تأملات فى بيولوچيا الخوف.. بعيون أكمل صفوت

بقلم: أكمل صفوت

طبيب استشاري علاج الأورام بمستشفى جامعة أرهوس بالدانمرك ومن المهتمين بالفكر الديني والإسلام السياسي وهموم المصريين في المهجر.

screenshot-2024-05-25-at-07.23.32 تأملات فى بيولوچيا الخوف.. بعيون أكمل صفوت

دى كلمات الأبنودى اللي بتوصف “عتريس” فى فيلم “شئ من الخوف”. عتريس -زى أى ديكتاتور- بيستخدم الخوف سلاح علشان يحكم قبضته على السلطة وسط الدهاشنة ويخرس المعارضة.

طيب إحنا نعرف إيه عن الخوف؟

نعرف انه سلاح فعّال لأنه شعور “غريزي”، قديم بيولوجياً بمعنى انه متأصل فى الجينات وموجود فى كل الكائنات من أبسطها وأقلها تعقيدًا لحد الإنسان. الخوف ضروري لحفظ النوع من نوازل البيئة وأخطار الأنواع الأخرى، الحكمة البيولوجية من وجود غريزة الخوف لخصّها المثل اللى بيقول “من خاف، سلم”. علشان كده علماء كتير درسوا الخوف وحللوه. واحد من الأسئلة المهمة والشهيرة هو عن العلاقة بين الغريزة والتعلم، يعني هل خوف القطط من الكلاب غريزي بس ولّا كمان تتعلمه القطط الصغيرة من القطط الكبيرة؟

سنة ٢٠٠٨ نشر مجموعة من الباحثين الأمريكيين دراسة مهمة وفريدة من نوعها. فى التجربة دى الباحثين عرّضوا مجموعة من الفئران لرائحة عطرية معينة وكل مرة ينشروا فيها الرائحة دى، يعرّضوا الفيران لصدمات كهربائية. النتيجة المتوقعة للتجربة إن الفئران بقت تخاف من الرائحة دى وكل مرة يعرّضوا الفئران ليها، تصاب الفئران بالفزع.

الجديد كان إن العلماء اكتشفوا إن الفئران دى بقى عندها عدد أكبر من مستقبلات الرائحة دى بالذات فى أنفها وعدد أكبر من الوصلات العصبية لإدراك الرائحة فى المخ. يعني الفئران دى بقت أكثر حساسية وقدرة على اكتشاف هذه الرائحة المخيفة وتمييزها. ده كان شئ مدهش وجديد، إن الخوف يقدر يغير فى طبيعة الجسم وصفاته البيولوجية.

الأهم والأكثر إثارة إن العلماء بعد ماعرّضوا الفئران دى للتجربة السابقة لمدة ٨ ايام متصلة تركوها لمدة ٣ أيام وبعدين سمحوا للفئران دي بالتزاوج. عشان يكتشفوا ان الفئران المولودة للفئران “الخائفة” من الرائحة بتظهر عليها نفس علامات الفزع لما تتعرض للرائحة رغم إنها عمرها ما تعرّضت للصدمات الكهربائية مع الرائحة دي، كمان العلماء وجدوا عند الجيل التانى ده من الفئران نفس العدد الكبير لمستقبلات الرائحة دي فى الأنف والمخ. وعلشان الباحثين يتأكدوا إن الظاهرة مالهاش أى دعوة بأى درجة من التعليم والتلقين من الجيل الخائف لأبنائه، عملوا تلقيح صناعى، يعني أخدوا من الفئران الخائفة حيواناتها المنوية ونقلوها معمل تاني خالص ولقّحوا بيها إناث فئران ملهاش علاقة بالتجربة، وبرضه لقوا نفس النتيجة.

الفئران ورّثت أبناءها الخوف.

الدقة اللي التجربة اتعملت بيها لا تدع مجال للشك فى النتائج لكن لسه في تساؤلات حول إزاي الخوف المكتسب يتحول لخوف غريزي.

النظرية العلمية اللى ممكن تفسر الظاهرة المدهشة دي إن الجينات الوراثية لها مفاتيح زى مفاتيح فيشة الكهرباء عن طريقها الجينات دى تشتغل أو تبطل. المفاتيح دى بيسموها مؤثرات “فوق جينية”.

1000022148 تأملات فى بيولوچيا الخوف.. بعيون أكمل صفوت

التجارب الحياتية القاسية معروف انها تؤثر على الجسم عضوياً، الناس مثلاً ممكن يجيلها السكر والضغط والقلب نتيجة الضغط العصبي. الكلام ده بيحصل نتيجه تعرض الأعضاء دى لجرعات عالية من هرمونات معينة مصاحبة للتوتر، يعنى بسبب التعرض لمواد كيميائية يفرزها الجسم. الجديد اننا اكتشفنا إن الضغوط والمواد الكيميائية دي ممكن تستحدث مؤثر “فوق جيني” يؤثر على الجينات ويتورّث كمان.

من الناحية التطورية الكلام ده منطقى وله معنى لأنها ميزة هائلة إن الكائنات تقدر تورّث خبراتها المكتسبة حول إيه الخطر وفين وإزاى نقدر نتفاداه علشان نعيش.

هل ده ينطبق على الفئران بس؟ غالباً لأ. بس تحديد درجة حدوث نفس الشئ فى الكائنات الأخرى محتاجة دراسات كتير.

ياترى لو الكلام ده موجود فى البشر هيكون معناه إيه بالظبط؟

هل ممكن يكون معناه مثلا إن الناس دى ممكن تورّث النفاق والتطبيل للسلطة كأسلوب ناجح من أساليب التأقلم والتعايش؟ لأن أكيد من وجهة نظر تطورية بحتة، النفاق أسلوب أنجح للبقاء وأضمن لحفظ النوع من مخاطر مواجهة السلطة الغاشمة. وأكيد فى المجتمعات اللى تحكمها السلطة الغاشمة البقاء مابيبقاش للأعدل أو الأحكم أو الأشجع أو الأكثر أخلاقية. فى المجتمعات دي الناس هتفضل تورّث الخوف -حقيقة لا مجازًا- من جيل لجيل ابتغاءً للسلامة.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات