تكوين الصحافة المصرية بين نهايات القرن 19 وبدايات القرن 20 … بقلم: أنسام النجار
أنسام النجار

بدأ أ/ أسامة كلامه بذكر الشيخ عبد الله النديم ثم تحدث عن علي يوسف والذي اعتبره من أبرز من قدم الصحافة الوطنية وأهم جريدة من هذه الناحية كانت المؤيد. ثم انتقل للحديث عن أحمد حلمي وكتاباته في جريدة اللواء فقد كان أول معتقل صحفي بسبب سب الذات الخديوية في تاريخ الصحافة وأول مناضل نقابي وأول من رفع شعارات “تعيش حرية الصحافة”. وأخيرا محمد التابعي وهو المرحلة الأكثر رشاقة في الكتابة الصحفية. هؤلاء الثلاثة المؤثرين في تطور الصحافة سيتم الحديث عنهم باستفاضة فيما بعد خلال باقي المحاضرة.
شعرت بإعجاب أ/ أسامة بعبد الله النديم ، كان يكرر دوما ذكر هذه الجملة كلما أشار له “فيه ناس التاريخ بيرشحهم يكونوا فوانيس العصر ويظلوا أقمارا لمدى غير منظور من تاريخ الأمم”، ولعل السبب فى إعجابه بالنديم كما أشار “يفرق النديم كونه الأكثر ثورية و التصاقا بالثقافة والإبداع الشعبي”. فقد قدم ما يسمى بفن الأدباتي (المساجلة الشعبية.. تشبه عكاظ ولكن بشكل شعبي).

بدأ يتحدث عن النديم، الطفل الفقير الذي ذهب الكتاب في سن صغير ولكن لضيق الحال لم يستطع أن يكمل طريقه إلى الأزهر، رغم براعته في حفظ القرآن. يرى أ/ أسامة أن الموهوبين لديهم تمرد على الرتابة والتخلف. لم يحتمل عبد الله النديم وفق رؤية المحاضر فكرة الالتزام في مسجد القائد إبراهيم وأن ابوه يأس منه تماما. تعلم النديم فيما بعد حرفة التلغراف، وذهب فيما بعد للقصر الكبير وعمل في فترة أم الخديوي إسماعيل قبل تفتيت الميراث وبيعه. اشتغل في التلغراف في القصر الكبير واختلف مع خليل آغا كبير أغوات القصر الكبير، كان آغا مستبد واصطدم بالضرورة مع الثوري النديم.
ساق أستاذ أسامة المزيد من الحوادث التي دللت على وجهة نظره فيما يخص الطبيعة المتمردة للنديم، على سبيل المثال، تعرف عليه عمدة لتعليم أولاده ولكنه تمرد عليه أيضا وكتب فيه شعر ساخر، وأخذ جولة فى طنطا ولم يكن يعلم أن له موهبة في فن الأدباتي. خلال الرحلة بين العمدة وطنطا بدأ يكتشف مواهبه في الشعر وعمل في ذلك لفترة، واستضافه باشا في طنطا وعمل سجال كبير وكان حفل مشهور في طنطا. هذه السجالات والتنقلات بلورت وعي وثقافة النديم. عندما عاد للإسكندرية عمل الجمعية الخيرية الإسلامية. كان طوال الوقت عنده انحياز واشتباك وارتباط بقضايا الناس وأهمية وجود تعليم حديث وليس أزهري.
موقف آخر ذكره أستاذ أسامة كمثال على طبيعة عبد الله النديم المتمردة؛ فقد كان الخديوي توفيق في بدايته مقبل على القضايا الوطنية وانقلب فيما بعد كما ذكر في المحاضرات السابقة، وفي هذه الفترة التي عمل فيها النديم الجمعية الخيرية الإسلامية، وأنشأوا مدرسة وكان قد عمل مدرس وناظر لهذه المدرسة وكانت مفارقة أن يكون ناظر بلا شهادات والخديوي توفيق وقتها أشاد به. في فترة الإسكندرية عمل “التنكيت والتبكيت” والحقيقة أنه كان محظوظ، كلما وضع يده في أمر يحدث إقبال كبير من الناس. كان يكتب بالعامية وبالتالي أزال حمول لغة الصحافة القديمة، كانت عاميته بسيطة ولطيفة وتمس هموم الناس، نجحت التنكيت والتبكيت نجاح كبير.
من هذا النجاح انتقل إلى القاهرة وتزامن ذلك مع الثورة العرابية، كان مؤمنا بالثورة وكان حماسه متخطي الموضوعية وبشر بنجاح الجيش وانحدار الإنجليز والخديوي. بمعنى أدق، لم يكن دعم الخديوي توفيق له رادعا عن ثورية النديم.
كانت مجلة “الطائف” هي الذروة لعبد الله النديم. في هذه الفترة لم يكتفي بالجريدة ولكنه تحول لآلة إعلامية كبيرة، كان ينتقل بين المدن لبث الحماس بين الناس وحثهم على الخروج لدعم الجيش الذي رأى أنه يجب أن ينتصر، ولم تكن له أية رؤية أخرى، ورغم علاقته السابقة الجيدة مع الخديوي لكنه انقلب عليه. وكان من ألذع الناس فى مهاجمته وربما كان الضباط العرابيين حذرين أكثر منه. لم يكن لديه أية محاذير في إظهار دعمه.
كان النديم في كل ما يعمله جيد جدا. حتى أنه كان موهوب في التمثيل والتنكر والتمويه. لما انكسر العرابين واحتل الإنجليز مصر، لم يقبل النديم السجن أو النفي. كل الأماكن التي كان يمشي بها قبل محاكمة الضباط استمر في المرور عليها. لكنه فى النهاية هرب لمدة عشر سنوات، متنقلا من قرية لقرية ومن مدينة لمدينة وكان الناس من العامة والبسطاء يشاركوا في إخفائه وهم لديهم الأمل في أن الثورة ستنتصر في النهاية. كان قد تزوج هو وخادمه في هذه الفترة. ووصل الأمر أن قامت السيدتان بتهديدهم بإفشاء السر في حالة عدم الرضوخ.
فيما بعد صدر عنه عفو في نهاية العشر سنوات مع مطالبته بعدم التحدث مرة أخرى في السياسة، ولكنه لم يستطع ذلك وعاد وعمل جريدة الأستاذ. تعهد وهو يستصدر ترخيصها بعدم التحدث في السياسة ولكنه كان يعود ويتحدث بمنتهى العنف والقوة، فوجب عليهم التخلص منه، لم يعودوا يحتملون جلده ليل نهار، وقرروا نفيه ليافا. ونقل الوشاة دوما أنه يتحدث، ولم يكن لديه تردد ولا تهيب ولا خوف. كان يقرأ في كل المجالات ويكتب. تكوينه الثوري جاهز للاشتباك طوال الوقت. كابن الحياة، ابن الشارع، ابن البيئة الشعبية، النديم كان ثوري ليس من أعلى. كان من الشارع. قدراته مختلفة تماما عن الأفغاني.
مقارنة عبد الله النديم بغيره؛ أمثال الأفغاني ورفاعة الطهطاوي:
اعتاد السلطان العثماني أن يستقبل النديم والأفغاني، كان يحبهم أن يعملوا تحت إشرافه.
الأفغاني كان يتعامل جيدا مع الجميع، على خلاف النديم الذي لم يكن لديه فكرة التوافق والمواءمات، الأفغاني كان رجل فكر بتاع مثقفين، النديم ابن الحياة الذي لم يجلس فى بيئة هادئة، حتى أبوه كان ابن الشقاء الذي تمنى لابنه أن يتعلم.
النديم مات صغيرا لعله بسبب الحماس والاشتباكات دون توقف طوال الوقت. لما تقرأ عن رفاعة تجد همه الأساسي التعليم، لما تقرأ عن محمد عبده تجد همه الأساسي التعليم، الإمام محمد عبده أول واحد اقترح فكرة الهلال الأحمر، كان مفتوح على الواقع يدعم كل ما يفيد وينفع. ربما أكثر من استهلك قلبه النووي فيهم كان عبد الله النديم.
كل ما تحدث عنه رفاعة من تحديث لغة الصحافة وتخليصها من السجع والمشاكل اللغوية الكثيرة، كان عبد الله النديم أول من حققه. الوقائع كانت رسمية جدا ودولية جدا، نجد النديم فى التبكيت والتنكيت لغته قريبة جدا من الناس وهذا سبب نجاحها.
لكن الفقر الشديد كان عامل مشترك بينهم.
انتقل الأستاذ أسامة للحديث عن علي يوسف الذي وصفه “بحدوتة مصرية تستحق التوقف”.
كان علي يوسف معدما، جاء من سوهاج إلى القاهرة ليتعلم في الأزهر الشريف، وكان شاعرا له ديوان قبل العمل في الصحافة. في هذا الوقت كانت الصحف كثيرة كما قلنا سابقا. تنوع الصحافة كان يشغل أذهان بعض القرويين الطموحين.

بدأ بالحديث عن طبيعة الأجواء المحيطة بالشيخ علي يوسف والتي ساهمت في تفرده فيما قدمه للصحافة. فقد كان من المؤججات الرئيسية للمشاعر الوطنية، أزمة ديون الخديوي إسماعيل التي أدت لازدياد النفوذ الاجنبي وقتها. كانت الصحافة بعد الثورة العرابية المنوط بها التعبير عن الشعب وجريدة المؤيد كتب فيها شخصيات مثل مصطفى كامل وهو صغير-(المؤيد وصل توزيعها لأكثر من مئة ألف. كانت توزع في العالم العربي والإسلامي، تخيل زنجبار كانت تصل لها المؤيد بتاعت علي يوسف)- كان علي يوسف فقيرا، أقصى طموحه أن يقرأ على المقابر، ذلك ما قاله عنه أحمد بهاء الدين، علي يوسف الذي أصبح فيما بعد، رائد الصحافة المصرية الحديثة. لقد صعد من تحت الحضيض ليصبح صحفيا وأحد المؤثرين الكبار فى الرأي العام المصري؛ لدرجة أن السلطان العثماني تقرب للشيخ علي يوسف ودعاه إلى اسطنبول ليمنحه أعلى الأنواط، ويصبح عضو برلمان وشريك في الهلال الأحمر ويشارك فى المطالبة بإنشاء الجامعة المصرية.
لكن ما يجعله حدوتة مصرية، هو أن ينتهى نقيض كل هذا النجاح وكل هذا التحقق وكل هذه الوطنية.
حاربه اللورد كرومر ووضع له الكثير من العراقيل التي كان يتجاوزها، مثال على ذلك أول واحد عمل حجب أو تخصيص المصادر هو اللورد كرومر، أنه يعمل حجب أو منع للمصادر عن الصحف غير الموالية للإنجليز وجريدة مثل المقطم الموالية لهم تأخذ أهم الأخبار حتى تتميز بالسبق، ويمنع ذلك عن الشيخ علي يوسف.
ما هي قصة التلغراف؟ القصة التى وضحت كارثة تخصيص المصادر التي قام بها اللورد كرومر…
كان قد أُرسل من السودان تلغرافا إلى اللورد كرومر يخبره أن الكوليرا انتشرت في الجيش المصري ووصلت لأقصى شمال السودان وهذا يؤثر على الجيش المصري وأيضا الجيش الإنجليزي. التلغراف كان في غاية السرية، لكن عامل التلغراف المسيحي، قام بإرسال التلغراف للشيخ علي يوسف الذي قام بنشره في الصفحة الأولى وقلب البلد كلها، وجن جنون كرومر الذي وجد الشيخ علي يوسف يتحداه ويتحدى سلطة الاحتلال ويتحدى كل القوة العسكرية ولا يهتم ويفضح سياسة الإنجليز وتآمرهم على الجيش المصري.
حاول الخديوي عباس حلمي جعل علي يوسف يبقى أكثر لطفا وهدوءا ويبقى علاقته جيدة بالإنجليز.قام بدعوته لإنجلترا كي يكتب عن لندرة كما كانوا يسمونها وقتها. لكنه نظر لها ككعبة السياسيين المصريين وكان لابد من التفكير في صيغة إصلاحية مع القضايا الوطنية. أي أنه كان يتحرك على خلاف ما أريد له.
أحمد بهاء الدين الذي اعتبر علي يوسف رائد الصحافة المصرية، ذكر زواج الشيخ علي يوسف من ابنة الشيخ السادات والتي كانت قضية رأي عام، ويلفت نظرنا أنه كان شخصية الرأى العام وقتها وسيتم ذكر تفاصيلها فيما بعد.
نعود للقضية التي لفقها له اللورد كرومر والتي كان يتحدث عنها الناس في أقاصي القرى وكان كلهم مهتمين إذا ما برأته المحكمة. كيف أن يتجرأ قاضي مصري ويحكم له بالبراءة. موظف التلغراف الوطني كان مدانا هو الآخر، لكن فى المحكمة تم تبرئة الاثنين في عز الاحتلال.
قضية زواج علي يوسف من ابنة الشيخ السادات كمثال على أن حتى حياته الشخصية كانت قضية رأى عام. لقد احتج الشيخ السادات أمام المحكمة بالفروق الطبقية، حجته أنه لا يليق بالزواج من ابنة الشيخ السادات، لدرجة أن أحد الشيوخ طالب بفحص انتماء الشيخ السادات للحسين. الحسين نفسه في زيجاته الأربعين لم يكن ينظر للفروق الطبقية. الشيخ السادات بحديثه عن الفروق الطبقية، فهو يجالس الخديوي والخليفة العباسي طول الوقت ومن المقربين والمستشارين. وانتهى حكم المحكمة بتطليق زوجته ابنة الشيخ السادات، زوجته التي كانت تحبه لكن أبوها وقف لها بالمرصاد.
لقد حقق علي يوسف مجدا لم يصل له رئيس تحرير في مدى نصف قرن. لم يكسر أحد مئة ألف في التوزيع فى دولة 6 مليون، 500 ألف أجنبي، أغلب الشعب أمى، يعتبر هذا الرقم له دلالة كبيرة جدا، ولكن كانت نهايته مع الأسف نهاية محزنة، لما بدأ في النهاية يهادن وعمل حزب الإصلاح الدستوري، وطلعت جريدة اللواء وكان الكاتب العظيم أحمد حلمي يكتب بها، حدث اشتباك قوي جدا، ووقف للشيخ علي يوسف بالمرصاد عندما هادن بشكل غير مفهوم.

ننتقل إلى أحمد حلمي الذي كان موهوبا بالفطرة، كان يكتب شعرا، لعل موهبة صلاح جاهين انتقلت له من موهبة جده أحمد حلمي. كان قد كتب إهداء لحفيده في أحد الكتب.. فقد ولد في بيت خاله الذي كان يفتح على الحسين، خاله كان موظف حسابات في جهة ما. كان مراسل لجريدة في الإسكندرية وكان مندوبها في القاهرة، وكانت أول تجربة له في الصحافة. وعمل في مجلة للمرأة لكن لا توجد لها أي نسخ في مصر، للأسف لدينا خلل في الأرشيف.
يلمع اسم أحمد حلمي في وقت كان مصطفى كامل ومحمد فريد قرروا يعملوا جريدة اللواء. عمل معهم وظهرت موهبته في الكتابة، الكتابة بشكل وطني رشيق راق. كان هناك اشتباك بين المؤيد والمقطم التي كانت منحازة للإنجليز. جريدة اللواء وأحمد حلمي الذي امتلك نفس حماس عبد الله النديم مع اختلاف أنه حصل على بعض التعليم بشكل أفضل وكان شكله شوية أفندي عن عبد الله النديم الذي كان يلبس جلباب الأزهر. أفندي من المناضلين، اشتركا في اشتباك مع جريدة المقطم فيما يخص القضايا الوطنية.
توجد عدة كتب عن علاقة الصحافة بالقضايا الوطنية، دائما ستجد أحمد حلمي في صدارتهم. كان ممن عاصروا دنشواي التي كانت أبرز حدث أو نقول فضيحة وقتها وكانت اللواء اشتغلت عليها، يعني كان أحمد حلمي مراسل الجريدة من دنشواي، لم يترك تفصيلة إلا وذكرها. أحمد حلمي كان يحمل هم الوطن على أكتافه، كأنه مسؤول عن الفلاحين الذين آذتهم دنشواي.
مثال على القضايا الوطنية التي كان يثيرها، قصة جثمان المناضل الوطني محمد فريد في ألمانيا. كانوا قد تركوه عند حارس، فالرجل بسذاجة شديدة عفوية، وضع التابوت خلف الكنسية، والذي حفظه وقتها برودة الجو والثلج، لكن لا يصح أن يترك زعيم وطني بارز هكذا. الحاج خليل العفيفي التاجر من الزقازيق الذي ذهب لاسترداد جثمان محمد فريد على نفقته الخاصة. الوحيد الذي كان يعرف هذا وكتب عنه بحماس وحوله من تاجر لوطني مخلص كان أحمد حلمي. كان وقتها ترك اللواء، ويكتب في الأهرام بإصرار. فوصل الأمر لتشكيل لجنة وطنية لاستقبال جثمان الزعيم محمد فريد على رأسها أمراء الأسرة المالكة التي كانت تعادي محمد فريد، والأمير عمر طوسون كان رئيس اللجنة، بفضل أحمد حلمي والحماس الوطني العظيم.
من أول لحظة لآخر لحظة لم يتردد في أي شيء، حتى في المظاهرات كان يهتف ضد الخديوي، ضد الدولة، ضد الحكومة وكانت مصر بوجود حريات للصحافة، وكان أول من هتف “عاشت الصحافة”.
كان أول من كتب مقالة يبدي اندهاشه كيف أن أقدم دولة زراعية لا يكون لديها وزارة زراعة، وتسبب هذا المقال في أن يوجد وزارة زراعة في التشكيل الوزاري التالي مباشرة. كان مؤثر جدا، كانت كتاباته تهز أعماق الوزراء، حتى الخديوي.
الموهوب الذي يختار موضوعاته بشكل حيوي، الواعي بقضايا شعبه ووطنه. أحمد حلمي كان من أبرز الناس فى هذه المنطقة. أحمد حلمي بلور علاقة الصحافة بالقضايا الوطنية. كان يثور غير متهيب لاعتقال أو سجن أو حتى الضرب البدني ويصر على طرح كل القضايا.
كان كرومر يدعي كذبا طول الوقت أنه منح مصر حرية الصحافة لهذا الحد، لكن حرية الصحافة كانت قبل ذلك منذ أيام الخديوي إسماعيل وأيام توفيق، رغم أن قانون المطبوعات لتعجيز أو لحصار حرية الصحافة كان 1881 في عز معمعة الديون والثورة العرابية، يعني الصحافة كانت تشغي حرية، فيأتي كرومر في نهاية القرن يدعي أنه هو الذي يمنح حرية الصحافة، كلام غير سليم.
من أول رفاعة الطهطاوي الذي كتب مقالة عن الديموقراطية في عهد محمد علي وحرم محمد علي الكتابة فى السياسة بسبب هذه المقالة. الشيخ محمد عبده الذي كان يكتب ضد تصرفات النظار ومن في الحكومة… المؤسسين هم من حركوا المسألة، لم تكن حالة فريدة، لكنه تراكم خلق حالة من حالات الحريات الصحفية.
ذروة الحرية والصدام كانت مع أحمد حلمي، نقل فكرة المهادنة التي تورط فيها الشيخ علي يوسف، يرجع أحمد حلمي يرجعها للمربع رقم واحد لدورها من القضايا الوطنية وهموم الناس. عمل في جريدة الإسكندرية واللواء وجريدة الزراعة وظل طول الوقت تغلق له جريدة فيفتح أخرى، كان يقول لا فاصل بين الصحافة وكل القضايا السياسية والوطنية.

ننتقل إلى محمد التابعي ابن عمدة نوسا الغيط بالدقهلية، والذي تعلم في حقوق القاهرة ، تعليم بالمصاريف دون شهادة الفقر. كان يوصف بالبرنس.. كان أحد المؤسسين العظماء، وكان يكتب باسم مزيف في الأهرام، لأنه كان موظف كبير في وزارة العدل. كتب نقد فني عن العروض المسرحية التي كان يتابعها فكتاباته لفتت الأنظار، محمد التابعي كان المرحلة في نقل وتحسين وتطوير لغة الصحافة. كان أول المرحلة الحديثة. كان يكتب الجمل القصيرة الخاطفة السريعة الملضومة فى فكرة واحدة. كان مهتم جدا بأن هذه الجمل كلها جمل خبرية، على ما تقرأ تكون الفكرة تبلورت في عقلك. بلور الشكل الصحفي في الشكل الحديث. أسس في سنة 1924 مجلة روز اليوسف مع فاطمة اليوسف وأنجحها وظل ثمان سنوات حتى 34 وصلت لأنها من أكثر المطبوعات قراءة.
استرسل أ. أسامة في الحديث وقال: “كانت فاطمة اليوسف بطلة فرقة رمسيس واختلفت مع يوسف وهبي فقررت تعمل مجلة فنية، المجال اللي بتفهم فيه. ومش معنى ان معاها قرشين هتقدر تعمل مجلة. فكرة المهنية بقى هنا. محمد التابعي اللي استكمل هنا وعمل شغل كويس جدا. كان يكتب بسخرية لا تقع أبدا تحت طائلة القانون، كان يطلق أسماء زي وزير الأذى وزير الصابون، كانت أسماء فيها سخرية لدرجة ممكن الوزير نفسه المقصود يقرأها ويضحك، وكان عنده علاقات قوية جدا تابعة للمصادر التي يهاجمها. هو وكريم ثابت وأحمد أبو الفتح عملوا سنة 34 جريدة المصري، اللي بعد كده بقت الجريدة الرسمية للوفد. واللي استمرت لحد ثورة يوليو وتوقفت بعدها. مصطفى وعلي أمين، كان مصطفى أمين عارفين أنه قريب سعد زغلول، فكان يدخل أي وزارة ، وأي مكان ويجيب أخبار بسهولة وكان التابعي مسميه صاصا، وكان ده ربما أول تسمية لكلمة العصفورة، كانت بمنطق القدرة على نقل الأخبار من الجهات الحكومية بدقة وتتحول لأخبار صحفية. نجح المصري نجاح باهر، لحد ما خلى حزب الوفد اشتراه”.
كان التابعي على مسافة جميلة جدا من الملك، وفيما بعد كان صديق الملك فاروق. ذهب الملك فاروق وأسرته لرحلة شهيرة جدا. طلب الملك أن يكون التابعي رفيقه في الرحلة التي كانت في سويسرا. فيما بعد عرفنا أن عبود باشا هو من قام بدفع تكلفة الشهر بالكامل، لأن عبود باشا كان يتدخل فى تشكيل الحكومة كي يتلافى التعرض لتحركاته المالية فى البلد؛ وفيما بعد عرفنا عن عبود باشا علاقته القوية بالمخابرات البريطانية، وفي الحرب العالمية كان له علاقة بالمخابرات الأمريكية، هذا موجود في الكتب ليس وجهة نظر.
التابعي كان على النقيض، كان الصحفي المهني المهتم بأن يحصل على الأخبار، فلما سافر مع الملك فاروق لمدة شهر في سويسرا والملك يعزمه يوميا على الإفطار، كان قد رفض النزول في نفس الفندق مع الملك ونزل على نفقته الخاصة في فندق مجاور لكن الملك كان يصمم أن يجلس كل يوم مع التابعي، الذي كان يأتي بالأخبار ويرسلها لجريدة آخر ساعة. كانت آخر ساعة مشروعه الخاص الذي كان يديره بكل خبرته، والتي أخذت نجاح كل ما سبقها وخبرة التابعي التى تعدت 30 سنة.
كان مثله مثل نجوم السينما ليس لوسامته ولا علاقته بأسمهان ولكن لما كان يقدمه بمهنية في الصحافة. التابعي كان صديق عبد الوهاب، لكنه كتب مقالة لطيفة جدا عن سرقات عبد الوهاب الموسيقية وأتى بتفاصيل دقيقة جدا. كم مزورة هنا وكم مزورة هنا، وهو كان أعز أصحابه. كتابة مهنية دون تجريح. آخر ساعة أهداها لمصطفى وعلي أمين مقابل راتب شهري له عن مقالة يكتبها طوال عمره حتى عمر 71 سنة.
خاتمة
نستطيع القول أن الثوري عبد الله النديم، والشيخ علي يوسف، والعظيم أحمد حلمي، والنجم علي التابعي، هم جميعا قامات عظيمة في تاريخ تطوير الكتابة الصحفية، التي تستحق وبجدارة وصف المرحلة التي ساهموا فى تشكيل الصحافة وقتها، كأحد أقوى أذرع المقاومة فى سبيل القضايا الوطنية، بما عرف بالصحافة الوطنية.
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد