رفيق العظم.. المفكر السوري الذي سبق علي عبد الرازق بعقدين .. بقلم: أشرف قنديل

رفيق العظم

بقلم: أشرف قنديل

havt رفيق العظم.. المفكر السوري الذي سبق علي عبد الرازق بعقدين .. بقلم: أشرف قنديل

في يوم وقفة عرفة، التاسع من ذي الحجة سنة 1343هـ (30 يونيو 1925م)، وفي خضم معركة كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق، نشر الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار نعيًا مؤثرًا وترجمةً وافيةً للمفكر السوري الكبير رفيق بك العظم. جاء في الرثاء:

image رفيق العظم.. المفكر السوري الذي سبق علي عبد الرازق بعقدين .. بقلم: أشرف قنديل

(فُجعت البلاد المصرية والسورية، بل الأمة العربية، برجل كان من أعلى رجالها قدرًا، وأنبههم فيها ذكرًا، وأعظمهم لديها زخرًا (…) العالم المؤرخ، الكاتب الاجتماعي، العامل السياسي، صديقي الوفي (رفيق بك العظم) … لقد فقدت الأمة بفقده زعيمًا كبيرًا، ونابغًا حكيمًا، وكاتبًا قديرًا، في زمن هي أحوج فيه إلى الرجال المحنكين، والزعماء المخلصين منها إلى العافية للأبدان) …
(المنار، المجلد 26، الجزء 9، يوليو 1925م)
رائد الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة
وللمفارقة، كان رفيق العظم هو أول من دعا على صفحات المنار نفسها — التي كان يُشرف عليها رشيد رضا — إلى ضرورة التمييز بين السلطتين الدينية والسياسية، بين العبادات والمعاملات. ورأى أن هذا الفصل، الذي نطلق عليه اليوم اسم “العلمانية”، لا يتعارض مع الإسلام، بل ينطلق من روحه.
ففي مقال نشره في المنار سنة 1912م بعنوان “أثر السلطان عبد الحميد في الدولة ومقاومته للدستور” (المنار، المجلد 15، ص101-110)، قدم العظم نقدًا لاذعًا للسلطان عبد الحميد الثاني. انتقد مقاومته للدستور، واعتبر أن الخلافة في عهده كانت مجرد غطاء ديني للاستبداد السياسي، ورفض تصوير عزله كخيانة للإسلام كما كان الكثير من المسلمين خاصة في الهند، بل وصف انقلاب “الاتحاديين” عليه بـ”الانقلاب الميمون”!
اجتهاد مبكر في تفكيك خطاب “الخلافة”!
في هذا المقال -“الانقلاب الميمون”- وغيره، أكد العظم أن الإسلام لا يتضمن نظامًا سياسيًا محددًا، بل يفسح المجال للعقل والاجتهاد في شؤون الحكم، وهاجم استخدام الدين لقمع الحريات، ودعا إلى دستور، وبرلمان، ونظام مدني يحكمه العقل لا النص!
كما ردّ في نفس المقال على اعتراضات مسلمين من الهند حزنوا على خلع عبد الحميد -وتحديداً رسالة كاتب هندي يُدعى الفاضل مولوي إنشاء الله نُشرت في جريدة أبزرور الهندية عن “الانقلاب العثماني”- بقوله:
“يقيس المسلمون في الهند الأمور بالظواهر، ولا يُدركون حقائق الاستبداد إلا من خلال الصحف، أما الذين عاينوا السلطنة العثمانية، فهم أعلم الناس بمدى ضلال تلك المظاهر”.
وفي مقالة أخرى بعنوان «أثر السلطان عبد الحميد في الدولة ومقاومته للدستور» نشره في المنار سنة 1908م، عقب إعلان الدستور العثماني الثاني، دعم الثورة الدستورية وكتب:
“إن تمسك بعض الناس بالخلافة الشكلية، رغم فسادها، هو نوع من الحنين العاطفي الخالي من الوعي السياسي”
(المنار، المجلد 11، ص220)
قبل عبد الرازق بعشرين عامًا
إن ما يلفت النظر في فكر العظم أنه سبق علي عبد الرازق بما يزيد عن عقدين في تقديم رؤية “إسلامية مدنية” تفصل الدين عن الدولة. ففي كتابه “تنبيه الأفهام إلى مطالب الحياة الاجتماعية والإسلام” (بيروت، 1903م)، شدد على أن الإسلام دين مدني بطبعه، وأنه يوازن بين الحريات الفردية والتكافل الاجتماعي، ودعا إلى الاجتهاد، ورفض الجمود، كما حذّر في الوقت نفسه من تقليد الغرب دون وعي.
رشيد رضا… والمفارقة الكبرى!
تبقى المفارقة الكبرى هنا في موقف رشيد رضا. ففي حين نشر ودافع عن مقالات العظم التي يمكن وصفها بـ”العلمانية” في المنار، عاد بعد سقوط الخلافة 1924م ليشنّ هجومًا على الشيخ علي عبد الرازق بسبب مضمون كتابه، الذي لا يختلف كثيرًا عمّا نادى به رفيق العظم. حيث يمكن تفسير هذا التناقض في موقف رضا قد يعود إلى أسباب عديدة ساهمت في تغير موقفه السياسي والفقهي يمكن سردها في السطور التالية. فقبل سقوط “الخلافة” في عام 1924م، كان رضا من أنصار الإصلاح السياسي والدستوري ضمن الدولة العثمانية، لكن بعد سقوط الخلافة، انتقل إلى الدفاع عن “الخلافة الإسلامية” كرد فعل على توسع الهيمنة الغربية وتفكك وحدة المسلمين. كما يبدو أن شخصية عبد الرازق، وانتمائه للمؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر)، والظرف السياسي المستجد بسقوط الخلافة بعد ثلاثة عشر قرناً من الزمان، بالإضافة إلى أسلوب علي عبد الرازق الصادم وتطرقه ليس فقط للخلافة الراشدة، بل وحتى للدولة النبوية في المدينة — بخلاف لهجة العظم الإصلاحية الهادئة — ساهمت أيضًا في اشتداد هجوم رضا عليه -الذي وصل حد التكفير- رغم التقاطع الفكري الكبير بينهما.
المراجع:
مجلة المنار، الأعداد: المجلد 11 (1908)، المجلد 15 (1912)، المجلد 26 (1925) *

  • رفيق العظم، تنبيه الأفهام إلى مطالب الحياة الاجتماعية والإسلام، بيروت، 1903
  • محمد عمارة، الإسلام والسياسة: الرد على شبهات العلمانيين، دار الشروق
    Albert Hourani, Arabic Thought in the Liberal Age, Cambridge University Press

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات