حواديت الشارع يحكيها المصورون .. بقلم: أكمل صفوت
بقلم: أكمل صفوت
طبيب استشاري علاج الأورام بمستشفى جامعة أرهوس بالدانمرك ومن المهتمين بالفكر الديني والإسلام السياسي وهموم المصريين في المهجر.

أنا من المؤمنين بالاتصال العميق بين الفكر والفن. علشان كده كان بالنسبة لي شيء طبيعي إن أنشطة “صالون تفكير” (المهتم أساسا بقضايا الفكر والدين) تتسع بشكل تلقائي علشان تشمل أنواع مختلفة من الفنون فيبقى فيه نادي للمسرح ونادي للكتاب ونادي للقصة.
لفت نظري إن أنشطة الصالون المرتبطة بالفن ينقصها نشاط مهتم بالفنون البصرية زي الرسم أو النحت أو التصوير الفوتوغرافي. فكان الهدف الأول من برنامج ”حواديت الشارع“ إنه يعرف أعضاء الصالون على الجوانب المختلفة لفن التصوير الفوتوغرافي من خلال لقاءات مع عدد من المصورين المتميزين يتكلموا فيها عن شغلهم ويعرضوه علينا.
اختياري للتصوير الفوتوغرافي تحديدا كان له أكتر من سبب أولهم هو حبى للتصوير الفوتوغرافي وإحساسي إنه فن مغبون الحق مش كل الناس مدركة لإمكانياته وروعته. السبب التاني هو إنه تقريبا الفن الوحيد حاليا اللي مصر ليها فيه مكانة عالمية مرموقة بفضل موهبة عدد كبير من الشباب والشابات اللي صورهم بتتعرض في أهم المعارض وأعرق المتاحف في كل القارات.
عملنا لقاءات مع ٥ مصورين لكل واحد فيهم تجربة فريدة وأسلوب خاص ومتميز، وزاوية مختلفة بيبص منها على الفن وعلى الحياة.

اللقاء الأول كان مع المصور أحمد منصور اللي بدأ التصوير سنة ٢٠١٩ لكن وبالرغم من خبرته القصيرة إلا ان إبداعه وموهبته خللت مجلة زي “ناشيونال جيوجرافيك“ تستخدم صوره. شغف أحمد بالتصوير اخده من دراسة الهندسة وخلاه يجرب أنواع مختلفة من فنون التصوير، تسجيلية وتجارية وبورتريهات وفيديوهات لكنه اختار يشاركنا بمجموعة من صور اخدها في الشارع وفي المواصلات وفي رحلاته لقريته ولبيت جدته. صور أحمد حادة الذكاء وجميلة جدا بصريا. كل صورة لوحة صعب تصدق انها متصورة بموبايل وان تكوينها وتوزيع ألوانها مش متحضر ويظهر ان دراسة أحمد للهندسة خليته يستخدم زوايا ومناظير غير تقليدية، مثيرة ومحفزة وفي أحيان كتير، طريفة جدا. كمان كل صورة لأحمد عمل فني مستقل. صور أحمد مابتحكيش حكايات لكن بتخليك تفكر يا ترى إيه القصة اللي ورا الصورة.



اللقاء التاني كان مع المصورة والفنانة التشكيلية هبة خليفة اللي أخدتنا في سكة تانية وعرفتنا على أسلوب مختلف تماما عن أسلوب أحمد منصور.
بعد ماشفنا العالم من خلال عدسة شاب صغير في السن، شفناه من خلال عين امرأة ناضجة وأم. من عين بتستكتشف وبتجرب، لعين أصبح لها أسلوب ومنهج بيميزها. من عين مهندس مغرم بالتكوين والسيميترية والتأطير لعين فنانة تشكيلية بتأسرها الألوان وفوضى الأشكال وسيرياليتها. من عين بتبص للعالم اللي براها وبتلقط الصورة اللي بتكونها الأشكال والنور والظل زي ماهيا، لعين بتبص جوه نفسها وبتصور مشاعرها ومشاعر ستات كتير زيها. المشاعر اللي بيشكلها الماضي والتجارب والألم.
في لقاءنا مع هبة خليفة اتعرفنا على الصورة كمكون في لوحة تشكيلية. لأن الصورة عند هبة مش النهاية لكن البداية، هي لوحة الكانافاه، أو جزء من الكولاج. علشان كده هبة بتشتغل في الأستوديو/المرسم لكن صورها بتحكي حواديت الشارع. الحواديت اللي ستات كتير شايلينها وبيتحركوا بيها من سكات.
أهمية شغل هبة هو قدرتها إنها تظهر وتصور وتتعامل بشجاعة مع كل ما هو غير مرئي، هبة بتصور المشاعر المكبوتة، بتصور الندوب اللي في الروح، وبتصور الأثر الباقي لعذابات الماضي.



اللقاء التالت كان مع علي زرعي واتعرفنا من خلاله على فن التصوير الوثائقية.
علي مهتم بالتحولات في حياة البشر وبفكرة الترحال وده اللي خلاه يشتغل على مشروعه الوثائقي الطويل المدى مع البدو الرحل في مصر من سنة 2015، واللي حوله إلى فيلم وثائقي على شبكة الإنترنت. علي زرعي عرفنا على جوانب المشروع الكتيرة وعلى قصصه المصورة المستقلة الملضومة مع بعضها بخيط واحد هو علاقة المصور الشخصية بالبدو وبحياتهم.
ولأن علي مهتم بالوسائط التفاعلية والمعارض العامة، فكلمنا كمان عن برنامج “سفينة ٧” اللي بيوفر مساحة للمناقشات الجماعية النقدية متعددة التخصصات حوالين التصوير الفوتوغرافي والفنون البصرية في مصر. شغل علي مهم للدراسات الأنثروبولوجية سواء عن البدو الرحل أو الخاصة بتتبع التغيير في المدينة من هدم وبناء وتهجير. بس لأن عين علي حساسة فصوره بتدخل جوا الناس وبتوثق تأثير التغيير ده على علاقات الناس وحياتهم بعمق وإنسانية.



اللقاء الرابع كان مع روجيه أنيس اللي اشتغل مع جرايد ووكالات أنباء عالمية كتير واشتغل كمان مع منظمات دولية زي اليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وأعماله اتعرضت في مصر وفى متاحف كتير في العالم.
الحوار مع روجيه دار حوالين القصة الصحفية المصورة وشفنا نماذج من قصصه عن جنينة الحيوان وعن الجواز وعن دولاب الملابس لستات كتير وأخيرا شغله الأخير عن المياه والأنهار باعتبار إنه المدير الفني والمؤسس المشارك لمبادرة “نيل كل يوم”، اللي بتمكن رواة القصص المرئية في دول حوض النيل من سرد القصص المرئية عن النيل والميه في بلادهم. قصص روجيه المصورة كأنها مزيج من شغل هبة خليفة وعلي زرعي لأنها مزيج من الخاص والعام، قصصه ممكن تبدأ بالشخصي زي هبة لكنها مربوطة بالواقع المعاش وبالعام بشكل أقرب لشغل علي زرعي. صور روجيه بتجمع بين القيمة الخبرية والجمال البصري والتقنية العالية.



آخر حلقات حواديت الشارع للموسم ده كان مع شخصية تعتبر من أهم المصورين/المصورات الصحفيين في مصر، وأكثرهم خبرة وأغزرهم إنتاجا، رندا شعث واللي تعتبر أستاذة وأم روحية لكتير من مصورين مصر الشباب الحاليين.
رندا شعث اتولدت لأب فلسطيني وأم مصرية. حصلت على بكالوريوس في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وماجستير في الإعلام المرئي من جامعة مينيسوتا. اشتغلت مصورة لوكالة فرانس برس في مصر وغزة، ولصحيفة الأهرام ويكلي. وكمصورة ومصممة لكتب الأطفال في دار الفتى العربي للنشر، وكمحررة مشاركة لمجلة زوايا. رندا هي اللي أسست وترأست قسم التصوير بجريدة الشروق المصرية لسنين طويلة.
رندا كانت كريمة معانا وفتحت لنا أرشيفها العظيم اللي عملته في حياتها المهنية الطويلة والغنية وشاركتنا صور من مشاريعها في فلسطين والقرى النوبية وصور الحياة اليومية في المدينة، في الشوارع وأسطح البيوت، وفي جزر النيل المنسي. شفنا بورتريهاتها لشخصيات عامة فنية وسياسية كتير وصورها اللي وثقت لأحداث سياسية مهمة وسمعنا حكايات الكواليس ورا كل صورة وبورتريه وشفنا أسلوبها ازاى بيتطور وبيتغير وهي بتتحرك بين أنواع التصوير من الفني للخبري للوثائقي للبورتريه للقصة المصورة.
رندا اختارت تقدم لنا بالأساس صور أبيض وأسود متصورة على أفلام تقليدية وده خلق إحساس اننا بنشوف صورة بانورامية وشهادة على آخر تلاتين سنة في مصر. على خلاف المصورين التانيين اللي كل واحد فيهم أخد جزء من صورة رندا الكبيرة دي وعمل عليها زووم وبين لنا فيها تفاصيل ماكانتش باينة.
الشيء المشترك بين الكل كان إحساس طاغي بضرورة توثيق واقع بيتغير ويتبدل وبيختفي بسرعة وقسوة. علشان كده ماكانش صدفة إن آخر حاجة نشوفها كان فيديو كليب عملته رندا لصور أخدتها لشوارع القاهرة وناسها على خلفية من أغنية ويجز اللي بتقول ..”في راسي مدينة شوارعها ذكريات”….


لمشاهدة تسجيلات الموسم الأول من “حواديت الشارع … مع أكمل” اضغط الرابط التالي:
حواديت الشارع … مع أكمل
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد