عواجيز الانتخابات الأمريكية… بقلم: جمال عمر
بقلم: جمال عمر
مؤسس صالون وأكاديمية تفكير


1
كان منحنيا علي ترابيزة بمحل ماكدونالد، على رأسة طاقية حمراء قديمة وجاكت برتقالي له أعوام يلبسه وبنطالون اسود أراه به كل يوم يأتي الى المحل لتناول الإفطار، فيذهب الي كونتر المحل ينتظر ان تظهر عاملة من عاملات المحل لتساعده في اجراء طلبه علي شاشة الطلبات حيث من عدة اشهر توقف محل ماكدونالد ان تكون الطلبات عن طريق بائعين او بائعات ولكن عبر شاشه سواء في المحل او عبر أبليكيشن في تليفون. ويطلب نفس الافطار بدولارين ونصف، بدون مشروب.
منذ عدة اشهر عمل عملية جراحية ليستبدل فخذ من فخذيه لصعوبة حركته، بعد معانة من الاجراءات وتأخرها، لكنه الان يستطيع الحركة، لمس شاربه الابيض وبدأ يتحدث بصوته الجهوري يسب ويلعن في كل جملة يستخدم كلمة “fuck” وتنويعاتها. يساند حملة ترامب للرئاسة، ويسب ويلعن في الديمقراط وفي مرشحة الحزب، تناديه العاملة السوداء المهاجرة من جزر الكاريبي التي تساعده في طلبه ب “مايك”.
مايك مقتنع بدعوى ترامب ان أمريكا غزاها المهاجرون من امريكا الجنوبية ومن العالم الذين يرتكبون افحش الجرايم، ويشتكي كل يوم من قطارات الصبواي، بل هو غاضب من كل شيء حوله.
هذا الغضب من الراجل الابيض متوسط التعليم هو ما يستغله ترامب منذ عشر سنوات، ليقول لمايك وأمثاله أن ما يعانيه هو بسبب المهاجرين، وان الديمقراط يحولون امريكا الي الاشتراكية وإلى الشيوعية والقضاء علي الحرية، وسيطرة اجهزة الدولة والمؤسسات العامة علي كل تفصيله في حياته.
بالرغم ان كل الخدمات التي يحصل عليها مايك من تأمين صحي وضمان اجتماعي في شيخوخته كلها من برامج وضعها الديمقراط عبر العقود الماضية، لمساعدة الأقليات والفقراء والأقل حظا اقتصاديا. لكن مايك لا يحب التغيرات الاجتماعية من حقوق للمثليين وحقوق الاقليات من غير البيض ومن غير المسيحيين، ويشعر ان امريكا التي يعرفها تتغير.
بعد ان قام مايك وغادر المحل، نظر لي أنتوني الذي كان يجلس معه وحاول بحركة جسمه الثقيلة ان يلتفت الي ويسألني عن الانتخابات ومن سأصوت له ؟

2
في “صوان” انتخابي لترامب صعد علي المسرح مجموعة من قيادات مسلمين من ولاية ميشيجن الأمريكية، المهمة لأن يفوز فيها الديمقراط للوصول للبيت الأبيض، والمنافسة فيها علي اشدها بين مرشحي الحزبين. تحدث احد القيادات ملامحه تشير الى انه ربما من اصول عربية، يعلن عن تأييده وتأييد من معه لترشيح ترامب لرئاسة أمريكا، لأن ترامب قادر علي ايقاف الحروب سواء في اوكرانيا او في غزة او في لبنان….الخ.
والاصوات المسلمة والعربية الأصل التي تدعم ترامب تستند الي انه لن يحدث في فترة ترامب أسوأ مما حدث في فترة حكم “بايدن”، وكرد فعل غاضب من هذه الاصوات علي استمرار الحرب علي غزة واتساعها في لبنان، فانهم سيعاقبون الحزب الديمقراطي لوقوفه المستمر وراء ما تفعله اسرائيل وخضوعه للوبي الصهيوني سواء المسيحي أو اليهودي في الدعم غير المشروط والتمويل غير المشروط ايضا لاسرائيل؛ مما قد يكلف الديمقراط الفوز بالرئسة الامريكية والي عودة ترامب الي البيت الأبيض. الأصوات الأمريكية من اصول عربية او أصول مسلمة في نزاع وتفرق فيما يريدن ان يفعلوا.

3
التصويت الغاضب، أو التصويت العقابي، بيكون تصويت أحادي، بيركز علي قضية واحدة وده صعب انه يحقق نفوذ سياسي في المنظومة السياسية الأمريكية. فلو ركزنا علي المصوتين من أصول عربية وأصول مسلمة، متفهم الموقف من السياسات الخارجية الأمريكية وفشلها سواء في اوكرانيا او في الصراع العربي الاسرائيلي، والنفوذ الصهيوني المسيحي واليهودي الكبير داخل الحزبين الان، ما يجعلهم مقتنعين ان سياسات أمريكا تجاه اسرائيل لن تتغير كثير سواء كان من بالبيت الأبيض جمهوري او ديمقراطي. فالتصويت العقابي والتصويت الاحادي لن يحل شيء، هو فقط محاولة لاظهار اهمية اصوات الامريكيين من اصول عربية ومسلمة.
في نظري أن الأمريكان من أصول عربية وأصول مسلمة مهم يركزوا علي تمكين تجمعاتهم داخل أمريكا اقتصاديا واجتماعيا، التمكين الذي سيتولد عنه تمكين سياسي، فهم امريكيون أولا، ويبحثوا عن مصلحة تجمعاتهم داخل امريكا ومصلحة امريكا.
رغم فشل الحزبين في امريكا في تقديم مرشحين أكفاء وسياسيين ذوي كريزما أو رؤى سياسية، أو حتى تقديم سياسات داخلية وخارجية تتعامل مع المشكلات التي تواجه العالم وتواجه امريكا. ورغم ضعف مرشحة الحزب الديمقراطي كاميلا هاريس، كونها أول امرأة وكونها من أصول مهاجرة وكونها ملونة….الخ، يظل الحزب الديمقراطي بكل عبله مازال حزب حقوق الأقليات وحقوق المهاجرين، مع فشل سياساته الخارجية.
إن فترة رئاسة لترامب لن تغير كثيرا من سياسات أمريكا في الشرق الأوسط سوى مزيد من الدعم لاسرائيل ومزيد من دعم لديكتاتوريات في بلاد العرب ومزيد من حلب فوائض البترول ربما شخصيا لترامب واسرته. لكن علي المستوى الداخلي في امريكا يكمن خطر فترة أخرى لحكم ترامب الأساسية، التي قد تؤدي الي تمزق في الحزب الجمهوري بعد ترامب وقد تحول عدم استقرار سياسي في حالة فوزه او في في حالة خسارته سيان، ولا اي تمكين اقتصادي او اجتماعي وبالتالي سياسي لمجتمعات الأمريكيين من أصول عربية أو مسلمة.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد