حين تتشابه الأديان… هل هذا صوت الله أم صدى البشر؟ – مروة هجرس

لكن ما أعرفه جيدًا أن الأديان، بكل ما فيها من جمال وتناقض، تحكي لنا أكثر عن البشر الذين اخترعوها (أو نقلوها، إن كنت مؤمنًا) أكثر مما تحكي عن كائن أزلي يسكن السماء.

من يقرأ الأديان الإبراهيمية بتأنٍ – الإسلام، والمسيحية، واليهودية – سيظن في لحظة حماس ديني أن هذه الكتب نُسخت من بعضها البعض مع اختلاف أسماء الأبطال والأشرار، وكأننا نتابع ثلاث نسخ من المسلسل نفسه لكن بإنتاج ثلاث شركات إعلامية مختلفة: واحدة في مكة، الثانية في القدس، والثالثة في روما.

أبطال القصة يتكررون، القوانين تُعاد بصيغ لغوية متنوعة، ونظرة الأديان الثلاثة إلى المرأة؟ دعنا نقول إنها تتراوح بين “وعاء الفتنة” و”مصدر الخطيئة الأولى”. أما المثليون؟ فالنصوص غالبًا ما تصفهم بنفس اللغة التي تصف بها الجرائم الكبرى، وكأن الحب المختلف جريمة تفوق في خطورتها اختلاس المال العام!

ثم يظهر لي أحد المتحمسين ويسألني: “ألا ترى هذا التشابه دليلًا على وحدة المصدر؟ دليلًا على وجود الإله؟”

أردّ عليه بضحكة خفيفة وبقليل من الفلسفة التي تحمل شيئًا من المرارة:
“هذا يا عزيزي لا يثبت إلا أمرًا واحدًا: أن الأفكار تتناقل بين الحضارات كما تتناقل الشائعات في سوق مزدحم، كلٌّ يضيف إليها نكهته، لكنها في الأصل قصة واحدة تتكرر بأقنعة مختلفة”. ما نراه هو تداول للأفكار، انتقال للقصص، وتطور طبيعي للوعي الجمعي، لا وحيًا سماويًا نزل من السماء على دفعات كحلقات متفرقة من برنامج توعوي أخلاقي.”

بل لو عدنا عشرة آلاف سنة للوراء، قبل أن تُطبع أول نسخة من أي كتاب سماوي، كنا سنجد أنفسنا نذبح قرابين بشرية عند شروق الشمس لنُرضي إله الزرع والمطر، أو نحرق النساء لأن شعرهن الأحمر يعني أنهن على صلة بالشيطان. آنذاك، لم يكن أحد ليسأل “هل هذا يثبت وجود الإله؟”، بل السؤال الحقيقي كان: “هل نضحي بالعذراء أم ننتظر العاصفة القادمة؟”

وها نحن الآن، نولد مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا، ليس لأننا اخترنا الطريق بعد بحث فلسفي عميق، بل لأننا ببساطة وُلدنا في بيوت تتبع هذه الديانات. فهل الإيمان الذي يُورّث مثل لقب العائلة يمكن أن يكون دليلاً على وجود الخالق؟ وهل حقيقة أن ما نؤمن به اليوم كان يومًا ما محض أسطورة بالنسبة لأقوام آخرين يجعلنا أكثر صدقًا أو قربًا من الحقيقة؟
ربما، وربما لا.

لكن ما أعرفه جيدًا أن الأديان، بكل ما فيها من جمال وتناقض، تحكي لنا أكثر عن البشر الذين اخترعوها (أو نقلوها، إن كنت مؤمنًا) أكثر مما تحكي عن كائن أزلي يسكن السماء.

وأجمل ما فيها، أنها تتيح لنا فرصة للتأمل، للسؤال، وربما للسخرية – لا من الإيمان، بل من الطريقة التي نمارس بها الإيمان دون أن نسأل أنفسنا: لماذا؟ ومن أين؟ وإلى أين؟

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات