الضرب في لسان القرآن … بقلم: شادي المصري

إن الذين يزعمون أن الحق يداهن ويتملق وينافق مجتمعًا ذكوريًا في بقعة صغيرة من الأرض، و يقرهم على قهرهم للمرأة وظلمهم لها، وهضم حقوقها، وانتهاك كرامتها وإنسانيتها هم واهمون وغافلون عن طبيعة كتب وخطاب الحكمة التي تتجاوز الزمان والمكان والأحداث والأشخاص، فهي معنية بكل هؤلاء في كل وقت وحين وزمان ومكان، وتلك هي طبيعة خطاب الحكمة، وإلا فلا يمكن توصيفه كخطاب حكمة على الإطلاق!! 

شادي المصري

69539291_516002292278930_8347095088089792512_n-edited-1 الضرب في لسان القرآن ... بقلم: شادي المصري

 “جواز عتريس من فؤادة باطل” شعار وهتاف ثوري في وجه كل حاكم ظالم مستبد، وضد مفهوم مغلوط وخاطئ لقول الحق (وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم ).

 فكان هذا الفيلم (شيئ من الخوف) صرخة في وجه الطغاة والكهنوت الديني الداعم له، وجاء ليدحض هذا الوعي الزائف، وينير لنا الطريق للمفهوم الصحيح لمعنى “الطاعة” في لسان القرآن الذي شوهه التراثيون والفقهاء، وحولوه بمعنى تنفيذ الأوامر بصورة إلزامية. 

ويتناقض هذا مع مفهوم الطاعة في لسان القرآن الذي يقترب بصورة لصيقة من مفهوم كلمة تطوع volunteering، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاختيار الطوعي بحرية وإرادة كاملة، وعن رغبة وحب وشوق للأوامر القرآنية التي هي في الأصل للاستحباب لا للإلزام. 

الإنسان هو الذي يفرض على نفسه فعل أي شيء إبتداءًا كقول الحق (فمن فرض فيهن الحج…)، وبالتالي فالإنسان هو الذي يفرض على نفسه ابتداءً وليس مفروضًا عليه من قبل كما نظن!! (وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم)، فطاعة الله والرسول هي اختيارية وليست إلزامية لم يجبرنا الحق على طاعته أو يكرهنا  أبدًا (لا إكراه في الدين)، (متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا)، حتى كلمة “عبد” تم تحريفها ففي لسان القرآن كلمة عبد مرادفة  لحبيب أو عاشق، وكانت تستخدم إلى عهد قريب بهذا المفهوم. وتؤكد الوثائق والمخطوطات منذ أكثر من ألف سنة – مروراً بالعصر المملوكي والعثماني – على هذا المعنى. 

وحتى في القرن العشرين نسمع أغنية تقول: شبيكي لبيكي عبدك ملك إيديكي، فهل الحبيب يشعر بالقهر والذلة من معشوقته، أم هو يعبر لها عن ولهه بها؟. وكلمة عبد من تعبيد الطرق وتحسينها، فهي تشير إلى الحسن والجمال، وهي من كلمات التضاد أطلقها المُلّاك على خدمهم، حتى لا يشعروا بالمهانة، كما تقول لخادمك “أنت حبيبي”، وكما قال النبي معبرًا عن محبته للحق (قال إني عبد الله)، فهو يُعَبِّد الوجود والكون، ويتآلف مع قوانينه كي يحصل على الحسن والجمال.

مشهد من فيلم شيء من الخوف

ولكن لأن اللغة تتغير دلالاتها بصورة دورية فقد تم ازدراء الكلمة نظراً لارتباطها بالإكراه والسخرة والتعذيب والاستبداد من ممارسات اجتماعية ظالمة بشعة، لا تحافظ على حقوق الإنسان وحرياته فهل من الموضوعية والحيادية أن أحاكم مؤلف المصحف على استخدامها بدون أن أفهم سياقها الداخلي في المصحف ودلالتها المناقضة لمعناها الحالي؟!

 حصل نفس الشيء مع مفهوم الضرب، فكانت دلالته القديمة تعبر عن الفعل بإتقان وحكمة، وكان يدل على مضاعفة القيمة وزيادتها (كجدول الضرب)، بل وكان يدل على الإتيان بشيء بديل وجديد ومبدع (ويضرب الله الأمثال للناس)، وهذا يستدعي الخيال الخصب الفني الجميل، فكان الضرب هنا ضربًا من الخيال يعبر عن نوع آخر من المقاربة حتى تتضح الصورة ويشرق البيان فالضرب في القرآن عمل تجريدي وقيمي وعقلاني ومعنوي فيه حكمة وبيان، وليس عملا ماديا فيزيائيا في أصل اللسان العربي 

وجاءت آية (واضربوهن) في سياق مجالس علم فيها منافسة محمودة وشريفة (نشوز)، وتفوق علمي ونبوغ معرفي وعظات ومحاضرات وتقييم وتقويم وأساتذة (رجال من الذكور والإناث)، وطلبة علم (نساء من الذكور والإناث)، وقبل التصنيف يتم التقييم (تخافون نشوزهن) بناءً على نسبة ال IQ أو نسبة الذكاء والتحصيل العلمي والمعرفي وعوامل أخرى عديدة تساعد في وضع الطالب في مكانه الصحيح الطبيعي (المضاجع)، الذي يتناسب مع إمكانياته الذهنية والعقلية والإدراكية، ولا يترك مع أقرانه الذين هم في نفس عمره، بل يتم تصعيده ونقله (واهجروهن في المضاجع) لفصل دراسي آخر، حتى وإن كان في نفس المدرسة، نرى هذا في مدارس كثيرة، ويسمونه (فصل المتفوقين)، ثم يأتي “الضرب القرآني” كآلية لتشجيع الطالب وتحفيزه بالشهادات والجوائز التقديرية والدعم المالي والمعنوي، لمواصلة طريقه في البحث والتحليل والتفكير النقدي والإبداعي! فهل من الموضوعية والأكاديمية في فهم النصوص أن نخضعها للسان مؤلفها الخاص المتفرد، أم نخضعها للغتنا الحالية التي هي مغايرة بنسبة ليست بالقليلة عن عصر التنزيل الحكيم؟!

screenshot-2024-07-21-at-20.47.23-1 الضرب في لسان القرآن ... بقلم: شادي المصري

إن الذين يزعمون أن الحق يداهن ويتملق وينافق مجتمعا ذكوريًا في بقعة صغيرة من الأرض، و يقرهم على قهرهم للمرأة وظلمهم لها، وهضم حقوقها، وانتهاك كرامتها وإنسانيتها هم واهمون وغافلون عن طبيعة كتب وخطاب الحكمة التي تتجاوز الزمان والمكان والأحداث والأشخاص، فهي معنية بكل هؤلاء في كل وقت وحين وزمان ومكان، وتلك هي طبيعة خطاب الحكمة، وإلا فلا يمكن توصيفه كخطاب حكمة على الإطلاق!! 

كيف نظن أن الحق يأمر بالتعدي على جسد المرأة مجاراة لواقع بغيض؟! وهو الذي حذر نبيه من ذلك (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)، كيف نظن ذلك؟! وهو الذي حرم الاعتداء على حرمة الإنسان، وانتهاك حقوقه، منذ بدء الخليقة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟؟!!) فهل هناك فساد أخلاقي أكثر من صفع إمرأة على وجهها وانتهاك  كرامتها وإنسانيتها بزعم الإصلاح ؟؟!! 

أي إصلاح هذا ؟! 

تعالى الحق عن ذلك علوًا كبيرًا.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات