عن توتر القرآن … بقلم: شادي المصري

شادي المصري

69539291_516002292278930_8347095088089792512_n-edited-1 عن توتر القرآن ... بقلم: شادي المصري

يكشف البحث نظرة كاتب المقال في كيفية الخروج من الأزمة التي تواجه قارئ القرآن حين التعامل مع التفسيرات والتأويلات التي يشوبها الكثير من الاضطراب والتناقض، بين ما هو عقلي إنساني وبين ما يُفهَم بطريقة خاطئة نظراً لعوامل تاريخية وثقافية وبنى معرفية ولغوية تسببت في عمل إشكاليات لا تتناسب مع عصرنا الحالي بل وتجعلنا في موضع الإتهام الدائم لما نحن عليه من مفاهيم غير عقلانية أو إنسانية في بعض الأحيان!

وكاتب المقال يبني على ما ذكره صاحب كتاب ” توتر القرآن ” من توصيف لسبب تلك الأزمة التي نعيشها في عالمنا العربي، وكيفية الخروج منها بالنظر لهذا النص المقدس لدى ما يقرب من 2 مليار مسلم، ويكون سبباً قوياً في الإصلاح الديني بإعادة النظر في الأسس المعرفية لإستنباط مفاهيمه وأفكاره وتجديد بل ووضع قواعد جديدة خاصة بنا تقوم على العقلانية والإنسانية، والنظر إلى التراث نظرة تاريخية لا تعدوا وقتها ولا تتجاوز وتتعدى إلى عصرنا الحالي، وعدم الخشية من فتح باب الإجتهاد مرةً أخرى والدعوة إلى تعددية الرؤى بكل حرية وبصورة تحترم حق كل فرد في قراءة هذا النص وعدم احتكار مجموعة معينة له وإستخدامه كسلطة لقمع الحريات!

عرض الكاتب المتميز جمال عمر في كتابه “توتر القرءان” المشكلات التي واجهت المفسرين في محاولات منهم للتخلص من التوتر الحادث الذي قد يصيب القارئ من الوقوع في ما هو يشبه بالتناقض والتعارض ما بين المفردات والكلمات والآيات والسور القرآنية مع بعضها البعض، وبين ماهو سائد من وقائع تاريخية وروايات وأحاديث منسوبة للنبي كوحي موازٍ ونصوص أخرى تتفاعل مع النص الأصلي ( المصحف ) !

d8acd985d8a7d984 عن توتر القرآن ... بقلم: شادي المصري
جمال عمر

وتناول بحثه جميع الجهود الحثيثة المتوالية منذ العصر العباسي إلى يومنا هذا، بتوصيف المناهج الفكرية المتميزة في طريقة عمل واستنباط المفسر ومنهجه في بناء قواعده المعرفية لتأويل النص بغض النظر عن ما توصل إليه من نتائج، كي يضع يد القارئ على كيفية عمل العقل العربي في التعامل مع مناهج البحث في قراءة النصوص.

‏ فلذلك أحببت أن أبدي بعض المحاولات التي قد تضاف إلى كتاب توتر القرآن، لعلها قد تسهم في عرض المزيد من نقدي للموروث، وبيان المأزق الذي وضعه التراثيون لأنفسهم في التعامل مع هذا النص مما زاد من حدة توتره بدلاً من تخفيفها وتهدئتها !

أولاً: ان الاعتماد على الروايات التاريخية في نزول وجمع المصحف في زمان ومكان وبيئة جغرافيه معينه يجعل القارئ محصور في إطار معين لا يستطيع الخروج منه بل ويجعله يركز على دراسة تلك المرحلة اجتماعيا وثقافيا لعله أن يجد ما يشفي غليله في فهم تلك النصوص التي نزلت في هذا الزمان وهذا المكان وأسباب ومسببات نزولها !

فلماذا يفترض أن هذا النص نازل في هذا التاريخ مع أن النص نفسه لم يذكر ذلك؟ ولماذا نتقيد بدراسة بيئية زمانيه ومكانيه معينة في حين أن هذا النص يمكن أن يكون نزل قبل ذلك الزمن او كما قد يقول البعض قد يكون قائل النص وهو الله سبحانه جل وعلا كلامه خارج الزمان وخارج المكان، بمعنى أنه يخاطب كل إنسان في أي زمان وأي مكان لأنه يحيط بكل شيء والحق مطلق. أما الزمان والمكان هو نسبي فيمكن ان يكون خطابه هذا يشتمل ويمتد إلى كل إنسان في كل زمان ومكان، كنص من نصوص الحكمة التي لا تنحصر وتضيق عن الغايات السامية والإدراكات العميقة وتتنزه عن السطحية في أطروحاتها وتوجيهاتها.

وبما أن النص هو كلام الله فهو يحمل صفات الذات الالهية التي هي أزلية في القدم ابديه في الاستمرار وهي كنصوص الحكمة النظمية التي تتجاوز الزمان والمكان والأشخاص والحوادث، فهو خطاب يصلح للانزال أو الإسقاط على الواقع المعاش حالياً وفي كل زمان ومكان بما يثبت أنه نص حي حيوي ديناميكي وليس مختص بقومية وبيئة زمانية أو مكانية معينة.

فالاعتماد على روايات وأحاديث خارجة عن النص الأصلي ليس من الموضوعية في النقد والبحث، بل ينبغي محاكمة ونقد هذا النص بما هو فيه وسياقه الداخلي وليس السياق الإصطناعي المنسوج نسجاً من وحي خيال بشري جاء بعد عدة قرون من عصر التنزيل مما يجعلنا أن نشكك في مدى مصداقية السياق التاريخي الموضوع لهذا النص، والزعم الغير تاريخي وغير العلمي لفرض زمان ومكان وأقوام معينين، وحصر هذا النص عليهم بما يجعل القارئ محصوراً في مشاهد وأزمنة وأمكنة محددة يصعب معه التنصل منها حين قراءة النص فيقيد ملكات التفكير للإستفادة الآنية والواقعية على القارئ المعاصر!

d8a7d984d982d8b1d8a7d986-d8a7d984d983d8b1d98ad985 عن توتر القرآن ... بقلم: شادي المصري

وعلى الأكاديميين والمفسرين والنقاد أن يدرسوا هذا النص مجرداً وبعيداً عن كل تلك النصوص والأطروحات والتأويلات التي حامت حول النص وألقت بشبهاتها عليه بل وأصبحت تمثل الركيزة الرئيسية التي نبني عليها رؤانا وتصوراتنا بدلاً من رفع تلك القواعد من البيت التراثي وإزالتها بالكلية وخلع ما علينا من موروث وحجاب جمعي غطى على كل تلك الأنوار الساطعة، وفي نفس الوقت النظر إلى ذلك التراث على أنه  يمثل الأرضية المعرفية لهم وهي  اجتهادات خاصة بعصور سابقة مضت وتولت إلى غير رجعة، وعلينا نحن أن نجتهد أيضاً لعصرنا كما اجتهدوا هم لعصرهم ولا نأكل التراث – المعرفي والفكري – أكلاً لمّا  ثم نتجشأ ونقول ” إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ” !!

d8b3d8a7d8add8a9-d8acd8a7d985d8b9-d988d8acd8a7d985d8b9d8a9-d8a7d984d8a3d8b2d987d8b1-1928-d8a7d98ad981d8a7d986-d98ad8a7d983d988d981-d984d981d98ad8aad8b4-d8a8d98ad984d8a8d986 عن توتر القرآن ... بقلم: شادي المصري

وأزعم أن الأقدمون كانوا ينظرون إلى هذا النص أنه قصصي فني رمزي، ولذلك كانوا يتعاملون معه بأريحية وبنفس الطريقة التي يحاكيهم هو بها.. فيحاكونه ويحاكون أنفسهم وينسجون قصصاً وإضافات وحبكات درامية للتشويق والإثارة كنوع من أنواع التسلية والسمر من وحي خيالهم الخصب وخدمةً لأغراض ومصالح يريد القاص ( كابن إسحاق في سيرته ) والزهري – الذي كان يعمل في بلاط الحاكم – كوسيلة إعلام خاصة بنظام الحكم في ذلك الوقت وأبواقاً تعكس البيئة الثقافية والفنية والإجتماعية والسياسية لهم ليس إلا ثم إذا بنا ننظر لهم بعد مضي وقت بعيد بنظرة مقدسة معصومة وكأن كل ما قالوه خرج من فم إله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟!!

ونصوص الحكمة في الغالب الأعم تتجاوز الزمان والمكان وتخاطب نفس الإنسان وتترقى به ولا تغوص في تفاصيل حياته ودقائق معاشه بل يغلب عليها طابع التوجيهات العامة والهدي الإنساني الذي يصعب على البشرية أن تختلف عليه على اختلاف ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم بل هي تحترم تلك الخصوصيات وفي نفس الوقت ترتقي بالحريات والعقلانية والإنسانية وتخاطب الوجدان وتقاوم الزيف والكذب والخيانة والوهم والخرافة كي لا تتملك من الإنسان وتجعله يتملك نفسه ويتحكم بها ولا يخضع لغيره أو أن يكون عبداً لأحد كائناً من كان سوى عقله وإرادته الحرة !

عامل آخر:

وبالانتقال إلى عامل مهم آخر، أثر تأثيراً بالغاً في زيادة التوتر والاضطراب في فهم هذا الكتاب؛ وهو اللغة العربية التي وُضِعَت قواعدها وأسست مناهجها وفسرت معاجمها مفردات هذا النص، وهذا ما فعله سيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي في توصيف اللغة التي تحمل في طياتها الحالة النفسية والمزاجية والثقافية والعادات والتقاليد والأعراف وتُسقِطها إسقاطاً متعمداً بقصد أو بدون قصد على كلمات القرآن الكريم. فهل من الموضوعية أن تكون لغة العصر العباسي التي جاءت بعد عصر التنزيل بعدة قرون أن تعبر عن المعنى المراد في عصر التنزيل؟!! وهل نحن ملزمون بدلالاتهم التي استخدموها إصطلاحاً مع أنفسهم وتوافقوا عليها ؟!! وهل يتم التعامل مع مفردات القرءان بطريقة ظاهرية حرفية تتطابق فقط مع تلك الدلالات والمعاني التي وضعها صاحب المعجم وهو يعلم تمام العلم أنها مفردة مذكورة في المصحف ولم يكن غافلاً حين وضع لها ذلك المعنى بل أزعم أن تلك المعاني جاءت بالتحريف كما حدث بالضبط مع الروايات والأحاديث في التلاعب بها بزعم أن نياتهم ومقاصدهم حسنة فلا حرج في ذلك ؟!! فهل سنظل أسرى تلك الدلالات والمعاني التي فرضوها علينا فرضاً ؟!! هل هؤلاء البشر معصومون ١٠٠٪؜ بحيث لا نستطيع الخروج من تلك الدلالات التي لا تتناسب مع ثقافتنا الحالية وتخالف العقل والمنطق بل وتنتهك الحريات والقيم الإنسانية العليا؟!!

لماذا لا يكتفي الدارس لهذا النص بسياقه الداخلى ويكتفي بطريقة إستخدام قائله للحرف والكلمة والمفردة والجملة والعبارة كما يدرس النقاد أسلوب وطريقة أي كاتب لنص أدبي وأسلوبه الخاص المتفرد في التعبير عن أفكاره؟!! هل من الموضوعية أن يخضع قائل النص للمتلقي وللناقد بحيث أن يزعم القارئ والمفسر أن ما فهمه هو مراد الكاتب وكأنه يعلم ما في نفس القائل ومطلع على الغيب وما بين السطور والصدور ؟

 لماذا ندعي اليقين والعلم الكامل المطلق في أمور تكاد أن تكون نسبية تختلف من شخص لآخر ؟ لماذا نريد أن نؤطر الناس في إطار واحد موحد ونتسلط عليهم ونتحكم بهم بزعم أننا نمتلك الحق المقدس والحقيقة المطلقة ؟ لماذا لا نحترم التعددية وحق كل إنسان المطلق في تحديد خياراته ومفاهيمه طالما استنبطها هو باجتهاده ولم يفرضها على أحد سواءاً كانت مطابقة للآخر أم مغايرة عنه ؟ 

هناك سامريون في كل عصر يأخذون قيم الحق والعدل والحرية والرحمة كقيم إنسانية عليا مطلقة ويحصرونها ويضيقونها في عجالة (عجل) بالتجسيد فتصبح صغيرة ضئيلة.. نعم لها خوار وأبواق تنعق بها ولكنها خواء لا قيمة فيها لأنهم سطوا على معانيها العميقة بصورة سطحية هزلية مقيتة، وهذا ما حدث بالضبط مع النص القرآني بإلقاء وإسقاط معاني جنسية تعبر عن هواجسهم وهلاوسهم النفسية حينها وجعلنا نتعبد مثلاً بإزدراء المرأة وانتقاص حقوقها بل وضربها وقتل نفسها معنوياً بصورة أكثر بشاعة من قتلها جسدياً، ويحرفون ويحولون المعاني والدلالات المعنوية المعرفية الرمزية القيمية إلى تماثيل وأصنام بتجسيدها في ماديات إسمنتية تُخرِج النص من جزالة أسلوبه الحكيم الرصين إلى سطحية وضئالة ثقافة الأعراب الهمجية في ذلك الوقت !!!

ولذلك أرى أن الكاتب جمال عمر ساهم إسهاماً غاية في الأهمية في وضع توصيف لمناهج التأويل وكيفية وطريقة تفكير من تناولوا واهتموا بهذا النص، وأزعم أنه ساهم بطريقة غير مباشرة في الخروج بحلول للأزمة التي يعيشها العقل العربي في بنائه المعرفي القائم على الاجترار، وكما يقولون بداية التغيير هو أن نقتل القديم بحثاً وفهماً ودرساً – وهذا ما فعله الباحث والمفكر والناقد جمال عمر – كخطوة أولى بارعة ثم نقتله مرة أخرى باجتناب ما لا يتناسب معنا الآن ونقرأ القراءة الآنية ( آن ) بأدواتنا ( الآن ) ثم ننتج ما يفيد أمتنا وحضارتنا الإنسانية العظيمة ونعلي من قيم الحق والعلم والمعرفة والعقلانية والحرية والعدل والرحمة لكل من على ظهر هذه الأرض الطيبة.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات