أوطان متخيلة … بقلم: إيمان اسماعيل
بقلم: إيمان إسماعيل

افتتح سلمان رشدي مقاله “أوطان تخيلية” بحكاية عن صورة معلقة على جداره لبيت عتيق في بلده الأم الهند، وأستشهد بجملة من رواية المرسال لهارتلي تقول “إن الماضي بلد غريب، تؤتى فيه الأفعال بطريقة مختلفة”.
سأل رشدي نفسه وسألنا عن البلد الحاضر الذي نعيش فيه بينما تؤتي فيه الأفعال أيضا بطريقة مختلفة، بلد فيه أزمة بحث عن هوية.

بزيارة قصيرة لماضي عهده جيلي، جيل الثمانينات، والجيل الذي تلاه، نستطيع أن نرى تلك الصورة التي عُلقت على جدران عقولنا، صورة واضحة إلى حد بعيد، بسيطة، يمكن قراءة الأفكار التي نُقشت فيها وفينا بكل سهولة، ربما نقرأ تلك الأفكار بنوستاليجا تجعلنا نرى في تفاصيلها أكثر مما تحتمل، لكن تبقى هذه الأفكار واضحة وبسيطة إلى حد بعيد، أفكار عن الهوية الوطنية وعن القضايا الكبرى وعن الحقوق والواجبات ومفاهيم أخرى.
هذه الاجيال ذاتها تختلف إختلافاً واسعاً اليوم حول تلك المفاهيم والقضايا وعلى رأسها قضية الأرض ولنا في فلسطين مثالاً، لكن ماهي الهوية؟ من أين أتت الفكرة؟
نشأت فكرة الهوية بنشأة الإنسان، حيث إرتبط إدراكه للمعاني بإدراكه لأهمية الحكاية، أهمية القصص التي تحولت في مرحلة ما إلى نقوش ورسوم على الجدران، ولطالما إرتبطت الحكاية بالأرض التي تحيط بالراوي، هي وكل ما عليها من عناصر تحولت للمسرح الذي تحاك فيه ذاكرة حكاية وتاريخ الإنسان.
هكذا عاش الانسان لعصور وهو يتعامل مع الأرض وأهميتها له ولكن لم تبرز مفاهيم الهوية الوطنية وتتبلور كما نعلمها الآن إلا في القرنيين الثامن والتاسع عشر خاصة في أوروبا، ويرتبط إبرازها والتركيز عليها بقوة بأسباب سياسية واجتماعية كانت تمر بها القارة، وبالتبعية تأثرت الفلسفة والفكر بشكل عام بتلك التغيرات.

حظي ذلك المفهوم بإهتمام واسع ومحاولات كثيرة لتعريفه، ومنها تعريف المفكر صموئيل هنتنجتون بأن الهوية “إدراك فرد أو جماعة لمعنى الذات، وأن لهذه الجماعة وأفرادها سمات تميزهم عن غيرهم” وعليه يمكن فهم الهوية الوطنية على أنها تميز الجماعة وأفرادها داخل دولة ما بسمات وصفات لا يملكها غيرهم، لكن ما هي هذه الصفات؟ هل هي جسدية مثلا؟ ما نوعها؟ لا أملك اجابة محددة ولكن ما يمكن قوله أنها صفات متخيلة تزرع في أفراد الجماعة لأغراض سياسية واجتماعية في جوهرها تعمل على ربط الأفراد بالأرض والانتماء إليها.
في رحلة قصيرة في طريق تطور هذه المفاهيم نلتقي بواحد من أهم الأسماء التي إن ذكرت الهوية الوطنية ذكر اسمه هو فرانتس عمر فانون.

ولد فانون عام 1925 بفور دو فرانس بجزر المارتنيك التابعة لفرنسا، كان جندي بالجيش الفرنسي وعمل طبيباً عسكرياً في الجزائر، ثم أنضم الرجل لجبهة التحرير الوطني الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي وعمل بجوار الطب صحفياً ومحرراً بصحيفة المجاهد التابعة للجبهة، ومنها انطلق فانون في بلورة وكتابة أفكاره عن الهوية الوطنية التي كانت تشعل الحماس في نفوس الجزائرين وتحثهم على التمسك بالقضية والأرض، ومن أهم كتاباته معذبو الأرض وبشرة سمراء وأقنعة بيضاء ونحو الثورة الأفريقية إلخ
كل هذا وفانون مواطناً فرنسياً، إذا بنظرة سريعة على مفهوم الهوية الوطنية السابق فهي ليست قضيته، هي ليست أرضه، بل ببساطة أرض عدوه، إذًا لم تكن القضية هوية وطنية، بل قضية إنسانية في المقام الأول.
والسؤال إذا هل وضع القضايا الإنسانية داخل إطار هوية سواء وطنية أو دينية بات صالحاً الآن؟ هل هو في صالح القضية؟
نعود للصورة التي علقها جيلي على جدرانه عن القضايا الكبرى وعلى رأسها قضية الأرض، هل رُسمت فينا هذه القضايا بألوان الهوية؟ أم بألوان الانسانية؟ سأترك هذه الساحة خالية ليضع كل منا فيها إجابته بنفسه.
الواقع أن الصدع في الهوايات الدينية والوطنية الذي دب في جدار هذا الجيل في السنوات الأخيرة أكبر من أن تغطية لوحة، إنقسم الجدار وإنهارت بعض اجزاءه، وأصبح صراع الكثير من أبناء الجيل معه هو ذاته، والرغبة في الإنتقام منه وتحطيمه هي الغالبة، في سنوات ما بعد الثورات أصبح كل له ثأر، إما ديني أو سياسي وأصبح ثوب الهويات مهلل لا يستر عورات، فهل من العقل وضعه على جسد قضايا الأرض؟ أليس الأفضل نزع هذه الاثواب البالية ووضع ثوب الإنسانية على هذه القضايا؟
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد