نقد لاهوت الدين والتدين في مؤمنون بلا حدود
إن عبد الجواد ياسين يرى أن الإشكالية في حياتنا هي المذهبية سواء فقهية أو عقائدية، وفي الموقف من الحداثة حيث أن هناك تناقض بين النظام الديني الآتي من التراث وبين النظام الاجتماعي الذي نعيش فيه الآن والأفكار التراثية لكل منا.
كتبت
نتاشا العبادي

قدمت مؤسسة مؤمنون بلا حدود يوم السبت السابع من سبتمبر 2024 الساعة الثامنة مساءا ندوة فكرية تكريمية للمفكر المستشار عبد الجواد ياسين بعنوان مسيرة المستشار عبد الجواد ياسين الفكرية، يدير الندوة الدكتور حسام الدين درويش.
في هذا الجزء من الندوة
– الباحث جمال عمر مصري، يعيش في نيويورك، وعمل على فكر الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد وله عدة مؤلفات: أنا نصر أبو زيد، هكذا تكلم نصر أبو زيد، مهاجر غير شرعي.
– دكتور عبد الباسط هيكل باحث وأكاديمي مصري، متخصص في بنية الخطاب الديني، ويعمل أستاذ العلوم العربية وآدابها بجامعة الأزهر.
مداخلة الباحث والكاتب جمال عمر
حول نقد خطاب عبد الجواد ياسين: “مقدمة في نقد لاهوت الدين والتدين” تشير إلى السياق التاريخي الذي شكل هذا الخطاب، حيث يتناول التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية في القرن التاسع عشر، عندما تفاجأت بالحداثة التي جاءت على ظهر بارجة بشكلها الاستعماري أو شكلها الفكري في الاستشراق وكانت رد الفعل على هذا الخطر وذلك التحدي. يرى جمال عمر أن بعض الأصوات، مثل محمد عبده الإصلاحي، ترى أن المشكلة ليست في الإسلام نفسه، بل في كيفية فهم المسلمين لهذا الدين. هذه الرؤية تبرز الثنائية بين الثابت (الإسلام كمعتقد) والمتغير (فهم المسلمين وتطبيقاتها)، وهذه الثنائية مستمرة في الخطاب المعاصر، كما يظهر في رؤى مختلف المفكرين.

على سبيل المثال، يُشير جمال عمر إلى ياسين الذي يطرح الثنائية بين الدين والتدين في كتاب الدين والتدين وفي متن الكتاب نجد الديانة، وإلى مفكرين آخرين مثل محمد شحرور الذي يميز بين (الكتاب والقرآن)، وثنائية عبد المجيد الشرفي ( إسلام الرسالة وإسلام التاريخ)، وعلى مبروك الذي يميز بين (الإجرائي والتأسيسي) ، وأيضًا نصر حامد أبو زيد في بداياته كان له دور في بروز هذه الثنائية ( المعني و المغزي).
يؤكد جمال عمر أن قيمة المستشار عبدالجواد ياسين أن خطابه خطاب متحرك فعندما تتكلم عن عبدالجواد ياسين لابد أن تقول متى؟ وأين؟ فهو مر بمراحل وما زال ما بين الدين والتدين، السلطة والإسلام ومراحل الجاهلية، والآن اللاهوت، وبالتالي قيمة ياسين في فعل التفكير الذاتي النقدي المستمر وليست فقط مع الأفكار المطروحة للأمور النقدية.
إن عبد الجواد ياسين لا يتفاعل مع الأطروحات التي تمت في الفكر العربي خلال القرنين الماضيين، وكأنه يقول أنا أصنع طريقي، ويحاول تفادي الصدام والسجال ونقد الآخرين.
إن تعامل ياسين مع الإشكالية وبعد أن وجد هناك إشكالية مع السلطة التي تستخدم حتى في مرحلته السلفية حاول مواجهة هذه السلطة، انه استلهم من التراث ابن حزم في خطابه، وإيمانويل كانت من جانب آخر، انتقال ياسين من المرحلة السلفية إلى المرحلة المعاصرة يجسد تحوله الفكري.
حيث يتمثل تعامله مع الإشكالية في عدة نقاط رئيسية منها:-
١- على نمط إسلام الرسالة وإسلام التاريخ أنه هناك جوهر للدين استخدامه لبعض الصفات الإلهي، مطلق خارج الاجتماع، أزلي مؤبد وغير قابل للتعدد
وهناك تدين بشري، فهو يُفرق بين مرحلة التأسيس مرحلة نزول الوحي وما ترتب بعد ذلك وفي كتاب الدين والتدين وجد أن القرآن أيضا به ما هو اجتماعي إنساني وبه ما هو إلهي مطلق، فهو سعي للبحث عن جوهر الدين المحض واستخدامه لكلمة محض واختصار الدين المحض في الإيمان بالله أي التوحيد في معناه البسيط الحدسي ليس التوحيد الذي طرحه علم الكلام وفي الأخلاق الكلية.
٢- إشكالية عبد الجواد ياسين جعل مشكلة القدماء أنهم طابقوا بين النص والمطلق وأن كل ما هو مذكور في النص عندهم يُصبح مطلق وكأن ياسين يقول لهم أنكم لم تحسنوا قراءة النص لأن به جانب اجتماعي وجانب مطلق فهو بين التراثيين وبين الذين ينظرون للدين أنه منتج بشري إنساني ابن الاجتماع، فهو يحاول التوفيق بينهما وهذا هو “الحذر” الذي أشار إليه دكتور صابر السويسي.
٣- الأستاذ عبد الجواد ياسين في كتابه اللاهوت في باب اللاهوت الإسلامي فهو يعرب لهم أنه ناقد من داخل الإيمان ويدافع عنه ويبحث عن الإيمان المحض وأنه يبحث عن اللاهوت من النص .
٤- إن عبد الجواد ياسين يرى أن الإشكالية في حياتنا هي المذهبية سواء فقهية أو عقائدية، وفي الموقف من الحداثة حيث أن هناك تناقض بين النظام الديني الآتي من التراث وبين النظام الاجتماعي الذي نعيش فيه الآن والأفكار التراثية لكل منا.
٥- إن عبد الجواد ياسين ينطلق من أن الأشعرية في العقيدة والشافعية في الفقه هي الإشكال وسيطرة الدولة أو السلطة على الخطاب الديني هي السيطرة التي ورثها الخطاب الفقهي، ويحاول تفكيك هذه المنظومة فيجعل الأساس لعلم أصول الفقه وتأثيره، وهناك رؤية أُخرى ترى أن علم الكلام هو الذي أسس ووضع المفاهيم التي قام العقل الذي ساد عند المسلمين وبنيت عليه كل المنظومات الفقهية فيما بعد.
إن عبد الجواد ياسين و هو يشرح الأشعرية يعتمد على كتابات الجويني و ابن عساكر و ليس على كتابات مؤسس الأشعرية ذاته وهو يتعامل مع القرآن بتجنب كل التراث التفسيري والروائي السابق، و يتعامل مع القرآن بقراءة شخصية مباشرة ويقدم تفسيره هو و يقرأ القرآن في ظل أحداث السيرة وأحداث السيرة ذاتها ومروياتها منقولة بالسند و بالرواية.
وعندما يتعامل مع الشافعي يقول ماذا فعل الشافعي ولكنه لا يتعامل مع كيف فعل الشافعي ما فعله ؟ ولماذا ؟ وما هي الأسس اللاهوتية التي بنى عليها الشافعي منظومته؟ .
عبد الجواد ياسين ينطلق في مشروعه الفكري من موقف إنساني حديث، حيث يسعى لتقديم إجابة للمسلم المعاصر بعيدًا عن التصنيفات المذهبية مثل السني أو الشيعي. هدفه هو صياغة رؤية إسلامية تتوافق مع معطيات العصر الحالي، وفي نفس الوقت تتفاعل مع التراث الديني والفكري الإسلامي.
الإشكالية التي تظهر في خطاب ياسين تكمن في الحضور الدائم للسياسة والدعوية في خطابه، لكن عبد الجواد ياسين يوجد به جزء تطهري، ربما من التجربة التي مر بها، وهذا لا يمكِّننا من تكوين وعي علمي بالتراث.
مداخلة الدكتور عبد الباسط

هيكل عن التجديد وحركة الاجتماع، ولماذا لا يعول عبد الجواد ياسين على دعوات تجديد الخطاب الديني؟
الدكتور عبد الباسط هيكل في تحليله للتجديد يعتبره “ظاهرة كونية” تتجاوز حدود الزمن والثقافات، وترتبط بشكل عضوي بحركة الفكر والتقدم الحضاري. عندما تكون الأمم في حالة تراجع حضاري، كما يوضح، يحدث نوع من الجمود في المفاهيم والمعرفة نتيجة لجمود العقل. هذا الجمود يؤدي إلى صعوبة في إنتاج المعرفة والتداخل بين المفاهيم، مما يعوق حركة التجديد والتطور.
ما يقوله الدكتور عبد الباسط هيكل في هذا السياق يشير إلى أن التجديد، رغم تداوله في الخطاب الثقافي والديني، يظل مجرد فكرة أو “رد فعل” مؤقت إذا لم يتحول إلى “حراك” أو فعل اجتماعي حقيقي. بمعنى أن التجديد لن يكون فعالًا أو حقيقيًا إلا إذا كان نابعًا من حراك اجتماعي عميق.
في مشروع عبد الجواد ياسين، يركز بشكل خاص على أن التجديد الحقيقي يعتمد على وعي المجتمع وليس فقط على إرادة السلطة السياسية. ياسين يرى أن عملية التجديد لا يمكن أن تكون مستدامة إذا كانت مفروضة من الأعلى أو مقتصرة على سياسات الدولة، بل يجب أن تنبع من وعي اجتماعي حقيقي وفهم عميق التحولات الحضارية والثقافية.
إن عبد الجواد ياسين يعزي فشل محاولات التجديد لعدة عوامل هي :-
1- ضعف التطور الاجتماعي: عندما يكون المجتمع في حالة ركود أو عدم تطور، يصبح التجديد غير مؤثر أو محدودًا. أي تجديد يحدث في ظل غياب تطور اجتماعي .
2- التطور الاجتماعي البطيء: البطء في التطور الاجتماعي لم يخلق الضغوط اللازمة على الفكر الإسلامي التقليدي. الفكر الإسلامي، الذي يحكمه التيار الحرفي (الذي يعتمد على التفسير النصي الحرفي دون الاجتهاد أو التجديد)، لم يواجه تحديات حقيقية تدفعه للتجديد والتطور،نحن أمام حالة سلفية شديدة الحضور، وتم تجميد هذا العقل، وأصبح ناطق بتلك الحالة السلفية.
القبلية والعشائرية، ولم تصل بعد إلى مفهوم الدولة الحديثة على الرغم من إدعاء ذلك.
٣- تأثير المثالية اليونانية على العقلية العربية، والتي سبقت المنهج التجريبي الذي نعرفه في العلوم الحديثة. (هذا يعني أن العقلية العربية لا تزال تعاني من هيمنة التفكير المثالي الذي يميل إلى الانفصال عن الواقع الحسي والتجريبي).
٤- لن يكون هناك تجديد دون تغيرات في الفكر الديني الذي يواجه تطورات محدودة في ظل حالة التوتر والالتفاف عليه وتوظيف آليات الماضي المعرفية ولا تجيب على أسئلة الواقع. فهي تحدث حراك محدود.
ينتقد المستشار عبد الجواد ياسين فكرة تحميل المؤسسات الدينية فشل التجديد ويتهمها بالعقبة ويرى أنه لا توجد جامعة لها تمثيل الإسلام تملك صلاحية إقرار تعديلات وتجديدات هيكلية وافتقارها لتفويض نصي لتمثيل الديانة ولا تحظي بقبول جامعي في المحيط الإسلامي المنقسم أصلاً مذهبياً وسياسياً ونعيش تحت ضغوط مزدوجة بين الطرح الأصولي والطرح الحداثي ولكنه لا يعفيها من التناقض، ويقول الدكتور عبد الباسط هيكل أن المستشار عبد الجواد ياسين لا يعول على الحركات الأصولية لموقفها المضطرب العاجز وتجاربها العملية التي كشفت عن عدم جدية تعاطيها مع القضايا الإصلاح الفكري.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد