محمد قريش شهاب؛ الأفكار المتطورة للعقلانية الدينية… بقلم: محمد عرش العظيم الإندونسي

بقلم: ‎⁨ محمد عرش العظيم الاندونيسي⁩

e281a8-d985d8add985d8af-d982d8b1d98ad8b4-d8b4d987d8a7d8a8-d8a7d984d8a7d986d8afd988d986d98ad8b3d98ae281a9-1604648533-e1734357733711 محمد قريش شهاب؛ الأفكار المتطورة للعقلانية الدينية... بقلم: محمد عرش العظيم الإندونسي

تتمثل شخصية قريش شهاب الإندونسي في أنه مفكر عصري وأستاذ أكاديمي للدراسات القرآنية. حاول من عميق فهمه لمحتويات القرآن أن يتقدم إلى مجال التنظير والتطبيق لها في عدد من مناحي الحياة العصرية، و ذلك لأن القرآن قد أتى من لدن حكيم عليم، يهدي بإشاراته ودلالاته إلى ما تقوم به حياة الإنسان أمنا وسلاما. فهو من الملتزمين بالتفكير والتدبر بما تسعه العقول في محاولة تحصيل النتائج التي يمكن تطبيقها من أجل حياة متميزة بالتدابير العقلية الدينية الإنسانية، وليس مجرد التسليم بالخلاصات القديمة، حتى لا تتسم الحياة بالجمود العقلي العائق للتطور.

  الأستاذ قريش شهاب يمعن نظره كل الإمعان للكشف عن خافية الدلائل المزخرفة في سلاسل الجواهر القرآنية، وذالك من خلال المنهج ” العقلاني – الديني” أو  “Rasionalis-Religius” و هو الامتزاج بين النظرة الدينية و النظرة الفلسفية في الكشف عن حقيقة الشيء. وصرح الأستاذ أنه في تفاعله و ملامسته لتفسير القرآن تبني الزاوية العقلية التي تتجلى في المقاربات الفلسفية، بحيث يكشف أمر القرآن بتقديم العقل في شتى مجال الحياة الإنسانية. 

وبيّن أن الهدف الذي أراد القرآن تحقيقه هو بناء الإنسان ليكون – كعباد الله و خلفائه – قائما بالمهام المقدرة له. والإنسان مجموعة من العناصر المادية (جسدية) و غير المادية (الروح والعقل). فالعناية بالعقل تنتج المعرفة، والعناية بالروح تنتج النقاء و الأخلاق، والعناية بالعناصر المادية ينشيء المهارات. و بجمع هذه العناصر كاملة يُحصل الإنسان الجوانب الاساسية مع التوازن، وذلك ما هو معروف  في التربية الإسلامية بـ”أدب الدنيا و الدين”.   

تنص وجهة النظر “العقلاني- الديني” على أن العلم يعترف بتنوع الاحتياجات الإنسانية، وأن البناء والتحسين من مميزات حياة الإنسان، بحيث يشمل الأغراض والمقاصد العلمية والروحية؛ لذا فيشترط على الإنسان أن يكون قادرا على تحقيق التوازن المثالي بين تلك الاحتياجات. وتم التأكيد على أن احتياجات الإنسان من الجوانب المادية لا يقل أهمية عن الاحتياجات الروحانية، لذلك فإن مجالات المعرفة التي تخدم الاحتياجات المادية للإنسان يجب استيعابها حقا.

وينظر توجيه القرآن في تربيته للإنسان – كما ذكرنا سابقا – إلى كونه مخلوقا، و يعامله بما يتوافق مع عناصر خلقه ليصبح إنسانا كاملا؛ جسدا وعقلا وروحا. ولذلك، فإن التوجيهات التعليمية التي يقدمها القرآن تخاطب دائما روح الإنسان وجسده وعقله.

ويثبت القرآن صحة توجيهاته عند يقدمها بالأدلة، سواء كانت أدلة يمكن أن يصل إليها البشر أنفسهم من خلال تفكيرهم العقلاني، وهذا ما أوصى به القرآن عند عرض أدلته حتى يشعر العقل البشري أنه يلعب دورا في اكتشاف طبيعتها فيعلم ملكيته و مسؤوليته في الدفاع عنها. وهذا غالبا ما يوجد عند تعرض القرآن لعدد من مسائل من عقيدة وشريعة وتاريخ وغيرها.

ومن الأساليب التي استخدمها القرآن في توجيه الإنسان إلى القصد الذي أبتغاه هو أسلوب القصص. وكل قصة تدعم المادة المقدمة سواء كانت القصة حادثة بالفعل أم رمزية، و في سرده لها لا يتردد القرآن في الحديث عن الضعف البشري و بعد ذلك تنتهي القصة غالبا بإلقاء الضوء على عواقب ذالك الضعف، أو تصوير اللحظة التي ينتصر فيها الوعي الإنساني على نقاط ضعفه. مثلا يوضح القرآن أنه بعد أن تفاخر قارون أن ما جَمْعَه من كنوز الأموال كان بفضل جهوده الخاصة، وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعضهم، وتمنوا أن لو كان لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة. فجاء العقاب حاسما (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره، ولم يجد أحد ينصره ولم ينفعه ماله ولا رجاله. وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض في دهشة واعتبار، إن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويوسع عليهم، أو يقبض ذلك، فالحمد لله أن منّ علينا فحفظنا من الخسف والعذاب الأليم.

واستخدم القرآن أيضا جملا مؤثرة للقلب لتوجيه الناس إلى استيعاب الأفكار التي أراد توصيلها، وجسدها بالقدوة التي تمثلت في الرسول الذي مكنهم من رؤية تجليها فيه بوضوح فشجعهم بعد ذالك على الإيمان و تطبيق تعاليمها. وقد سبق أن القرآن حث كل الإنسان على كشف حقيقة آياته من خلال جهودهم الذاتية وطلبهم باعتقاد صحة المواد المقدمة من الحجج المنطقية والقصص التي تقودهم إلى أهداف العلم والحكمة بجميع أنحائها المدعمة بالقدوة.  

  ومع ما ذكر فإن النجاح في تحقيق أهداف التعاليم القرآنية أمر صعب بسبب التحديات الهائلة الناجمة عن تأثير المعرفة التجريبية  (Empirical) والعقلانية (rational) والمادية (Material) والكمية (Quantitative)  التي تمثل نظام كلها بالخبرة و سهل الفهم في متناول الحواس الخمسة. و لكن من خلال هذه الأشكال تمكن المفكرون من تدريب التفكير وتعميق الفهم بشكل واضح باستخدام “اللغة المألوفة” لدى الكثير من الناس؛ ولذالك فإن ما يهم جدا لرفع مستوى المنظومة المنهجية المعاصرة للتفكير الديني العقلاني في التربية الإسلامية هو الاجتهاد في تفسير التعاليم التربوية بطريقة “سيسيولوجية”.

وينتقد قريش شهاب في كتابه باللغة الإندونيسية (Membumikan al-Quran) – بما يعني (تأصيل القرآن) – المؤسسات التعليمية الإسلامية؛ فإن القوة الحقيقية للجامعة تكمن في توجيه الاهتمام على أعلى مستوى بالتعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. 

وأكثر من ذالك يرى قريش شهاب أن هناك فجوة بين التنمية التعليمية و التنمية البشرية. و الفكرة الأساسية التى تؤديه إلى هذا الرأي هي حقيقة أن العلم يتطور بسرعة كبيرة و يتغير باستمرار؛ بحيث أن ما كان يعتبر صحيحا بالأمس يمكن اعتباره غير دقبق اليوم أو أن ما يراه عالم يختلف عما يراه عالم آخر. 

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تطور العلوم والتكنولوجيا مبنيان في الواقع على الافكار أو الاكتشافات السابقة، كما في مجال العلوم الاجتماعية، و لكن المشكلة هي عندما تكون المسائل المعروضة على المجتمع متأخرة جدا؛ بحيث ينبغي أنها متأخرة عنهم عاشوا قبل عشرات أو حتى مئات السنين !!!.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات