اجتماعيات السلطة والتشريع واللاهوت – تكامل أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين 1 … كتبت: ناتاشا العبادي

بوستر ندوة أشرف منصور

نتاشا العبادي

240772157_10223700779399743_5523059789707789465_n اجتماعيات السلطة والتشريع واللاهوت - تكامل أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين 1 ... كتبت: ناتاشا العبادي

يستمر صالون تفكير بالاحتفاء بسبعينية عبد الجواد ياسين في موسمه الثقافي لشهر سبتمبر بتقديم ندوته الثامنة بعنوان “اجتماعيات السلطة والتشريع واللاهوت – تكامل أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين” في يوم الأحد الخامس عشر من شهر سبتمبر، الساعة الثامنة مساء.

أدارت الندوة عضوة صالون تفكير نهلة هنو وقدم الندوة الدكتور أشرف منصور وهو أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وله عدة أبحاث في التأويل ونظرية المعرفة، وله دراسات في سوسيولوجيا الأديان والفلسفات الحديثة والنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، من مؤلفاته: الليبرالية الجديدة، الرمز والوعي الجمعي، سبينوزا ونقد العقل الخالص، العقل والوحي، منهج التأويل بين ابن رشد وموسى بن ميمون وسبينوزا.

تدور الندوة حول الخيط الرابط بين أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين المتمثلة في مؤلفاته الثلاثة المتقاربة والمتتالية وهي:
– كتاب السلطة في الإسلام الذي صدر عام ١٩٩٨.
– كتاب الدين والتدين صدر عام ٢٠١٢.
– كتاب اللاهوت صدر عام ٢٠١٨.
يتناول الدكتور أشرف منصور هذه الكتب الثلاثة على أنها تشكل مشروعا في دراسة الإسلام من حيث السلطة، والتشريع، واللاهوت.

المشاريع الفكرية العربية ومشروع ياسين

يلقي الدكتور أشرف منصور الضوء على المشاريع الفكرية العربية التي تشترك في شيء واحد وهو الانتقال من أطراف المنظومة الإسلامية إلى داخلها، أي أنها تبدأ بالفقه، ثم السلطة، ثم تنتهي بالنص المؤسس، مثل:

أعمال محمد عابد الجابري، والذي انتقل من الأطراف الخارجية والهامشية تماما من المنظومة الفكرية وهي الفلسفة للفارابي، وابن سينا، وابن رشد، ثم انتقل منها إلى الفقه، ثم إلى علوم الدين في كتابه (بنية العهد العربي)، ثم إلى السلطة في الإسلام في كتابه (العقل السياسي العربي)، وأخيرا ينتهي بالنص المؤسس في أعماله الأخيرة في (القرآن والتفسير الموضوعي للقرآن).

نفس الشيء عند حسن حنفي، بدأ المنظومة الفكرية الإسلامية من خارجها ومن الهوامش وانتهى إلى المركز وهو القرآن، وبعد انتقاله من دراسة فلسفة الإسلام كالعادة يدخل داخل المنظومة المركزية الإسلامية ويدرس علم أصول الدين في كتاب من (العقيدة إلى الثورة)، ثم علم أصول الفقه في كتابه (من النص إلى الواقع)، وأخيرا ينتهي إلى قلب المنظومة الإسلامية والنص المؤسس في كتابه الأخير عن القرآن وعن الوحي (ومحاولة لتفسير القرآن).

ويلتقي مشروع عبد الجواد ياسين مع هذا التوجه العام، وهذا الخيط الذي يربط هذه المشاريع معا هو الانتقال من الخارج إلى الداخل والانتهاء إلى قلب المنظومة الإسلامية وهو النص المؤسس، ويرصد الدكتور أشرف منصور الخيط الرابط بين أجزاء مشروع ياسين من خلال فهمه له، وهو الاجتماعيات أي التفسير السوسيولوجي، وأحيانا الأنثروبولوجي لكامل المنظومة الفكرية والدينية الإسلامية.

الخيط الرابط بين أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين

– الجزء الأول: كتاب “السلطة في الإسلام”
يتناول ياسين السياسة والفقه السياسي، والنظرية السياسية الإسلامية من منطلق اجتماعي يمكن أن نسميه سوسيولوجي، ويحاول البحث في كيفية تأثير أحداث المسلمين التاريخية على تدوين السنة وعلى الفكر السياسي الإسلامي ويحاول إثبات أن النص ليس مسؤولا عما حدث لتاريخ المسلمين أولا، وما حدث لعملية التنصيص السياسي للمنظومة الحديثية وللفقه السياسي الإسلامي فالتاريخ له القسم الأكبر.

– الجزء الثاني من المشروع وهو “الدين والتدين.. التشريع والنص والاجتماع”
فهو يدخل أكثر داخل المنظومة الإسلامية ويتناول النص المؤسس ونصوصه التشريعية، ويبحث في اجتماعيات التشريعات القرآنية وكيف أنها صدرت عن الحالة الاجتماعية والسياسية لمجتمع النزول، وكيف أن مجتمع النزول له إسهام في تشكيل النص القرآني نفسه، كما له إسهام في إضفاء الطابع الاجتماعي على التشريعات القرآنية، وقد قام الدكتور أشرف منصور ببحث مطول واستخرج منه نظرية يسميها “الحالة الأولى للتشريع القرآني وتصوراتها اللاحقة” وانطلاقا من دراسة ياسين يوضح كيف أن التشريع القرآني نشأ في الحالة الأولى وهي الحالة السابقة على الدولة الإسلامية، وقد يختلف عبد الجواد ياسين مع أشرف منصور على نقطة أن الإسلام لم يؤسس دولة ولم يدعو إليها وأن النبي لم يؤسس دولة ولكنه أسس تحالفا قبليا سرعان ما تفكك بموته، وظهرت حروب الردة، وأن الذي يميز صدر الإسلام حالة اللادولة والتي نشأ فيها التشريع القرآني واصطبغ بصبغتها، وحالة من الطبيعة الأولى أو الوضع الأصلي السابق على الاجتماع أو على الاستقرار في نظام سياسي والذي تحدث عنه بعد ذلك فلاسفة العقل الاجتماعي.

– الجزء الثالث: وهو كتاب “اللاهوت” أو أنثروبولوجيا التوحيد الكتابي
انتقل ياسين من الأطراف الخارجية للمنظومة الإسلامية وهي الفقه السياسي والنظرية السياسية إلى الداخل وهو النص المؤسس ويكشف عن اجتماعيات التشريع القرآنية في (الدين والتدين)، ثم ينتقل إلى صلب وجوهر النص المؤسس وهو اللاهوت وتصورات الأديان الكتابية (الإبراهيمية) للألوهية، وكيف حدث التطور لإدراك الأديان الإبراهيمية للألوهية نتيجة للأوضاع الاجتماعية والسياسية والتاريخية للجماعة العبرانية الأولى، ثم الجماعة المسيحية، ثم الجماعة الإسلامية للمجتمع الإسلامي، ثم يستمر ياسين حتى يصل إلى الكلام والتصوف في آخر كتاب اللاهوت، وهذا هو الخيط الواحد الذي يربط أجزاء مشروع ياسين.

التداخل بين أجزاء مشروع عبد الجواد ياسين

يطرح الدكتور أشرف منصور سؤال حول كيفية اكتشاف الأطروحات الأساسية للدين والتدين في كتاب السلطة في الإسلام؟، وهل أطروحة كتاب اللاهوت لديها إرهاصات في كتاب الدين والتدين؟، هل هذه الكتب الثلاثة تمهد لبعضها البعض؟ وهذا هو ما نحاول اكتشافه. أم أن هناك بعض الفروق وبعض التطور في فكر ياسين عبر هذه الكتب الثلاثة؟ والحقيقة أننا سنجد التداخل، أي أن أطروحة الدين والتدين الأساسية موجودة في كتاب السلطة في الإسلام، وأطروحة كتاب اللاهوت وجوهره موجودة في كتاب الدين والتدين، وفي نفس الوقت سنجد تطور الفكر عند ياسين عبر هذه الكتب الثلاثة.

يتناول الدكتور أشرف منصور ملامح أسلوب الكتابة للمستشار عبد الجواد ياسين فيقول:
الملمح الأول أنه في غاية الإتقان والاحترافية وكأنه يكتب مذكرة قانونية وقانون، وهذا أسلوب لم نتعود عليه نحن المهتمين وقراء الفلسفة ولا على كتابة تحليلات فلسفية راقية من قبل قاضي، وهو شيء ممتع كما أن أسلوب ياسين له لغته الخاصة التي تشبه اللغة القانونية ولغة المرافعة وكأنه يترافع والنص لديه هو مرافعة وهذا ملمح يميز أسلوب ياسين.

– ملمح آخر هو قدرة ياسين الفائقة على المزج بين مقاربات منهجية مختلفة منهجية دوركايمية، ومنهجية كانطية، ومنهجية اسبينوزية داخل الكتاب الواحد وينشئ عليها تعديلات كثيرة أيضا. ففي كتاب الدين والتدين كثيرا ما يلجأ إلى أساس ثابت ينطلق منه ويتخذه قاعدة للمقارنة في كل موضوع يتناوله وهو الثابتين (الله والأخلاق الكلية)، فهو يقيس المنظومة الحديثية والفقهية على هذين الثابتين، وعندما يتكلم ياسين عن الدين فهو يقصد الله والأخلاق الكلية والتدين وهو الأشكال التاريخية التي يظهر بها الدين في المجتمعات البشرية المختلفة والفهم الإنساني النسبي والمتغير للدين فهل نستطيع أن نعثر على ثابت شبيه في كتاب السلطة في الإسلام؟ نعم، كتاب السلطة في الإسلام يتكلم عن ثابت آخر، وهو العقل الكلي المفطور، أي الفطرة العقلية المشتركة بين البشر جميعا، والمنتشرة والسائدة في الإنسانية كنوع عبر الزمان والمكان، هي التي يقيس عليها التطورات الفقهية والفقه السياسي والإسلامي والمنظومة الحديثية. فكما كان في كتاب الدين والتدين حضور ثابت وهو الله والأخلاق الكلية، فكان في حضور موازي في كتاب السلطة في الإسلام وهو العقل الكلي المفطور. وإذا جمعنا بين هذين الأساسين العقل الكلي المفطور والله المطلق والأخلاق الكلية المطلقة، سوف نتلمس ملامح مذهب ياسين الفكري الخاص به. 

ويرى الدكتور أشرف منصور أن إشكالية كتاب اللاهوت تحضر من الصفحة الأولى لكتاب الدين والتدين. ذلك لأن ياسين في مطلع هذا الكتاب يقول: (إن الدين يرجع من حيث إنه وحي إلهي إلى مصدر مفارق للإنسان، أي أن له وجودا ذاتياً سابقاً على حضوره في الاجتماع. ومن ثم فهو فكرة كلية مطلقة ومتعالية غير قابلة للتغير بفعل الاجتماع). ولكنه سريعاً يعود ليقول: (إن الدين لا يظهر إلا وفق شروط الاجتماع على الرغم من المصدر الإلهي المفارق للوحي. إلا أن التمثل البشري للألوهية مشروط اجتماعياً). كيف إذن نوفق بين القول بالمصدر الإلهي للوحي والمشروطية الاجتماعية للتمثل البشري للألوهية؟

وحسب لغة علم الكلام فيكون الحل هو التمييز بين ذات الله وصفاته، الذات الإلهية هي المفارقة، أما صفاتها فهي المشروطة اجتماعياً. بمعنى آخر أن التمثل البشري للصفات الإلهية هو المشروط اجتماعياً. أما بلغة ياسين فيقول: (يشير اللاهوت هنا إلى الجدل الكلامي حول كيفيات الألوهية، لا في المبدأ ذاته، ففي حين ظلت الألوهية كما الأخلاق الكلية مبدأ ثابتا داخل السياق التوحيدي، تعددت صور إدراكها وأشكال تعبيرها، هذه الصور الإدراكية هي القابعة للمشيئة الاجتماعية). ثم يميز ياسين بين المصدر الإلهي للدين في ذاته وأشكال التعبير عن الألوهية، ويقول: (أن المصدر الإلهي لا ينفي اجتماعية أشكال التعبير عن الألوهية)، فهو يجمع بين الجانبين في تطوير حديث لنظرية الحقيقة المزدوجة وهنا يجمع بين ما كان مستحيلا الجمع بينه في التدين التراثي التقليدي، فإما أن يكون الدين من عند الله، وإما أن يكون مصدره الاجتماع البشري وهذا هو التدين التقليدي، أما المعنى المحدد للاهوت وهو أنه طرق وأشكال التعبير عن الألوهية وهو في النهاية كلام البشر عن الألوهية وهي ثابتة في ذاتها متغيرة ونسبية في أشكال التعبير الإنساني عنها وبالتعبير الكانطي هي الشيء في ذاته الخاضع لمقولات الفهم البشري عندما تظهر فيه الوعي، هنا نرى كيف يجمع ياسين بين المنهجية الكانطية والمنهجية السوسيولوجية في مقاربة مسألة الألوهية والدين في ذاته، وتظهر المنهجية الكانطية واضحة في استخدام ياسين لتعبيرات المطلق في ذاته والدين في ذاته، إنها الشيء في ذاته عند كانط، في حين أن كانط قطع بعدم إمكان معرفة الشيء في ذاته باستقلال عن مقولات الفهم البشري، هنا يجمع ياسين بين الظاهر والشيء في ذاته. فالشيء في ذاته يمكن أن يدركه الوعي البشري، فنجد وفق مقولات هذا الوعي البشري وهي مقولات النسبية التاريخية هذا الجمع بين المنهجية الكانطية والمنهجية السوسيولوجية التي تفصل بين الألوهية في ذاتها وطرق التعبير البشري عنها أو طرق فهم البشر لها. وفي تتبع الشروط الاجتماعية للوعي البشري بالألوهية بمنهجية الفصل الكانطية ثم المنهجية السوسيولوجية نرى إرهاصات الإشكالية في كتاب الدين والتدين لكتاب اللاهوت، يقول ياسين: (الأصل الذي يلزم افتراضه هو أن النصوص التوحيدية تتخذ مسارا تدريجيا يبدأ بمقدمات افتتاحية تعرض الأصل للدين قبل أن تنغمس في أي تلزيمات ذات مضمون تشريعي أو طقوسي مما يوفر مادة مناسبة لطرائق الدين في مادته الخام الأولية) هذا المسار الذي اتخذته النصوص التوحيدية والمشروط اجتماعيا يضرب عليه عبدالجواد ياسين مثال وهو نصوص المرحلة المكية التي تتحدث عن الألوهية المطلقة قبل أن ينشغل النص بالتشريع في المرحلة المدنية.

النصوص المكية كانت لا تتضمن أي تشريع، واهتمت بالأخلاق الكلية قبل أي تكليفات من هذه الأخلاق الكلية في صورة تشريعات ذات طابع اجتماعي وأنثروبولوجي في المرحلة المدنية. كما يشير ياسين إلى النصوص التأسيسية لليهودية وأنها ضمت التشريع إلى الألوهية المطلقة في صورة ألواح موسى، والمسيحية التي ركزت على الأخلاق الكلية ووضعتها في مقابل التشريعات. وفي كتاب الدين والتدين في هذا التحليل يكون ياسين قد دخل بالفعل في مضمون كتاب اللاهوت قبل كتابته أو ربما قبل أن يفكر فيه. ورأى الدكتور أشرف منصور أن البداية الحقيقية لكتاب اللاهوت هي في الصفحات الأولى لكتاب الدين والتدين. وهذا هو التداخل بين أجزاء مشروع ياسين.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

4 comments

اترك رد

ندوات