الرقص الجامعي أثناء التخرج.. بقلم: محمود عماد
محمود عماد

لن أستطيع أن أحدثكم عن خبرتي مع حفلة تخرجي، فأنا شخص كئيب جدا، ولم أحضر حفلة تخرجي رغم أنني كنت الأول على قسمي، وبالتالي كنت سأنال تكريماً محترماً لو حضرت، لكني فضلت الجلوس في الغرفة، واحتساء قهوة المثقفين، والبكاء على عدم ذهابي للكلية بعد ذلك.
كئيب لاقصى حد كما قلت لك، حتى أنني تزوجت، وقمنا بعمل فرح، ولم أحضره.
لكن هذا لا يمنع أن أنتقد مشاهد الاحتفال المبتذل في حفلات التخرج الجامعي من وجه نظر حيادية تماما! أكذب بالطبع، فهذا مقال رأي وليس به أي شبهة حيادية، ويستند على التحليل العاطفي لكاتب المقال. أي نعم هذا الكئيب الذي أحدثك عنه.
وماذا عنك أنت؟ هل شاهدت فيديو الطالب الذي يرقص وهو يتسلم شهادة تخرجه على أنغام مهرجان (أنا مش فاكر الكوبليه) للأستاذ المبدع (أوكا) زوج الفنانة الشاملة متعددة المواهب (مي كساب)، وسط ترحيب من زملائه وأعضاء هيئة التدريس المنوط بهم تسليمه الشهادة.
إن لم تشاهده فهو ترند جديد، يمكنك البحث عنه على مواقع التواصل الاجتماعي.
للوهلة الأولى – وأنا أشاهد هذا المشهد – انتابني شعور بالاشمئزاز، ليس من كلمات المهرجان – التي لم تكتب أصلا، وتم استبدالها بكلمات: أنا مش فاكر الكوبليه، لكي لا يتعبوا أنفسهم في كتابة الأغنية – فهو مهرجان للرقص، لا الاستماع سيدي الفاضل.
وليس من الشاب الصغير الذي لم يكمل من العمر ٢٢ ربيعاً، بل من الدكتورة الموقرة خلف طاولة المسرح، وهي تصفق مرحبة ومهللة بهذا العبث.
ذكرني هذا المشهد بالفتاة التي كانت ترقص هي الأخرى في حفلها بشكل فج، قبل شهر ونصف من الآن، وانتشر الفيديو الخاص بها كالنار في الهشيم، حتى أن مذيعة الترند الأولى في مصر الأستاذ ريهام سعيد استضافت الفتاة المظلومة كي تدافع عن نفسها أمام الجمهور من حملات التنمر البشعة جدا خالص التي شبهتها بحسن شاكوش، في حين علقت ريهام على تلك الادعاءات ثقيلة الظل، وقالت للفتاة انتي زي القمر في الليلة الغبرة.
وللأمانة الغبرة الحقيقية حين أطلت علينا ريهام سعيد عبر الشاشة الصغيرة لأول مرة، فقد فاقت مرارة الشعب قدرتها على تحمل برنامج الصبايا لكن لهذا حديثا آخر.
ماذا عن الرقص المبتذل أمام الأهل والأصدقاء في حفلات تخرج الجامعات المصرية.
الأمر الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى بروتوكول معتمد، ومعترف به من الأكاديمية المصرية – ونعوذ بالله من كلمة أكاديمية – وأصبح أمرا مستساغا لا يعترض عليه المدافعون عن أسطورة الحرم الجامعي الذي صدعونا وصدعوا دماغ اللى خلفونا أيام دراستي الجامعية منذ ٨ سنوات فقط!
ارتبط مشهد الرقص هذا بمشاهد كثيرة تم زرعها – عن عمد – في كل استحقاق انتخابي خلال السنوات الأخيرة. فقد ظهرت هناك ظاهرة لنساء يرقصن أمام اللجان الانتخابية خلال أيام الاقتراع. والغريب أن هؤلاء النساء لا يقمن بالتصويت لأي مرشح بل يتمايلون فقط، ويتراقصون بشكل مبتذل متغنين بالاستقرار والعرس الانتخابي، بغض النظر عن نتيجته. بالطبع لأن النتيجة معروفة مسبقاً.
لكن الشاهد من الأمر أن الدولة المصرية في نسختها الجديدة كما يسميها أعضاء اتحاد رابطة الشاشة الصغيرة الجمهورية الجديدة – قد وضعت تقليدا مجتمعيا جديدا وهو الرقص كتعبير عن الاحتفال، حتى لو كان احتفالا قبل الأوان أو في مكان لا يناسب الرقص كالجامعة، أو لا يناسب الظرف كاستلام شهادة علمية مرموقة!
سألت نفسي:
هو الجامعات المصرية فيها تعليم؟ لأ
الخريجين بيشتغلوا حاجة لها لازمة؟ لأ
مصر بتستفيد أي شىء من التعليم الأساسي أو الجامعي؟ لأ
بيعمل حاجة التعليم في وطن ضايع؟ لا
أومال انت بتضحك على إيه؟ على خيبتك يا ابن الخايبة!
فإن كنت تحتفل بانتهاء الدراسة، وبداية مرحلة جديدة، فالمرحلة الجديدة أسود وأسوأ من الدراسة.
وإن كنت تحتفل للحصول على الشهادة، فالشهادة ورقة بالية ليس لها قيمة.
وإن كنت تريد أن تحتفل مع أصدقائك شوية، وتنسى الهم وتنسى الآسية فليس هذا هو المكان المناسب، تقدر تروح أي ملهى ليلي يسمح بدخول غير الكابلز.
والجد أقول لكم لقد عصرت ذهني لأحاول الإجابة عن السؤال من وجهة نظر الطالب أو الطالبة، ولماذا نرقص هنا. والآن، وبعد العصر /صليت العشا/ احم احم، قصدي بعد العصر نزلت فكرة لمونية حامضة، وهي أن هذا الطالب يشعر بأنه انتهى من عذاب الدراسة غير المفيد وغير المجدي.
لقد تخلص من عبء الذهاب لمكان يكرهه، ولا يريد الاستمرار فيه، ولم يختره أصلا من البداية، ومين فينا يا زمان اختار يكون هنا.
لذلك هو يرقص فرحا وابتهاجا بمن نهاية المعاناة المريرة التي تنتهي ببكالريوس أو ليسانس سيعلقه في مكان معلوم داخل غرفته، ويذهب للبحث عن عمل كسائق أوبر أو في كول سنتر أو خدمة عملاء في شركة اتصالات بمرتب مجز جدا لن يمكنه من شراء بنطلون جديد.
يتذكر الطالب كل هذا المستقبل المشرق في لحظة لينفجر في البكاء والعواء، ثم يبدأ في الهدوء والابتسام والضحك لتتحول مشاعر الضيق إلى هيستريا من الضحك والرقص على الأحزان.
أو لعله يقول في نفسه: قد أرقص أمام الكاميرات وأصبح ترندا جديدا، ويعرفني الناس ويطلبونني في إعلان لشركة اتصالات بمليون جنيه، بدل العمل لديهم في خدمة العملا، وأكون قد حققت جميع أحلامي من فيديو واحد.
يا لها من فرصة ذهبية!
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد