الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين … بقلم: جمال عمر
من أهداف الاتحاد الأساسية “بيان موقف العلماء من الأحداث المهمّة”، ففكرة اتخاذ موقف هو عمل سياسي بامتياز.….
بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير

-1-
كانت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على برجي التجارة في نيويورك، وما تبعها من إعلان أمريكا حربها على “الإرهاب”، وغزو أفغانستان والعراق، حدث مفصلي آخر، وإن كان تنظيم مثل تنظيم الإخوان المسلمين في بدايات التسعينات وبعد انهيار معسكر الاتحاد السوفيتي وحرب البوسنة والهرسك…. إلخ حاول التنظيم بناء تنظيم دولي للجماعة، فيمكن أن نقول إن اتجاه “الإسلام دين ودولة” حاول عمل تنظيم دولي. فإننا في بداية الألفية وبعد انهيار برجي التجارة، حاول تيار “الإسلام دين وأمة” أن يكوّن تنظيم دولي تحت عنوان “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”.

في ظل إمامة الشيخ محمد سيد طنطاوي (1928 – 2010) للأزهر عام 1996 بعد توليه دار الإفتاء لمدة عشر سنوات، جسد طنطاوي دور للأزهر كمؤسسة تابعة للدولة، وبعد بها عن ممارسة السياسة إلى حد كبير، فكان رد فعل تيار “الإسلام دين وأمة” أن يحاول أن يرث هذا الدور من خلال فكرة مجلس إفتاء أوروبي، يفتي الأقليات المسلمة في الغرب في الأمور التي تشغلهم.
ثم تطور الأمر لإعلان اتحاد عالمي لعلماء المسلمين، وكان انطلاقه من أيرلندا الشمالية وتمركز له في قطر، حيث يقيم الشيخ يوسف القرضاوي (1926 – 2022)، الذي تمت المحاولات لتصديره ليملأ الفراغ الذي تركه موت الشيخ محمد الغزالي (1917 – 1996).
كتصور لإنشاء “جهة علمية شرعية مستقلة لا يمكن اختزالها في حزب، أو جماعة، أو مذهب، أو دولة”، هنا يحاولون الفصل الذي فشل تنظيم الإخوان في إحداثه، ما بين الدعوي والتنظيمي السياسي، وبين القُطري وبين الأممي العابر للقطر.
من أهداف الاتحاد الأساسية “بيان موقف العلماء من الأحداث المهمّة”، ففكرة اتخاذ موقف هو عمل سياسي بامتياز. حتى لو كان من “مؤسسة علمائية شرعية مستقلة تعمل على تبليغ رسالة الإسلام وتوجيه المسلمين إلى الفهم الصحيح لأحكام دينهم، من خلال الحفاظ على هوية الأمة ونشر الوسطية بعيداً عن الغلو في الدين والتفريط بالثوابت، والعمل على وحدة الأمة وزيادة فعاليتها للقيام بأمر الدعوة إلى الله وعمارة الأرض”.
فهذا الاتحاد مع مجلس الإفتاء الأوربي مع جهود جمعية البلاغ الثقافية القطرية التي ترأسها الشيخ يوسف القرضاوي، وأنشأت موقع “إسلام أون لاين”، اجتمعت جهود للعمل الدعوي، والتوجيه، وسعي للفهم “الصحيح”، ولأن يسعى إلى أن يصبح هذا الاتحاد بمثابة مجلس إرشاد، لكن ليس لجماعة ولا لتنظيم ولا لدولة، بل مجلس إرشاد “لأمة المسلمين”.
لكن في هذا الاتحاد تجتمع الجهود المتمثلة في المركز العالمي للفكر الإسلامي وفي جهود مؤسسة الفرقان والمقاصد، مع الجانب السياسي، متمثلين في تجمع شخصيتي كل من يوسف القرضاوي كرئيس للمجلس ومحمد سليم العوا كأمين عام للاتحاد.
-2-
في منتصف الثمانينات وفي الصيف بنقابة الأطباء بالقاهرة، وفي ندوة نظمتها بعد سيطرة تنظيم الإخوان على مجلس إدارة النقابة، كانت الندوة بعنوان “الإسلام والعلمانية”، وتصدر الحضور الشيخ محمد الغزالي (1917 – 1996) عائدا من الجزائر والشيخ يوسف القرضاوي (1926 – 2022) عائدا من قطر بزيهما الأزهري التقليدي. وفؤاد زكريا (1927 – 2010) صاحب كتاب “التفكير العلمي”، عائدا من الكويت بزيه “الإفرنجي”.



وقد وقف الطبيب عصام العريان عضو مجلس نقابة الأطباء والعضو في تنظيم الإخوان المسلمين يقدم الندوة ويرحب بالضيوف ويطالب بعدم الهتافات أو بالتصفيق. في هذه القاعة المكتظة بالناس وواضح عليهم حر الجو. وفي الخلفية كان يجلس المستشار طارق البشري الذي أتى، وضمن الجلوس الصحفي فهمي هويدي…. إلخ. وبعد أن انتهى الشيخ الغزالي من كلمته قام وجلس في الخلف بجوار المستشار البشري وخلع عمامته.
ذكر عصام العريان أن الندوة جاءت بناء على اقتراح الشيخ الغزالي في ندوة سابقة له، عن ضرورة محاورة بعض العلمانيين، فكانت هذه الندوة. التي كان مقرر موضوعها من قبل حول “التشريع الإلهي والتشريع البشري”.
في هذه الندوة ما قاله الغزالي في نصف ساعة أخذ من القرضاوي ضعف الوقت ونصفه أن يقوله. فهو داعية وإن كان يسير على خطى الداعية الشيخ الغزالي، لكن الغزالي الذي لم يعمل في الخليج، فكان الغزالي دائم النقد ل “فقه البداوة” وتقليدية السلفية، وكان كحنفي المذهب ناقد لتراث السنة ويجعل من السنة شارحة أو مبينة للقرآن لكنها لا تستقل بالتشريع أو تكون حاكمة على القرآن.
لكن القرضاوي الذي حصل على الدكتوراة وهو يقترب من الخمسين من عمره في بدايات السبعينات بعد ان ارتحل إلى قطر للتدريس في معهد ديني ثانوي. حينما كانت هذه البلاد، تابعة لسلطة الإنجليز المباشرة، وظهر في السبعينات مع بناء الجامعة هناك. جعل من قطر مركز له ومرتكز خصوصا بعد منتصف التسعينات حين عزل الأمير ولي العهد والده من الإمارة، وفتح البلاد لتكون مرتكز لقناة تليفزيونية أخذت اتساع شهرتها وتأثيرها في العالم العربي وفي العالم بعد أحداث اعتداءات سبتمبر.
كان برنامجه المستمر في قناة الجزيرة “الشريعة والحياة”.
-3-
إن كان الشيخ الغزالي يجسد مرحلة تبدأ من جمال الدين الأفغاني ورشيد رضا وحسن البنا، عن الجانب السياسي “للأمة الإسلامية”، في مواجهة “الصهيونية” و “الصليبية”، من داخل منظومات الدول القطرية القائمة، ومن كونه أزهري، وحنفي المذهب، ومصري، في مواجهة فقه البداوة، وتشدد السلفيين، وفقه الدليل.
فإن يوسف القرضاوي، تم تقديمه ليملأ الفراغ الذي تركه موت الشيخ الغزالي، لكن بأدوات وأموال لم تتوفر للشيخ الغزالي. فكان دور القرضاوي يدور بين السياسة والثقافة والفكر الديني، وحاول يضم خلفه تيار كبير، وزاد من رسم الهالة حوله طول العمر.
قدم القرضاوي نفسه كما يفعل الأزهريون طوال الوقت أنه يمثل تيار الوسطية، لذلك فقد تعاون مع جهود المركز العالمي للفكر الإسلامي ومع كل الجهود التي تصدرها من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وإسلام أون لاين والجمعيات والهيئات التي كانت عابرة للأقطار العربية، ولعب دور سياسي في قربه من الأسرة الحاكمة في قطر.
ينطلق من أن الإسلام “رسالة شاملة” تشمل حياة المسلم من الميلاد لمماته. وإن حال المسلمين الآن وحال الإسلام أنه “أصبح بلا سلطة سياسية ولا سلطة دينية” وركز على أن الإسلام يمثل “جنسية سياسية إسلامية” للمسلم. وأن أسلمة المجتمع وتطبيق الشريعة لا يمكن حصرها في حدود أو قوانين، بل “نحن نريد حياة إسلامية”. وأنه كما أن الشيوعية نظام يشمل كل جوانب الحياة والليبرالية… إلخ فالإسلام كذلك، وما يقوم به القرضاوي من مهمة هو “فقه الدين والدعوة إليه”.
من هنا كانت أمور ارتبطت باسمه من أول “فقه الأولويات”، وتقديم مصلحة الناس، مثل قروض شراء بيوت للمسلمين في الغرب، والفتاوى التي خصصت للأقليات المسلمة في الغرب، مثل “عدم وجوب انفصال الزوجة التي تدخل الإسلام عن زوجها المسيحي”، وعن خدمة المسلم الغربي في جيش بلاده.
و”المصالحة بين السنة والشيعة” و “إغاثة المسلمين المنكوبين” وفتاويه السياسية المباشرة في مساندة عمليات التفجير في النفس التي كانت تقوم بها تنظيمات مقاومة فلسطينية في مواجهة الاحتلال، أو فتواه ب “قتل القذافي”، أو خطبه ومساندته لنظام حكم الإخوان بعد سقوط حكم مبارك بمصر. أو بيانات دعم توجه الرئيس التركي أردوغان لنظام الحكم التركي واتفاقه مع التعاليم الإسلامية “التي تجعل أمير المؤمنين الرئيس الأعلى في السلطة”.
-4-
بعد إزالة حكم تنظيم الإخوان بمصر بالقوة المباشرة عام 2013، كان اللافت للنظر هو أن مولانا علي جمعة من مصر وشيخنا يوسف القرضاوي من الدوحة، كل منهم يستخدم النص والرواية عن مقاتلة الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، وهذا يناصر طرف مضاد للطرف الذي يسانده الآخر. وبينما كانا مجتمعين في التسعينات في المركز العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة، وكان علي جمعة يلقب القرضاوي ب “العلاّمة”. يقول مولانا عن شيخنا “انه أصابه الزهايمر وكبر وخرف”. ويطالب بالضرب في المليان لكل من يتآمر على البلد من أفراد ومن أجهزة ومن دول ومن تنظيمات.
والشيخ القرضاوي يذكر تاريخ مولانا علي جمعة من كونه خريج كلية تجارة، وليس أهل للقول الشرعي والاجتهاد الفقهي، رغم أنه تولى دار الإفتاء المصرية لعقد من الزمان.
انتظرونا الخميس القادم في الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة إمبراطورية مولانا بعنوان “شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء”…..
لقراءة المقالات السابقة من سلسلة “إمبراطورية مولانا” اضغط على الروابط التالية:
1- إمبراطورية مولانا نور الدين … بقلم جمال عمر
2- تلاقي تيارات الهوية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي … بقلم جمال عمر
3- تيار كلية الحقوق وفرقان المقاصد … بقلم جمال عمر
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد