دور الجماعات الصوفية في تعزيز التعايش في العالم…بقلم: علي غرس الله
التراث الروحي يعكس توق الإنسان إلى الارتقاء والسمو ويكشف أن الأديان نشأت وتطورت متوالدة بعضها من بعض عبر التاريخ. فمن الهندوسية القديمة نبتت البوذية واليانية والسيخية، ومن الدين اليهودي انبثقت المسيحية وظهر بعدها الإسلام. ونبعت من الفكر الديني الصيني القديم تعاليم لاو تزو وكونفشيوس
علي غرس الله

التراث الروحي يعكس توق الإنسان إلى الارتقاء والسمو ويكشف أن الأديان نشأت وتطورت متوالدة بعضها من بعض عبر التاريخ. فمن الهندوسية القديمة نبتت البوذية واليانية والسيخية، ومن الدين اليهودي انبثقت المسيحية وظهر بعدها الإسلام. ونبعت من الفكر الديني الصيني القديم تعاليم لاو تزو وكونفشيوس و هذا التنوع الديني بين الشعوب سببه الحدود الثقافية والجغرافية لكن الموروث الروحي الذي نتج عن هذه الديانات المتعددة ليس في حقيقة الأمر إلا شكل من أشكال الوحدة وتشاطر الأماني المشتركة. كما يقول احمد شوقي في قصيدته عيد الدهر،
الكتبُ والرُّسلُ والأديان قاطبةً ***** خزائن الحكمة الكبرى لواعيها
محبةُ الله أصلٌ في مراشدها ***** وخشية الله أسٌ في مبانيها.
تحتاج المجتمعات المتعددة الثقافات التي نشأت في بعض أنحاء العالم إلى الحوار لكي تنتعش وتزدهر. فبدون الحوار بين شعوب العالم لا يمكن التغلب على الجهل والتحيز ولن يتحقق التفاهم المتبادل. فلا يمكن أن يستتب السلام بغير التفاهم المتبادل، وقد نادى بعض العلماء بأن البقاء الإنساني يعتمد على قدرة الإنسانية على التحول والانتقال من الحوار الأحادي الذاتي القديم (المحدد بالقبائل المعزولة أو الدول الأممية) إلى عصر عالمي جديد وحوار متكافل يعتمد بعضه على بعض.
وكما قال الشاعر ادوين ماركهام (1940) “ستستمر الآن وإلى الأبد الأساليب الشعرية والعلمية التي تتناول العالم، مادام للكائنات البشرية عقول تستنار وقلوب تستيقظ”.
ولا يمكننا أن نتحدث عن الحركات الروحية دون العروج على مفهوم الدين، وفي هذا تحدث العالم الاسكتلندي نينيان سمارت 2001(Ninian Smart) وقال أن للأديان سبعة أبعاد، وهذه الأبعاد السبعة طبقا لسمارت هي، البعد الخرافي الأسطوري (القصص المقدس لسير مؤسسي الأديان والأدب المقدس الذي يروي كيف كانت بداية الكون أصلا)، والبعد العقائدي الفلسفي) العقيدة والتعاليم الدينية يمكن تلخيصها في اللاهوت)، والبعد الطقسي أو العملي( الطقوس المقدسة والصلوات والعبادات والحج والممارسات الدينية)، والبعد الخلقي أو القانوني (القوانين المعنوية والواجبات الأخلاقية وقواعد السلوك الشخصي التي تشكل مسيرة الحياة اليومية)، والحركة المنظمة أو الإجتماعية (الهياكل أوالبنى الأساسية التي تديم الدين على مر الزمن كالمجتمعات الدينية المنظمة والجماعات والجمعيات التي تقيم الاحتفالات الدينية وتعقد الاجتماعات وتؤدي العبادات الجماعية وغيرها) والبعد المادي والفني ( المباني والمعابد ذات الصلة بالعبادة والمصلين، وبغير ذلك من جوانب الوحي الفني والمعماري الديني)، والبعد التجريبي (التجارب التحولية المرتبطة بالحضور القدسي)، وهذا البعد بالذات صعب الوصف وربما وصفه مستحيل فبعض العلماء يصفها بأنها تجارب ربانية بمعنى أنها تدل وتكشف عن الوجود الإلهي ولا يوجد دين ليس فيه هذا البعد الذي يمثل حجر الأساس ومنه خرجت كافة مفاهيم التراث الروحي البشري. ويمكن للمرء أن يتخيل تجربة بوذا وهو جالس تحت الشجرة (تين المعابد) حيث بلغ الاستنارة، كذلك التجارب الشديدة التي مر بها المسيح عليه السلام في عزلته أربعين يوما في الصحراء، وأيضا ما حدث لمحمد عليه السلام في غار حراء وغير حياته على جميع الأصعدة فقد كان يتعبد ويتحنث فيه ل 15 سنة عندما تلقى الوحي، أو ما حدث لبهاء الله أثناء حبسه في قبو بطهران. تمثل الأبعاد السبعة التي حددها سمارت في تحليله جوانب مختلفة لنظام واحد متكامل، وبناءا على ذلك فإن الدين أسلوب شامل للحياة يضم “الشخص الكلي وإستخدام العقل والعاطفة والإرادة” وذلك طبقا لتعريف عالم اللاهوت الألماني الأمريكي يواكيم واك. بناءا على ذلك، فإن أي بعد منفرد لأي دين ليس غاية بحد ذاته، ويوفر كل دين من الأديان، ويؤخذ برمته ككل، سبيلا أو طريقا يؤدي الى بلوغ أسمى درجات الصلاح، والصلاح هنا يمكن تعريفه بأنه الحياة الربانية أي الهدف النهائي لكافة الأديان على اختلافها، كالتنوير والإنعتاق والخلاص والتحرر والإدراك، إذن هذه الحالة الروحية الفريدة وما تحمله من محبة ورحمة وخير وتسامح هذه هي النفخة الروحية الربانية التي يمكن الإطلاق عليها إسم الصوفية، ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة لأهل الصوفية أن الطرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق.
وبما أن الدين ظاهرة قد عرفتها كل المجتمعات عبر التاريخ والأدلة الأثرية في ذلك خير دليل، قام كثير من أتباع الديانات عبر التاريخ من المفكرين المتأملين بدراسة متبحرة في الكتب والنصوص المقدسة وميتافيزيقا الغيبيات الماورائية والأخلاقيات والاختبارات التجريبية العملية المباشرة للتحقق من المعتقدات العقائدية واثباتها، وعمل هؤلاء الى دراسة الدين من الباطن بطريقة عامة، أي أنهم كانوا مدفوعين بحافز من إهتمامهم الروحاني وسعوا إلى تغيير وعيهم بالتوافق مع الحقيقة المطلقة، من هؤلاء المفكرين كاشنكارا من رجال الدين الهندوس، وبوداغوسا وناغارجونا في الديانة البوذية، وابن ميمون في اليهودية، وتوما الأكويني وميستر إيكهارت في المسيحية، وشهاب الدين السهروردي وابن عربي في الإسلام. فهؤلاء حسب رأي ريمون بانيكار (2 نوفمبر 1918-26 أغسطس 2010) في هذه المسألة فهموا أن دراسة الدين ليست تصنيف المعلومات الدينية، ولكنها دراسة البعد الديني للكائن الإنساني. فهذه الأفكار الصوفية عبر التاريخ تعبر عن روح عالمية مميزة وعن مجتمع إنساني واحد يتشاطر حياة مشتركة ويشترك في نفس المصير، فالأمة لم تعد الوحدة الأساسية لفهم العالم، فالعالم ذاته هو الوحدة الأساسية. ويمكن فهم كل مجالات الحياة الإنسانية، من إقتصاد إلى البيئة، بشكل أفضل إذا ما تم تبني منظور عالمي جديد، وهذا ما تساعد عليه الفلسفات الصوفية على اختلاف مناهجها، فهذه الروح العالمية المميزة تدرك أن الكائنات الحية ليست جزرا معزولة قائمة كل منها بذاتها، وكذلك ليست الحكومات والصناعات والتكنولوجيا أو الأديان.
لذلك تجد الكثير من المفكرين و الحقوقيين والمناضلين ضد الظلم في العالم لديهم ميولات روحية وأفكار تلامس هذه المفاهيم الصوفية مثل المهاتما غاندي الذي قال “لن يكون سلام دائم على الأرض إلا إذا تعلمنا أن لا نتسامح فقط مع أديان الآخرين، بل وأن نحترمها حتى كما لو كانت أدياننا. و كذلك مارتن لوثر كينغ وايلا بيكر حيث استشهد أميد صافي وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ديوك الأمريكية والمختص بالتصوف الإسلامي وتراث الشاعر جلال الدين بما قالوه أن “ما نعنيه بالعدالة في الساحات العامة هو الحب”، كذلك يقول مارتن لوثر كينغ “يجب على كل أمة أن تطور الآن ولاء سائدا (له أولوية على كل ولاء آخر) للجنس البشري ككل للحفاظ على أفضل ما في مجتمعاتها الفردية. وأن هذه الدعوة لإقامة رابطة عالمية ترفع إهتمامات ومصالح الجوار فوق مستوى عشيرة الفرد وعرقه وطبقته وأمته هي في الواقع دعوة إلى المحبة الكلية الشاملة غير المشروطة للإنسانية بأسرها” كذلك ما حدث مع الحلاج وقتله بتلك الطريقة كان نتيجة تعاطفه الإنساني بالأساس مع ثورة العبيد (الزنوج تحديدا). فالحركات الروحية في مجملها وعت بضرورة الحاجة إلى نظام وعي يستجيب سلميا وإيجابيا للتنوع الديني في عالم مترابط متصل، وذلك من خلال القدرة على الترفع فوق الأنانية وعادات الجماعات والعمل في الوقت ذاته على تطوير أساليب حوارية للحياة تكون انعكاسا معبرا عن عصر من التكافل العالمي.
وبما أن نظرة أصحاب الديانات كانت أن كل طائفة منهم تعتقد أن دينها هو الذي يجسد الحقيقة و يستأثرون وحدهم بها ويستنتجون أن الخير ملك خاص بهم دون غيرهم ولا يتوفر لأحد آخر إلا بإتباع دين تلك الطائفة، فمن هنا تكون نظرتهم إلى الأديان الأخرى أنها ناقصة أو مضللة ودون المستوى أو حتى أنها سبل لحياة الخطيئة والضياع، كانت الفلسفات الصوفية مغايرة لهذه النظرة القاصرة واحترمت وجهة النظر المخالفة بل وتتعلم منها وتتقبل التعدد الثقافي والتنوع الديني وتدعوا إلى سبل تفاهم متبادل وتعايش سلمي. والواقع أولئك الذين يقتربون من البعد الباطني في أديانهم، أي البعد الذي يجسد الرسالة الروحانية في جوهر أديانهم، يكونون أقل حرصا على إبراز الاختلافات والفوارق بين الأديان المختلفة، وعلى العكس من ذلك فإنه إذا تمادى المتدينون، أتباع دين ما في التركيز على الشكل الخارجي الظاهري للدين ولا ينفذون إلى باطن رسالته، فإن الخلافات بين الأديان تؤخذ عندئذ مبررا للتعصب والتقوقع أو المنافسة التي تورث الإنقسام وإقامة الحواجز بين الناس.
فهذه الفلسفات الصوفية تبنت حتى أسلوب عدم العنف في بعض الثورات الإجتماعية التي تطالب فيه بحقوقها، وقد فعل غاندي (2 أكتوبر 1869 – 30 يناير 1948) ذلك وكان للتعاليم اليانية المركزية مبدأ “أهيمسا” أو عدم العنف إطلاقا ضد كل الكائنات الحية وقد أثر هذا في بلاد الهند في عدم التضحية بالحيوانات كقرابين.
لذلك من بدأ بحثه في الصوفية كمفهوم بتتبع أصولها من الناحية التاريخية وبالكشف عن بعض ظواهرها لا يأمل في الوصول إلى نتيجة مرضية تماما، والأسهل من ذلك كله التركيز على بعض الجوانب وإغفال ما عداها، فما كتب في ذلك من مصادر بلغات شرقية وغربية مطبوعة ومخطوطة لا يمكن حصره، وما زالت الدراسات تتدفق في سرعة متوالية، يستحيل معها التمكن من عرض الموضوع عرضا شاملا، فظاهرة التصوف ظاهرة متسعة المجال بحيث لم يستطع أحد الى أن يصل الى أن يحيط بها وصفا كاملا، وتعد الصوفية الإسلامية واحدة من أكثر الأشكال التقليدية للتصوف في العالم، وتمتد الجذور التاريخية للصوفية في الاسلام الى القرن الاول الهجري، وكانت تدور حول محورين رئيسيين التوحيد والإخلاص ومنذ ذلك الحين، اكتسبت الصوفية شعبية كبيرة في العالم الإسلامي، وتشمل مئات الطرق والأندية في العالم الإسلامي. وتتضمن الصوفية مفاهيم مثل السلام والتسامح والحب والتعايش المشترك، وهذه القيم هي التي تجعل الصوفية مهمة في تعزيز التعايش السلمي في المدن المتعددة الثقافات. ومن خلال ممارسة الصوفية، يمكن للناس أن يتعلموا كيفية تقبل الآخرين واحترامهم بغض النظر عن الفروق الثقافية والدينية، وذلك ما لاحظته على الصعيد الشخصي أن العديد من نواحي الحياة تأثرت بالمفاهيم الصوفية وقيمها التي تعزز التعايش، ومن أهم هذه النواحي العلاقات الإجتماعية فتشجع على التعايش بين جميع الناس وتدعوا إلى العدل والمساواة والإحترام المتبادل بين الناس، وبالتالي فإنها تساهم في بناء مجتمعات صحية ومتوازنة.
ومن هنا يمكنني ذكر بعض الأمثلة الحقيقية التي توضح أهمية الصوفية في تعزيز التعايش في المدن والأماكن المتعددة الثقافات :
في تركيا، تعد الصوفية جزءا مهما من التراث الثقافي والديني في البلاد ولها تأثير كبير في تعزيز التعايش والانفتاح بين الأديان والثقافات المختلفة. ويعتبر مرقد الصوفي الشهير جلال الدين الرومي في مدينة قونية بتركيا واحدا من أهم المراكز الصوفية في البلاد، ويشهد زيارة الكثير من السياح والزوار من جميع أنحاء العالم ثم إن الأندية الصوفية في تركيا تعمل على تنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات التي تهدف إلى تعزيز التعايش، فالطريقة النقشبندية في تركيا واحدة من أكثر الأندية الصوفية شهرة في تركيا، فهي ترحب بالأتراك والكرد والعرب والأجانب والمسلمين والغير مسلمين على حد سواء.
وتعد أيضا الزيارة المشتركة لمرقد الإمام الحسين بمدينة كربلاء في العراق واحدة من أكثر الأمثلة وضوحا لتعايش الأديان والثقافات. حيث يتوافد الى هذا المرقد المسلمون والمسيحيون واليهود وغيرهم من الطوائف والأديان، وجميعهم يشعرون بالاحترام المتبادل والتضامن في ظل هذا المرقد.
ومن جهة أخرى الجمعية الصوفية النظامية في المملكة المتحدة، تأسست في عام 1968 وتعمل على تعزيز التعايش السلمي بين الثقافات والأديان، حيث توفر الجمعية العديد من المحاضرات والمناقشات والفعاليات التي تهدف إلى تعزيز الاحترام المتبادل والتفاهم بين الثقافات المختلفة.
كما توجد العديد من المراكز الصوفية في إسبانيا التي تعزز التعايش والحوار بين الثقافات ومن أمثلتها، مركز “دار الأنوار ” وهو مركز صوفي يهدف الى تعزيز التفاهم بين الثقافات وتعريف الناس بالثقافة الصوفية، فيتم تنظيم العديد من الفعاليات والمحاضرات والندوات في هذا المركز ويشارك فيها عادة عدد كبير من الأشخاص من مختلف الثقافات والأديان، بشكل مشابه يوجد مركز “تريكسيتا” الصوفي يشجع أيضا على الانفتاح وعلى فهم الآخر المختلف من خلال تنظيم العديد من الفعاليات والمحاضرات وورش العمل التي تركز على الحوار بين الثقافات والتوجه نحو السلام والتسامح.
مركز “صوفيا” كذلك يقوم بتنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والترفيهية والدينية ويشارك فيها عادة عدد كبير من الأشخاص من أديان متعددة. وجود هذه المراكز كان مفيدا ولا زال في دعم التفاهم والتعايش السلمي بين الجاليات المختلفة خاصة في ظل إطار يؤطر ويدعم الإختلافات الثقافية والدينية والفكرية فيكون بذلك مبادرة طيبة تشجع على التعاون والتفاهم بين وداخل المجتمعات.
في ظل حديثنا عن دور الصوفية في تعزيز التعايش في الأماكن المتعددة الثقافات لا يمكننا تجاهل بلاد الهند، فالصوفية تعد جزءا أساسيا من التراث الثقافي والديني في هذه البلاد. لذلك يعتبر مركز الصوفية في عاصمة الهند نيودلهي واحدا من أهم المراكز الصوفية في البلاد، وهو يشهد زيارة الكثير من السياح والزوار من أرجاء العالم، والسياحة الصوفية في الهند تحتل المراكز الأولى عالميا. وفي نفس السياق، تعد الطريقة الشاذلية الصوفية في الهند أحد أهم الأندية الصوفية في البلاد، وتعمل على تعزيز قيم التعايش والانفتاح بين الأديان والثقافات المختلفة، وتقوم هذه الطريقة بالعديد من الأنشطة والفعاليات التي تهدف إلى تعزيز الانفتاح والتسامح والتعايش السلمي، مثل الدروس الدينية والندوات الثقافية والفعاليات الاجتماعية وإيجاد قواعد إنسانية مشتركة.
في المغرب كذلك ظهرت الطريقة الشاذلية وهي طريقة صوفية نشأت في المغرب في القرن الثالث عشر، تتمتع الطريقة بوجود كبير في المغرب حيث توجد عدة مراكز في مدن مختلفة. ولعبت هذه الطريقة دورا كبيرا في تعزيز الحوار بين الأديان وخدمة المجتمع في المغرب، حيث يعيش أشخاص من مختلف الأديان والثقافات معا وتنظم الطريقة فعاليات منتظمة، بما في ذلك الحوارات بين الأديان والمهرجانات الثقافية ومشاريع خدمة المجتمع.
أيضا في تونس، زاوية سيدي بلحسن الشاذلي وهي مزار صوفي يقع في المدينة القديمة في تونس، وتجذب أشخاصا من جميع الديانات والخلفيات الذين يأتون لتقديم احترامهم للشيخ وطلب بركته، وأصبحت الزاوية رمزا للوئام المجتمعي والسلام، حيث يجتمع الناس من خلفيات مختلفة للصلاة وتقديم الاحترام. بصورة أخرى زاوية سيدي بوسعيد وهي ضريح صوفي يقع في بلدة سيدي بوسعيد بالقرب من تونس العاصمة في تونس، وسيدي بوسعيد هو شيخ صوفي عاش في القرن 13 ويجذب الضريح أشخاصا من جميع الأديان والخلفيات الذين يأتون لطلب البركة فأصبحت رمزا أيضا للتكافل الإجتماعي والسلام، حيث يجتمع أشخاص من مختلف الخلفيات معا للصلاة وتقديم الإحترام والتعاون مع بعضهم البعض.
كذلك المولد وهو احتفال بميلاد النبي محمد عليه السلام في التقويم الإسلامي في مصر، فيتم الاحتفال بالمولد بحماسة كبيرة، حيث تلعب الطرق الصوفية دورا كبيرا في تنظيم الاحتفالات، تتضمن الإحتفالات الموسيقى والرقص الصوفي، ويجتمع الناس من جميع الخلفيات والديانات للمشاركة. فأصبحت احتفالات المولد رمزا للوئام المجتمعي والتعاون والفرحة المشتركة بين أتباع الطوائف المختلفة في مصر، في تونس أيضا تشهد الموالد حضور أتباع ديانات أخرى كاليهود خاصة ثم المسيحيين، وفي سوريا ايضا تتميز الموالد فيها بحضور أتباع الطائفة المسيحية.
وفي الوقت نفسه تعمل الحركات الروحية في المدن المتعددة الثقافات على إقامة مراكز للصلاة والطقوس الدينية التي تجذب الزوار والمتوسطين الروحيين من جميع الثقافات والاديان، كما تنظم أيضا المهرجانات الثقافية والفنية والموسيقية والراقصة، والتي تجمع بين الثقافات المختلفة. وتعمل على بناء شبكات ثقافية واجتماعية تجمع بين الثقافات المختلفة وتساعد على التفاهم والتعاون بينها. كما تنظم اللقاءات الثقافية والتعليمية والدورات العملية و الندوات التي تساعد على تعزيز التفاهم والتعايش، وتساهم بشكل كبير في العمل الخيري والإنساني من ذلك حلها للكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الأماكن المتعددة الثقافات. وتقوم هذه الحركات ذات الطابع الصوفي بتوزيع المواد الغذائية والملابس وأحيانا توفير المأوى للمحتاجين من جميع الثقافات والأديان، مما يعمل على تحقيق التوازن والعدالة في المجتمع، بالتالي يمكن القول أن الصوفية قد ساهمت في تعزيز التعايش في المدن.
ومن بين الحركات الصوفية المعروفة في أستراليا “الحركة النقشبندية” فهي من أكثر الحركات الصوفية شعبية في أستراليا ويعتبر المحفل الصوفي للحركة في سيدني وملبورن وبريزبين مراكز لجذب العديد من المهتمين من مختلف الخلفيات الثقافية والدينية، كذلك الحركة الشاذلية حيث أسس أتباعها مراكز للأنشطة الاجتماعية والحوارات الثقافية في مدن استرالية عديدة مثل ملبورن وسيدني وبيرث، اضافة الى الحركة المولوية التي تتوفر لها مراكز في سيدني وملبورن وبريزبن.
تقوم كل هذه الحركات بتنظيم انشطة مختلفة مثل المحفل الصوفي والدروس والانشطة الاجتماعية والخيرية والعمل التطوعي والحفلات الدينية وهذا يساعد على تعزيز التعايش والخير والانفتاح بين الثقافات المختلفة في استراليا.
في الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر مسجد فريداي في هيوستن وهو مشروع مشترك بين الجالية الإسلامية والمجتمع المحلي، حيث يستخدم المسجد للتجمعات الثقافية والاجتماعية، يتميز بالانفتاح والتعاون مع المجتمع المحلي من جميع الأديان والثقافات.
كما تعتبر حركة “Dances of Universal Peace” من الحركات الصوفية في امريكا وتهدف إلى تعزيز التعايش والخير والانفتاح بين الثقافات المختلفة، حيث تجمع الناس من جميع الأديان والثقافات للرقص والغناء والتأمل، وتعمل على تعزيز السلام والمحبة والتسامح بين الناس.
بشكل مشابه مؤسسة “ Interfaith Youth Core” تعزز التفاهم والتعاون بين الشباب من جميع الأديان والثقافات، وتقدم برامج تعليمية وتدريبية للشباب لتعزيز القيم الإنسانية والدينية العالمية مثل العدل والمساواة والاحترام والتسامح.
كما انه يوجد في ولاية جورجيا مطعم صوفي يسمى مشروع “Rumi’s Kitchen” ويتميز بتقديم الطعام الإيراني والأفغاني والتركي وهو يسعى الى توثيق الانفتاح والتعاون مع الآخرين ومع الثقافات المختلفة في المجتمع الأمريكي، يعتمد مشروع على فكرة ال “فوديسكوفيري”، حيث يقدم المطعم أطباق مختلفة من جميع انحاء ايران وافغانستان وتركيا، ليتعرف الناس على ثقافات هذه البلدان ويجمع بين الناس من جميع الأديان والثقافات حول الطعام والثقافة والتراث. ويشتهر هذا المشروع بالتزامه القوي بالاستدامة والتوازن وتقديم الأطباق العضوية والمحلية والصحية، هو مزيج رائع ومركب من المحلية والعالمية.
وهذه أمثلة قليلة فقط على كيفية مساهمة الصوفية في تعزيز الوئام الاجتماعي والتماسك المجتمعي في الأماكن المتعددة الثقافات في العالم. فهذه الطرق المختلفة والاضرحة تمثل رموزا مهمة للوئام والسلام المجتمعي، حيث يتجمع الناس من خلفيات مختلفة للصلاة والمشاركة في الخدمة المجتمعية، من خلال تعزيز الحب والرحمة والتسامح والخدمة المجتمعية، ومن هنا يمكن للصوفية المساعدة في تقريب الثوابت التي يمكن ان تنشأ بين المجتمعات المختلفة في الاماكن والمدن المتعددة الثقافات، وبالتالي خلق مجتمع أكثر تكافلا وتماسكا.
ولا يخفى على الجميع انه كان لعدد من قادة الحركات الروحية الفضل في تعزيز سبل التعايش والحوار مثل مشاركة الشيخ احمد عبد الرحمن الصوفي في عمليات فض النزاعات في جنوب افريقيا بين السكان الأصليين والمهاجرين، حيث كان يعمل كوسيط بين الجانبين، وقد نجح في تحقيق السلام والتعايش السلمي بين الجانبين.
ثم في باكستان، يعتبر الشيخ الروحاني عبد اللطيف البغدادي واحدا من أشهر الشيوخ الصوفية الذين شاركوا في فض النزاعات في البلاد، وقد قام بوساطة بين الحكومة الباكستانية والمتمردين البلوش في عام 2005، حيث تم التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ومن ناحية اخرى في العراق، يشهد مرقد الشيخ عبد القادر الجيلاني(470 – 561 هـ / 1077 – 1165 م) في بغداد زيارة الكثير من الزوار والمستوطنين الروحيين من جميع أنحاء العالم، ويقوم الشيوخ الصوفية هناك بدور وسطاء لتقريب وجهات النظر بين الجانبين المتنازعين في العراق، حيث قاموا بوساطة في النزاعات بين السنة والشيعة في العراق عام 2006، فتم التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار ومن ثم تخفيف التوترات بين الجانبين المتنازعين.
ولا يمكن انكار أن الدالاي لاما الزعيم الديني للبوذية التبتية (6 يوليو 1935م– حتى الآن) وكذلك هو متصوف قام بالعديد من الافعال التي عززت التعايش وروجت للمحبة والرحمة وساعد في فض النزاعات، فقد قام الدالاي بإنشاء مركز ديني مشترك للبوذيين والمسلمين في الهند، وذلك لتفعيل الحوار والتفاهم المشترك بين الطوائف الدينية المختلفة. وهو يعتبر مدافعا شرسا عن حماية البيئة ومكافحة التغيرات المناخية، حيث قام بإطلاق حملات ومبادرات لتوعية الناس حول اهمية الحفاظ على البيئة وتشجيع السلوكيات المستدامة.
كذلك كان مؤيدا للحوار والتفاهم في حل النزاعات، وقد لعب دورا مهما في العمل على تخفيف التوتر بين الهند والصين في قضية التبت.
وهو يشجع الناس على نشر السلام والرحمة في حياتهم اليومية، وذلك من خلال دعواته الى ممارسة اللطف والعطف والتسامح والتعاون مع الآخرين فيقول في كتابه ما وراء الأديان “ان جوهر التعاطف هو الرغبة في تخفيف معاناة الآخرين وتعزيز سعادتهم، هذا هو المبدأ الروحاني الذي تنبثق منه جميع القيم الداخلية الايجابية الاخرى”. كذلك قال مقولة مهمة في كتابه وهي ” ما نحتاج اليه اليوم هو نهج أخلاقي لا مرجعية فيه للأديان، ومن شأنه ان يكون مقبولا بالقدر نفسه لدى المؤمنين بالأديان وغير المؤمنين بها، ما يلزمنا هو أخلاق علمانية” وأكثر ما يمكن ان يحتوي القيم العلمانية هي الحركات الصوفية كيف لا وشعارها المحبة والتسامح والرحمة التي هي منبع لكل الفضائل.
وهو يؤمن بأهمية تحقيق العدالة الاجتماعية، ولذلك قام بإطلاق حملات لتوعية الناس بحقوقهم ودعم العمل على إنشاء مجتمعات أكثر عدلا وتكافؤا، حيث يروي قصة حدثت له مع الوزير الأول لبيهار أثناء حضوره حفلا رسميا بمناسبة افتتاح معبد بوذي جديد، وبيهار هي ولاية فقيرة وذات كثافة سكانية مرتفعة تقع في شمال الهند. فقال الوزير الاول ان بيهار ستزدهر الان ببركات بوذا، وعندما أتى دوره للحديث قال انه اذا كان ازدهار بيهار يعتمد على بركات بوذا فحسب، فإنه كان لابد لها أن تزدهر منذ زمن طويل، فبيهار هي موطن الموقع الأقدس لدى البوذيين وفيها بلغ بوذا الاستنارة الكاملة. فالتغيير الحقيقي يستلزم اكثر من بركات بوذا، ويستلزم أيضا ما هو أكثر من الصلاة، فعلاوة على ذلك نحتاج إلى العمل الذي لن يتحقق الا من خلال الجهود المقتدرة للوزير الأول وآخرين من أمثاله”.
فهو رجل عقلاني متزن ذو بعد صوفي وذلك واضح من خلال أقواله وتصرفاته وانجازاته على أرض الواقع، فيقول ايضا “حين مرضت منذ بضع سنوات، كانت معرفتي بأن الناس يصلون من أجلى تطمئننني بالتأكيد، لكن يجب ان اعترف بأن المستشفى الذي كنت أعالج فيه يضم أحدث المعدات المخصصة للتعامل مع حالتي مطمئنة بدرجة أكبر”.
وفي نفس السياق تشمل الصوفية الإيكولوجية أيضا العديد من الزعماء والمفكرين الذين يؤكدون على أن الطبيعة هي المصدر للإلهام الروحي وأن الإنسان يجب أن يعيش في توازن وتناغم مع الطبيعة. حيث يقول توماس بيري أن الطبيعة هي المعلمة الأكبر، ونحن نحتاج فقط الى الإستماع لها، وفعلا فإن معظم الاكتشافات العلمية على سبيل المثال الأجهزة الجيوفيزيائية التي يتم استعمالها للإستكشافات المعدنية والبترولية كانت نتيجة دراسة بعض الكائنات الحية كالدلفين والخفاش، وبشكل مشابه يقول لا يمكن أن تنمو الروح في بيئة تفتقر إلى الجمال والتناغم، وتقول كذلك إيفلين أندري ان الحب والاحترام والتقدير هي المفاتيح للحفاظ على التوازن بين الإنسان والطبيعة، وعلى مر التاريخ كان لبعض متصوفة الإسلام هذا التوجه مع الطبيعة مثل شيخ التربية أحمد العلاوي فكان يحث على السياحة أي الخروج في الطبيعة والتعرف على أناس جدد ومشاهدة أماكن طبيعية جميلة ويحث على التأمل في عظمة الكون الفسيح، وفي آخر سنوات حياته كان يمنع نفسه من أكل اللحم وهي تعاليم صوفية تنهى عن أذية أي كائن حي والاكتفاء بالأكل النباتي، ثم نختم مع سامويل لويس حيث قال اذا كنت تريد تغيير العالم فإبدأ بتغيير نفسك. فكان لهذه اللمسة الصوفية الإيكولوجية أثرا كبيرا في توعية المجتمعات المختلفة على ضرورة حماية البيئة والمحافظة عليها من خلال بروز العديد من المنظمات والمجموعات الناشطة في هذا المجال مثل المنتدى الدولي للصوفية الإيكولوجية ومؤسسة آسيا الوسطى للصوفية الإيكولوجية وجمعية الشمس للتنمية المستدامة والتراث الإسلامي، ثم إن حركة الغابات المقدسة في اندونيسيا تعتبر واحدة من أكبر الحركات الإيكولوجية الصوفية في العالم، حيث تعمل على حماية الغابات والمحافظة عليها وتعتبر الغابات مقدسة وتحميها من الصيد الجائر والتجارة الغير القانونية، أيضا فلسفة المدينة الخضراء في الإمارات العربية المتحدة متأثرة بهذه المفاهيم وتركز على بناء مدن ومباني مستدامة ومحافظة على البيئة الى جانب استخدام الطاقات النظيفة في هذه المنشآت، فالصوفية تشجع على التركيز على الطبيعة وتأملها واحترامها وبالتالي فإنها تساهم في بناء علاقة إيجابية بين الإنسان والطبيعة قائمة على حماية البيئة والمحافظة عليها، وبشكل عام تشكل أيضا مصدرا قويا للطمانينة والسكينة والتوازن النفسي وتساعد في تعزيز الصحة النفسية والعاطفية للأفراد، وهذا يؤثر بدوره على التعايش بين الناس.
ولا يمكننا تجاهل أيضا أن الصوفية أثرت على الفن والثقافة وتساعد في بناء مجتمعات ذات هوية قوية ومتنوعة وتدعم التفاعل الثقافي وحركة التثاقف بين الناس وتعزز التعايش بين الثقافات المختلفة، فالموسيقى هي لغة الروح.
وفي هذه الفقرة الأخيرة سأتناول موضوع التنمية البشرية ودور الأفكار والفلسفات الصوفية في نشأتها:
من أهم وسائل رياضة النفس عند أهل الصوفية هي قطع العادات وترك المألوفات بكلام التنمية البشرية المعاصرة أن تخرج من منطقة الراحة Leave the comfort zone وتتحدى نقاط ضعفك، كما يقولون أيضا أن الإنسان مرآة لتجلي الكون، أي كل مذمة ومسبة وقعت عليك من شخص ينبغي لك أن تعرف على الحقيقة بأنك موصوف بها ومستحق لإطلاق ذلك، فإذا قيل لك كلب أو خنزير أو أمثال لذلك فأيقن أن فيك حصة من صفات الكلب أو الخنزير او أمثال ذلك، وذلك لأن الإنسان نسخة جامعة وكما أن فيه صفات ملكية (فضائل) كذلك هو الحال فيه صفات حيوانية، ثم إن المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، كما في قصيدة ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء (أي المريدين) “ولا ترى العيب إلا فيك معتقدا عيبا بدا بينا لكنه إستترا” كما هو بيت الشعر الصوفي الشهير”وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر” وفي منطق التنمية البشرية الحديثة أن الإنسان أيضا هو الكون الأصغر والإنسان هو إنعكاس لأفكاره إن كانت إيجابية أو سلبية كما هو الحال وفق قانون الجذب، فكلام أهل الصوفية من المسلمين قيل منذ أكثر من ألف سنة والتنمية البشرية الحديثة وعلوم الروحانيات العصرية وحركة العصر الجديد هي وليدة هذه الفلسفات التي هي بدورها سليلة فلسفات وأفكار ومذاهب قديمة من الشرق الأدنى والشرق الأقصى. فمثلا طريق المحاسبة عند أهل الصوفية يكون بحفظ الأنفاس وضبط الحواس ورعاية الأوقات وإيثار المهمات، وهذا يشبه تأمل مراقبة الأنفاس وهي إحدى تقنيات التأمل الموجودة في فلسفة اليوغا الهندية وهي من الطرق العصرية للتأمل بالتركيز على الأنفاس تعتمدها علوم تطوير الذات المعاصرة، كذلك ما يتم استعماله من حركات “الهاتا يوغا” في البلدان الغربية منذ سنوات حتى تجعل الجسم يصل إلى حالة من الاسترخاء والتركيز ومرحلة من السكون العقلي، ويوجد طريق الجوع والصمت والسهر والعزلة وهي من أهم الطرق الصوفية التي يعتمدها المريد أصولها قديمة جدا وهي إحدى الطرق التي كان يقوم بها الغنوصيون حتى قبل وجود الأديان، وهي تعد من التقنيات المهمة الموجودة في الهندوسية والبوذية يتبعها السالك حتى يسكن أفكاره ويصل إلى حالة من الصفاء ثم الحضور، ومن أهم ما تؤكد عليه التنمية البشرية في العصر الحديث أن يكون الإنسان حاضرا في لحظة الآن وقد أكد على هذا المفهوم ايكهارت تول Eckhart Tolle(ميلاد 16 فبراير 1948 حتى الآن) في كتابه قوة الآن. فالصوفية منذ ما قبل الأديان (الغنوصية) ومرورها عبر العصور لها أثر عظيم في التأثير على بروز ما يسمى بالتنمية البشرية بمختلف فروعها المختلفة حول إدارة الوقت و تطوير الذات وإدارة العلاقات والأكل الصحي والصحة النفسية، وغيرها من فنون هذه العلوم التي تهتم بالتركيز على حياة الإنسان في حد ذاتها وما تواجهة من مشاكل وصعوبات وإيجاد الحلول المناسبة لها، وأحد أهم أوائل المتحدثين عنه في العالم العربي الدكتور إبراهيم الفقي وهو بدوره وظف بعض الآيات والآحاديث في الدعاية للتنمية البشرية (محاولة المزاوجة بين التراث وما يدعوا له من افكار) وهو مدرب تنمية بشرية مصري شهير وقد تأثر بالصوفية في عمله وفلسفته التعليمية كما فعل بعض الدعاة الآخرين مثل محمد العريفي الذي له كتاب اسمه “استمتع بالحياة” وهو مصنف على أنه مدرب تنمية بشرية شهير وهو ايضا عالم دين معروف ويستخدم العديد من المفاهيم الصوفية في عمله رغم أن الوهابية في صدام تام مع القيم الصوفية ولكن جميل جدا إن أنارت هذه القيم الروحية النبيلة بعض العقول من أتباع المذهب الوهابي، وعائض القرني هو مدرب تنمية بشرية وكاتب سعودي ولكنه بالأساس رجل دين ويعتمد في اسلوبه التعليمي على قيم التنمية البشرية المستمدة بالأساس من الصوفية والتفكير الايجابي، له عدة كتب من بينها حتى تكون أسعد الناس و مفتاح النجاح، هذا بالإضافة إلى سلسلة متواصلة من الدعاة أمثال عمرو خالد وسلمان العودة وعلي العمري ومصطفى حسني و وسيم يوسف والقائمة تطول وتطول، ونرى مثل هذا النهج كثيرا عند مدربي التنمية البشرية المشهورين في العالم العربي كالدكتور أحمد عمارة، وإيهاب حمارنة وحتى بعض القرآنيين وظفوا بعض من هذه المفاهيم العصرية للتنمية البشرية لإثراء النص والخروج منه بإضافة جديدة وأكثر عصرية كأمين صبري رغم محاولته إخفاء علاقته بها بل ويهاجمها أحيانا، فالتنمية البشرية بكل مفاهيمها الحالية هي نسخة عصرية من الممارسات الغنوصية و أفكار الفلسفات الصوفية القديمة.
فبذلك تكون التنمية البشرية مشجعة على التعلم المستمر والتطور الروحي وهذا يمكن أن يؤدي الى تحسين المهارات والقدرات الشخصية والاجتماعية مثل التعليم والتدريب في مجالات مختلفة مثل اللغات والثقافات والتاريخ والدين والعلوم وهي أدوات هامة للتشجيع على التعاون والتفاعل مع الثقافات المختلفة بشكل إيجابي، وتحث على الاستقامة والإخلاص والتفاني في العمل، وهذا يمكن أن يساعد على تحسين الأداء والإنتاجية في العمل. وبعض مفاهيمها تستعمل أيضا بشكل واسع في الشركات والجامعات لتطوير الفرد وتحسين أدائه في هذه المؤسسات من خلال ورشات التدريب والتطوير في إدارة الأداء لموظفي الشركات أو الطلاب في الجامعة علاوة على توجيههم في إختيار المسار المهني المناسب لهم وذلك من خلال توفير الاستشارات والإرشادات اللازمة. بالاضافة إلى إنشاء برامج تفاعلية وفعاليات تهدف إلى تعزيز الروابط الاجتماعية والتعاون بينهم. وهؤلاء بعض أعلام التنمية البشرية الغربيين، برينا براون وهي مدربة تنمية بشرية امريكية وتؤمن بالصوفية وتستخدم بعض مفاهيمها في عملها و ألان واتس هو ايضا مدرب وكاتب بريطاني يعتمد في أسلوبه التعليمي على الأفكار الصوفية والتفكير الإيجابي، يوجد ايضا دكتور فيل واوبرا وينفري وستيفن كوفي وديباك شوبرا وغيرهم الكثير والكثير. فالتنمية البشرية تقوم بتعزيز التوعية الثقافية بين أفراد المجتمع، وتساعدهم على فهم الثقافات المختلفة وتقبلها بصدر رحب، مما يؤدي إلى تعزيز التعايش الثقافي.
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد