيفية التي ينبغي لهما فيها أن يتعاملا مع بعض.

كثير من العلوم التجريبية العصرية مثل كتاب Life after Life للطبيب رايموند مودي  Raymond Moody تتناول مباحث ميتافيزيقية تناولتها كثير من الفلسفات الصوفية سابقا بشكل علمي قائم على أدلة صريحة يثبت فيها حالات الإقتراب من الموتNDE ، وكذلك بروز علوم أخرى مشتقة عن علوم النفس بحث فيها ستيف تايلور بالإستناد إلى السنوات التي قضاها في أبحاثه كطبيب نفساني وعلى تجاربه الخاصة يقدم ما قد يكون أوضح دراسة نفسية لحالة اليقظة التامة أو التنوير فوق كل هذا، إنه يذكرنا في كتابه القفزة (علم نفس الاستيقاظ الروحي) أنها حالتنا الأكثر طبيعية، والتي يمكننا جميعاً بلوغها، في أي زمان، وأي مكان.

أيضا أبحاث الطبيب النفسي مايكل نيوتن الذي لديه خبرة عملية تفوق 25 سنة في كتابه رحلة الروح يتضمن محاضر موثقة لجلسات في التنويم المغناطيسي (Past Life Regression Therapy) تؤكد بأن البشر لديهم القدرة على تذكر وجودهم في العالم الروحي في الفترة ما بين الحيوات الأرضية علاوة على أبحاث الدكتور إيان ستيفنسون Ian Stevenson أستاذ الطب النفسي السابق في كلية الطب بجامعة فيرجينيا والرئيس السابق لقسم الطب النفسي وعلم الأعصاب والذي كرس حياته المهنية في إيجاد ادلة على تناسخ الأرواح حتى وفاته سنة 2007. عبر هكذا تجارب ربما في المستقبل سيزول الكثير من الغموض حول هذا التراث الصوفي الهائل في كافة الحضارات.

المقالة 1 دور المعتزلة في الفكر الإسلامي

المقال الثاني: النهج اصوفي ودوره في الفكر الإسلامي

المقال الثالث: نشأة التصوف الإسلامي وتطوره عبر القرون

المقال الرابع : المنهج الصوفي في المجاز والتأويل

المقال الخامس : التعبير عن التجربة الصوفية والتمية البشرية

دورة التصوف في المدينة الحديثة بأكاديمية تفكير قدمها د. وليد الخشاب

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

0 comments

اترك رد

ندوات