الفلسفة والتصوف..الجلسة الأخيرة من دورة سوسيولوجيا الفلسفة الإسلامية

فكر 26 أبريل، 2025 1 تعليقات

الفلسفة والتصوف..الجلسة الأخيرة من دورة سوسيولوجيا الفلسفة الإسلامية

نصل اليوم إلى المحطة الأخيرة من هذه الدورة التي فتحت لنا نوافذ جديدة على سوسيولوجيا الفلسفة الإسلامية، ورافقتنا في تأمل طويل وعميق في تشكّلات الفكر، وتقاطعاته مع الاجتماع والتاريخ. وفي هذه المحاضرة، اصطحبنا الباحث محمد صلاح في جولة ثرية وممتعة بين عوالم الصوفية سواء في نشأتها، وتطوّرها، أو في علاقتها المعقدة والمتشابكة بالفلسفة الإسلامية، وتأثيراتها الممتدة في مختلف التقاليد الدينية والمعرفية. لم تكن المحاضرة مجرّد استعراضٍ تاريخي، بل كانت دعوة للتفكّر، لملامسة البُعد الإنساني في التجربة الصوفية، ذلك البعد الذي لا يُختصر في مفاهيم أو مناهج، بل يلامس أعمق ما في النفس من توقٍ للحقيقة والمعنى.

أصول الصوفية وتطورها التاريخي

ناقش محمد أصل مصطلح الصوفية وتطوره التاريخي. وحاول الكشف عن العلاقة الجدلية بين التصوف والفلسفة، مسلطًا الضوء على تأثير بعض السلطات في بلورة التصوف. كما تطرق محمد إلى مسألة الأصالة، وناقش ما إذا كانت الصوفية مفهومًا إسلاميًا أصليًا أو خارجيًا متأثرًا بالأديان الأخرى. وأكد على دور الترجمة والاحتكاك الثقافي وإرث العصور القديمة المتأخرة في تشكيل الصوفية.

تطور الصوفية وتأثيراتها

ناقش صلاح تطور الصوفية، متتبعًا جذورها إلى الفترة الإسلامية المبكرة وتطورها من خلال التأثيرات المختلفة. وسلط الضوء على دور الشخصيات الرئيسية مثل ابن تيمية، والحارث المحاسبي وأبو يزيد البسطامي، في تشكيل الفكر الصوفي. كما تناول العلاقة بين الصوفية والتقاليد الفلسفية والدينية الأخرى، بما في ذلك المسيحية واليهودية. وناقش الرأي القائل بأن أصول الصوفية كانت شيعية أكثر منها سنية، وأنها تأثرت بالفكر الفارسي والهندي. واختتم محمد حديثه بالتأكيد على أهمية فهم السياق الاجتماعي لتطور الصوفية، بما في ذلك صلاتها بمختلف العلوم والمعرفة الباطنية.

التصوف في البصرة والكوفة

ناقش محمد تطور التصوف في البصرة والكوفة، وتأثيره على التصوف السني، وعلاقته بالسلطة. وسلط الضوء على دور الحارث المحاسبي هذا التطور وظهور الصوفيين مثل جنيد وجيلاني. كما تطرق إلى العلاقة بين التصوف النظري والباطنية الإسماعيلية، وناقش أن الضرورة جعلت السلطات السنية يحاربون الإسماعليين بأسلحتهم. وأشار إلى دعم الصوفية من قبل الأيوبيين والقضية الإسماعيلية باعتبارها لحظة حاسمة. كما ناقش محمد الفرق بين الفلاسفة والصوفيين ومصدر المعرفة ودور التصوف في المجتمع. واختتم حديثه بالإشارة إلى النزعة الإنسانية العالمية في التصوف وقضية الفناء.

نقد التصوف

ركز الحوار على المواقف المختلفة تجاه الصوفية وعلاقتها بالتقاليد الإسلامية الأخرى. ووضح المحاضر تنوع وجهات النظر بين الطوائف المختلفة. ويذكر أن بعض الصوفيين أنفسهم انتقدوا جوانب معينة من التصوفية، في حين حاول آخرون التوفيق بينها وبين المبادئ الإسلامية. كما تطرق الحديث إلى تأثير الفلسفة الأفلاطونية على الصوفية وتفسير الآيات القرآنية المتعلقة بالرهبان والنسك.

التصوف الإسلامي والفلسفة

ناقش محمد العلاقة بين التصوف الإسلامي (الصوفية) والفلسفة، وركز على شخصيات رئيسية مثل ابن عربي والغزالي والملا صدرا. وهو يشرح كيف حاول هؤلاء المفكرين التوفيق بين التجارب الصوفية مع الفكر العقلاني والعقيدة الدينية. يسلط محمد الضوء على تأثير الأفلاطونية الجديدة في الفلسفة الإسلامية والتصوف، وكيف طور المفكرون اللاحقون تقليدًا فلسفيًا يجمع بين الخطاب العقلي والممارسة الروحية. وأشار إلى أنه في أواخر العصور القديمة، كان يُنظر إلى الفلسفة كرحلة خلاصية تهدف إلى الاتحاد مع الإلهي، بدلاً من مجرد البحث عن الحقيقة.

التصوف الإسلامي والصوفية

غطت المناقشة جوانب مختلفة من التصوف والفلسفة الإسلامية، وركزت على شخصيات مثل ابن عربي والسهروردي. ويرى صلاح أن ابن عربي شخصية معقدة ومتناقضة، ويمكن تفسير أعماله بطرق متعددة. ثم ناقش الحضور تأثير التصوف الهندي على الصوفية الإسلامية والعلاقة بين الصوفية والتقاليد الفلسفية الأخرى، والتصور الحالي للصوفية، حيث أشار الدكتور محمد عيسى إلى أن ردود الفعل السلبية على الصوفية غالبًا ما تكون بسبب الجهل بتاريخها وطبيعتها الحقيقية. وتختتم المحادثة بتأملات حول تحديات فهم الأفكار الصوفية وإيصالها إلى عامة الناس.

ومع أن هذه المحاضرة تختتم سلسلة اللقاءات، إلا أنها فتحت أبوابًا لا تُغلق، وأسئلة لا تنتهي. وهو أجمل ما في الفلسفة، كل الشكر للباحث محمد صلاح الذي لم يقدّم فقط مادة معرفية غنية، بل أتاح مساحة للتأمل والمراجعة والمساءلة، وشكرًا لكل من كان جزءًا من هذه الرحلة.

للاستماع لتسجيل صوتي للجلسة علي اذاعة تفكير على تليجرام اضغط هنا